/>

الكتلة المصرية والكنيسة الأرثوذكسية عصفت بأحد ثوابتها، "أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".


طه خليفة   |  11-12-2011 12:46

الكنيسة لاعب سياسي، وهذا ليس بجديد، فلماذا تحاول التغطية على ما هو مكشوف مثل ضوء النهار، فدورها في الانتخابات واضح، ولا يحتاج إلى إصدار بيانات نفي، وتلك البيانات تثبت الوقائع أكثر مما تنفيها، ومن الجيد أن تدفع الكنيسة رعاياها للمشاركة السياسية بدل طوق العزلة الذي تفرضه عليهم، ويجعلهم كتلة صماء بلا انخراط أو تفاعل اجتماعي، لكن من غير الجيد أن توجههم إلى التصويت لقائمة أو لحزب معين، لأنه بذلك يكون تصويتًا طائفيًا حتى لو كان معظم المرشحين من المسلمين، والكتلة المصرية وحزب المصريين الأحرار، وهما الخيار المفضل للكنيسة، يرعاهما رجل الأعمال نجيب ساويرس، وهو لا يخفي وجهه المعادي للإسلام السياسي، وعقب مؤشرات الفوز الكبير للإسلاميين في الجولة الأولى، فإنه خلع ما تبقى من القناع، وظهرت عداوته واستفزازاته، بلا لياقة سياسية، وإلى حد تحريض الغرب للتدخل في شئون مصر لمنع وصول الإسلاميين إلى السلطة. وبالتالي عندما يصطف جانب من المسلمين العاديين للتصويت لأحزاب ذات خلفية إسلامية فلا يلومهم أحد؛ لأن ذلك هو الرد الطبيعي في مجتمع يتوارى فيه العقلاء، ويتقدم المهيجون المضللون أصحاب الغرض.

الكنيسة لاعب سياسي لكنها منحازة، وقد جعلت من نفسها طرفًا بمواجهة الإسلاميين، رغم أنها كيان ديني، ومن تناوئهم هم كيانات سياسية، ولو كانت حزبًا سياسيًا لتفهمنا هذا السلوك منها، لكنها مؤسسة دينية يفترض أنها في حالة طلاق بائن مع أي فعل سياسي، أو وظيفة غير روحية، إنما المقبول أن يدفع "المصريون الأحرار" مثلاً الأقباط وغيرهم إلى التصويت له وللكتلة لأن هذا دوره كحزب سياسي.

التوجه لدعم كيان انتخابي معين يستند لدى الكنيسة والمدافعين عنها إلى مبرر أن الكتلة تدعو للدولة المدنية، وذلك في مواجهة الإسلاميين دعاة ما يسمى الدولة الدينية. الكنيسة تناقض نفسها إذن، فهي كيان ديني خالص، لكنها تخلط الدين بالسياسة، وتغرق نفسها في أمواج السياسة، وتتحول إلى طرف فاعل فيها، فكيف بالتالي سنقتنع بتلك الدولة المدنية التي تتأسس بدعم مؤسسة دينية، في المقابل هل يكون مقبولاً أن يدعم الأزهر قائمة بعينها تحت عنوان دعم دولة وطنية ديمقراطية مثلاً؟. ألن يكون ذلك تعميقًا للانقسام الديني الطائفي السياسي في المجتمع.

في تفسير الخروج الكثيف للمصريين للتصويت في المرحلة الأولى، أنه يعود في جانب منه إلى دخول الكنيسة طرفًا في الانتخابات لتكون الحاضن للكتلة و"المصريين الأحرار"، وأي مسيحي اعتبر الأمر الكنسي بالتصويت الموجه، هو واجب ديني لابد أن يلتزم به وإلا أصبح مؤمنًا عاصيًا ، وعلى الضفة الأخرى قد يحصل شيء مماثل ، لكن الفارق أن من يدعو لذلك هي أحزاب سياسية ذات خلفية إسلامية من حقها أن تمارس الدعاية كيفما شاءت، لكن دون إقحام الدين بشكل فج للتأثير على الناخب، إنما لو كان الأزهر هو الذي دعا للتصويت لأحزاب أو قوائم بعينها لكانت هنا المشكلة، ولأخذنا عليه ذلك، مثلما نأخذه على الكنيسة اليوم. الأزهر دعا المصريين كلهم للتصويت دون أن يحدد أو يخصص، أما الكنيسة فقد انحازت، وتجاوزت، وعصفت بأحد ثوابتها، "أعطِ ما لقيصر لقيصر، وما لله لله".


التعليقات
0 التعليقات