/>

التمرد الطائفي والأيدي الخبيثة! بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود





بقلم: أ. د. حلمي محمد القاعود
مذ تولي "شنودة" رئاسة الكنيسة في بداية السبعينيات أخذ التمرد الطائفي شكلا واقعيا ملموسا يتحرك على الأرض بقوة غير مسبوقة، وكانت أحداث الخانكة أول تجربة عملية للمظاهرة "الاستشهادية" التي شارك فيها 117 راهبا أمرهم شنودة أن يذهبوا لمساندة النصارى الذين اخترقوا القانون وأن يموتوا هناك ويكفي أن يرجع منهم 17 راهبا فحسب!
كان شنودة يفكر بعقلية الانتهازي، حيث يرى الدولة في مأزق الاحتلال اليهودي الذي تقف قواته على الشاطئ الشرقي لقناة السويس، والرئيس الجديد الذي خلف جمال عبد الناصر يبدو في وضع حرج بسبب التحركات الناصرية والشيوعية التي تسبب له المشكلات السياسية والاقتصادية والإعلامية وتقوم بها التنظيمات السرية التي شكلها في أثناء حكمه لتكون سندا له؛ وفي مقدمتها التنظيم الطليعي الذي كان أفراده يحتلون معظم مرافق الدولة، وفي الوقت ذاته كان تنظيم الأمة القبطية ومدارس الأحد التي تربي فيها شنودة قد حقق وجودا كبيرا في الكنيسة على امتداد البلاد وتشبع بفكرة تحرير مصر من المسلمين الغزاة، وبعث اللغة الهيروغليفية بوصفها لغة الأقباط ومحو اللغة العربية لغة الغزاة، وبناء أسس دولة مستقلة تكون الكنيسة فيها مرجعية للنصارى لا الدولة المصرية، ولها مؤسساتها الاقتصادية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية، وإغراق البلاد بالكنائس الجديدة في كل مكان حتى الأماكن الصحراوية لتكون قلاعا خرسانية، وإنشاء المزيد في عواصم الخارج ومدنه الكبرى لتكون سفارات وقنصليات للدولة القبطية وتجذب المهاجرين النصارى وتمثل مرجعية لهم، وتخاطب الدولة التي تحتضنها في القضايا السياسية وغيرها، مع التركيز على الحديث الدائم عما يسمى اضطهاد النصارى تحت الحكم الإسلامي الذي يحتل مصر.
ومن خلال هذه الكنائس نبتت أذرع الكنيسة التي أعلنت قيام دولة قبطية في واشنطن لها رئيس ووزراء، ثم إن رواد هذه الكنائس كانوا ينظمون المظاهرات العدوانية التي تستقبل الرئيس المصري (السادات أو مبارك) عند زيارته للعواصم الغربية وأميركا بما يجعله محل مساءلة من الدولة المضيفة وإعلامها المتعصب ضد المسلمين عادة.
التمرد الطائفي بقيادة شنودة كان يستلهم فكرة لاهوت التحرير الذي قامت به كنائس أميركا اللاتينية، وجعل النموذج الأندلسي نصب عينيه، وأنه بعد ثمانمائة عام خرج المسلمون من غرناطة آخر معاقلهم هناك بعد انتصار فيرناندو وإيزابلا، والأمر بالنسبة لمصر لا يبدو مستحيلا خاصة بعد الهيمنة على الأبواق الإعلامية والنخب الثقافية والسياسية والأمنية، واستخدام العصا والجزرة مع من يتردد أو يبدو عصيا على السمع والطاعة لكنيسة العباسية. ويكفي أن ترفع تهم التعصب والاضطهاد والتشدد والتكفير والإرهاب وكراهية الآخر لتجعل المسلمين في موقف الدفاع عن النفس وإيثار الصمت للنجاة بأنفسهم من الاتهامات الظالمة، وقد أبلى الشيوعيون والناصريون والليبراليون بلاء مشينا في خدمة التمرد الطائفي بحكم كراهيتهم المسبقة للإسلام واحتقارهم لشريعته.
كان شنودة يتحرك بذكاء غير عادي في تقديم نفسه للمجتمع ورموزه عبر وسائط الإعلام، ويحرص على أن يظهر في صورة الضحية الذي لا يملك من أمره شيئا أمام اضطهاد النظام والمسلمين له، وربما كان السادات هو الوحيد الذي تنبه لتآمر شنودة، وقد أدانته المحكمة في حكم تاريخي وهو يسعى لإلغاء حكم السادات بنزع رئاسته للكنيسة عام 1981 في أحدث سبتمبر الشهيرة. وحيثيات الحكم تكشف ملامح الجريمة العظمى التي ارتكبها شنودة ضد الدولة والإسلام والمسلمين والنصارى جميعا!
بعد رحيل شنودة جاء تواضروس دون أن يملك ذكاءه. جاء مدفوعا بالتعصب المباشر وكراهية الإسلام والعمل السياسي العلني ضد الإسلام والديمقراطية وحرية الشعب، وقد حرص قبل تنصيبه على إلغاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور وإلا فلن يذهب للتنصيب، وذلك عن طريق انسحاب الأعضاء النصارى والموالين للكنيسة من الشيوعيين والناصريين والفلول. وقد انسحبوا بالفعل في آخر لحظة من لحظات كتابة الدستور وسطوره الأخيرة، ثم شارك في جريمة هدم الديمقراطية، والتدبير للانقلاب العسكري الدموي الفاشي الذي قاده وزير الدفاع، وتم بموجبه اختطاف رئيس الدولة وإلغاء الدستور الذي وافق عليه ثلثا الشعب المصري في استفتاء حر نزيه، وحل المجلس النيابي الشرعي، ولم يكتف تواضروس بذلك بل هنأ قوات الانقلاب بالمذابح والمجازر التي قامت بها ضد المسلمين الذين كانوا يصلون الفجر عند دار الحرس الجمهوري، والذين كانوا عند المنصة والمعتصمين في رابعة والنهضة، والمتظاهرين في رمسيس وجامع الفتح و6 أكتوبر والقائد إبراهيم بالإسكندرية وعواصم المحافظات والمدن الكبرى وقرى دلجا وكرداسة وناهيا والهرم وغيرها، وكان سعيدا بدماء المسلمين التي يسفكها الانقلابيون ويهنئ القتلة الذين يحققون الأمن والأمان لكنيسته على جثث المسلمين!
كان من الواضح أن تواضروس المندفع في تعصبه سعيد بالنموذج النيجيري الذي حقق حكم الأقلية الموالية للكنيسة بدلا من النموذج الأندلسي الذي قد يستغرق وقتا طويلا في إجلاء المسلمين وتصفيتهم.
تواضروس لم يقنع بما وصل إليه حيث صارت الكنيسة تحكم مصر عمليا، ولا يتم فيها أمر يخالف إرادتها، فقد استطاع أن يحصل لأول مرة على موافقة آل سعود – شركاء الانقلاب - لبناء كنائس في الحجاز ونجد، ويحظى بحق العمل والتبشير في الكويت التي امتدح حكامها بطريقة لافتة في حديث تلفزيوني!
ثم إنه لم يخافت بعدائه الصليبي السافر للربيع العربي ووصمه بالشتاء العربي، ووصف الثوار الذين تمردوا على ظلم الحكام الطغاة بالأيدي الخبيثة، وقال إن ثورات الربيع العربي "شتاء عربي دبرته أيد خبيثة" لتفتيت المنطقة العربية؛ وأضاف مبينا جهده السياسي في مساندة الانقلاب العسكري الدموي الفاشي: "إن الكنيسة حرصت على إجلاء الحقائق لكل الوفود الغربية والأجنبية التي زارتها بعد تلك الأحداث".
ولم يكتف تواضروس بهذا، بل شن حملة رخيصة على الرئيس المسلم محمد مرسي بأنه سبب الأزمات والسقطات والسلبيات، وزعم أنه "تزايدت درجة الغليان ولم يعد الرئيس مقبولاً (؟) لأنه قدم صورة مشوهة". وفي المقابل أشاد بقائد الانقلاب ورأى أن له شعبية جارفة لإنقاذه مصر في 30 يونيو كما زعم، لافتًا إلى أن المرحلة القادمة تستلزم رئيسًا يحمل صفة الضبط والربط، واصفًا الرؤساء السابقين في الماضي بأنهم لم تكن لهم درجة الإدارة التي تليق بدرجة مصر!
تواضروس سعيد بأن الدولة كلها ملك يمينه، يحركها كيف يشاء، ثم يزعم بعد ذلك أنه لا يعمل بالسياسة، ويطلق أذرعه لتمنع المسلمين من العمل بالسياسة! أليس النموذج النيجيري يمنحه حق المنح والمنع؟!

التعليقات
0 التعليقات