/>

حول ثقافة البطش والمجازر بقلم: محمد يوسف عدس



كان رعْيُ الأغنام من أبرز الأعمال التى مارسها الأنبياء قبل بعثتهم .. بهذا ينطق حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. يقول فيه : "ما بعث الله نبيّا إلاّ رعى الغنم.. فقال أصحابه : وأنت..؟ فقال : نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة"..

فإذا كنتَ ممن يرتاد الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى -كما أفعل- فسوف تصادف عبارات بالغة الرّقة عن رعْي الأغنام والعناية بها؛ ستقرأ مثلًا فى "سفر أشعيا" : "كالراعي يرعى قطيعه.. بذراعه يجمع الحُملان، وفي حضنه يحملها" .. تأمّل رقّة العبارة وهى تصوّر منتهى الرحمة والحُنُوُّ على هذه المخلوقات الضعيفة..

ستلاحظ وأنت تتصفح هذه الكتب إشارات قوية موحية عن الرّعاة العظام فى تاريخ الإنسانية مثل: إبراهيم وموسى.. وداوُد؛ ذلك النبي الذى كانت الجبال تؤوِّب معه وتردد تسابيحه وترانيمه الشجية .. يصف بكلمات ملهمة واجبات الراعي الصالح ومشاغله.. وفي مزمور يُنسب الى آساف، نقرأ أن داوُد كان راعيا لشعب الله في الازمنة الماضية. (مزمور ٧٨) ..

وفي أيام المسيح عليه السلام ، كان الرّعْي لا يزال عملا بالغ الاهمية؛ حتى أن المسيح قد وصف نفسه بأنه "الراعي الفاضل".. بل كانت له مواعظ مشهورة أشار فيها إلى خصال الراعي الصالح.. كما ورد فى إنجيل يوحنَّا، الذى يصف الرعاة الصالحين وكيف صبروا على رعيّتهم وتجشّموا المشقّات والمتاعب ليحيطوها بالعناية والوقاية من حر الصيف وبرد الشتاء وقساوة الأمطار والرياح، عبر فصول السنة وتقلّبات المناخ.. وقد بلغت رقّة معاملتهم لها أنهم كانوا يدعونها بأسماء فتستجيب لهم.. فإذا أرعب الخراف عواء ضبع في الظلام، سارع الراعي ليهدّئ من روْعها فتطمئن وتهدأ.. وتشعر بالأمن ..


شاء الله أن يتعلّم أنبياءه فى مدرسة الرّعْيِ حتى يهيئهم نفسيّا لرعاية مخلوقاته من البشر ويحنّوا عليهم .. ويتحملوا إيذاءهم ويصبروا على عصيانهم وعنادهم..


أقول هذا وأنا أقارن بصورة انفردت بها مصر دون سائر الدنيا .. صورة ناشزة عن الفطرة الإنسانية.. تعبِّر عن حالة من الانحراف والوحشية.. تمارسها طغمة من الناس، سطوا على السلطة.. ومزقوا الأمة وأعملوا فيها القتل والتنكيل واستباحوا دماء وأعراض فريق من المسلمين بعد أن وصموهم باسم الخرفان.. حتى ليفخر أحدهم بوصف نفسه "قاهر الخرفان" .. وهذا هو الفرق الجوهري بين الثقافة المستمدّة من تراث الأنبياء والرُّعاة الرُّحماء ، وبين ثقافة البطش والمجازر التى جاء بها الانقلابيون ..

لقد تشككت فى شخصية الكائن المدعو "قاهر الخرفان" الذى وضع تحت مقالى السابق فى جريدة الشعب تعليقات فاق عددها المئة.. هي أشبه بمقالات دعائية من النوع الهابط .. كلها خارج موضوع المقال؛ استهدفت -فى غالبيتها العظمى- تشويه وشيطنة جماعة الإخوان المسلمين.. بحشد من الافتراءات والأكاذيب.. مع الإساءة إلى كاتب المقال وجريدة الشعب ورئيس مجلس إدارتها ..



ولكن أبرز ما لفت نظري فى هذه التعليقات المطولة أن مستوى الصياغة اللغوية التى كتُبت بها شديد التفاوت مما يدل على أن كاتبها ليس شخصا واحدًا وإنما عدّة أشخاص .. وهذا ما حفزنى أن أعرض هذه الحالة على صديق من خبراء تكنولوجيا المعلومات.. فأكد لى أن هذا –فِعْلًا- ليس من عمل شخص واحد وإنما هي مقتبسات سابقة التجهيز توضع أوتوماتيكيا تحت مقالات لكتّاب مرصودين.. تعتقد المؤسسة الراصدة أنهم أكثر تفاعُلًا مع القراء.. ومن ثَـمَّ وجب التشويش عليهم.. وأن هذه العملية الآلية تخضع لإجراءات مبرمجة.. وأن دور العنصر البشري فيها محدود إلى أقصى حد..



قلت له ولكن صاحب هذه التعليقات له صفحة خاصة باسمه على الفيس بوك فقال: "حتى هذه الصفحة جزء من عملية التمويه التى تحترفها أجهزة الاستخبارات ومؤسسات الرصد فى العالم؛ إنهم ينشئون صفحات ويضعون عليها أسماء من اختراعهم.. ليتستّروا خلفها فى تمرير أهدافهم الدعائية".. سألته : هل هذا ما يطلقون عليه "الِّلجان أو الكتائب الإلكترونية"..؟ فقال: هناك شبه بينهما ولكن تعتمد هذه على أعداد كبيرة من الأفراد المتطوعين والهواة، يسهل اختراقها ويكثر التكرار فى تعليقاتها .. أما مراصد الاستخبارات فأكثر إحكاما وتنظيما وأشد تعقيدا.. و هي تعمل آليًّا؛ حيث يتم التدخّل البشري فى أضيق الحدود..



تبيّن لى إذن أن " قاهر الخرفان" ليس شخصًا حقيقيًّا وإنما ترس فى ماكينة مرصد من هذه المراصد.. لذلك رأيت أنه من العبث أن أخاطب شبحًا أو شخصية وهمية لا وجود لها.. فلأوجّه خطابى مباشرة للمرصد الذى اخترع هذه الشخصية.. أقول:

أنتم لا تختلفون عن المرصد الصهيونيّ [MEMRI ]؛ تعملون فى نفس الإطار وتخدمون نفس الأهداف .. الفرق: أن [ممرى] تناوت تسجيلا لى على إحدى الفضائيات ثم قامت بتحريفه (بالحذف و إعادة اللصق) لتثبت أننى مناهضللسامية، والحقيقة أن حديثى كان ضد المحارق الإسرائيلية للفلسطينيين و مناهض لحروبهم ومجازرهم فى قطاع غزة .. أما أنتم فأقل درجة من ممرى؛ لأنتعليقاتكم لم تناقش أو تفنّد فكرة واحدة فى مقالتى .. وإنما استخدمتم كل هذه المساحة فى دعاية ساذجة كاذبة وحمقاء.. لاتقنع إلا الحمقى والمغيّبين..


أفهم جيدًا دلالة تلميحاتكم لى أننى قٌابع فى مكان ما..! وأننى لا أعرف مايحدث فى مصر.. وأن مصدر معرفتى صحيفة معينة .. وأنكم قرأتم مقالا لى فى المختار الإسلامي- هذا الكلام يعزّز فكرتى عنكم ؛ فأنتم لا تقرأون وإذا قرأتم لا تفهمون..

وما تقتبسونه من أخبار إنما هى أخبار تصنعونها أنتم فى مرصدكم ثم تلقِّنونهاللصحف والفضائيات التابعة لكم .. ثم تعود إليكم لتجترّوها وتروّجوا لأهدافكم من خلالها.. فى دورةٍ معروفة، لها إسم إنجليزي هو Recycling يشمل أيضا تدوير محتويات القمامة المنزلية..

وإن كان لى هنا تعليق فإننى أقول: أننى ليس عندى ما أخجل منه لكي أخفيه فتاريخ حياتى معروف ومنشور... وكلامكم عنى محض جهل وتخمين: فأنتم لاتعلمون مصادر معرفتى خصوصا عن طنى مصر، الذى أعيش أحداثه أربعة وعشرين ساعة فى كل يوم وليلة .. و مصادرى المعرفية مفتوحة على آفاق عالمية أوسع وأعمق مما تتخيّلون..

ومن أدلة جهلكم عنى أنكم تبالغون فى الهجوم والتطاول على الإخوان المسلمين ، ظنّاً منكم أننى من الإخوان وأن الهجوم عليهم يستفزّنى .. والحقيقة أنكم لا تستطيعون أن تفهموا أن عاشق الحق والحرية لا يهمه إسم المظلوم ولا يسأل عن انتمائه الديني أو العرقي أو الجغرافي لكي يدافع عنه..



أن يدافع كاتب عن مجموعة مظلومة من البشر دون أن يكون هو واحد منهم- هو موقف إنساني أكبر وأعمق من أن ترتقى إليه مدارككم أو تستوعبها عقولكم..



لقد دافعت عن الأمريكيين السود.. [وأنا لست واحدا منهم] .. ودافعت عن حقوق المرضى الأمريكيين الفقراء الذين يلتمسون علاجات جديدة ورخيصة لمرض السرطان، تحرمهم منها حكومتهم .. ودافعت عن الأطباء الأمريكيين الذين ابتدعوا طرقا جديدة لعلاجه فحاربتهم الحكومة الأمريكية؛ خدمةً لمصالح كارتلّات الصناعات الدوائية الكبرى.. وطاردتهم حتى خرجوا من وطنهم ليزاولوا مهنة الطب فى دول أخرى.. وصدر لى -فى هذا الموضوع- كتاب كامل أنفقت فى تأليفه سنتين من عمري ولم أندم على ذلك .. ودافعت عن المظلومين فى البوسنة وكوسوفا والشيشان والفلبين [ولست واحدًا من هؤلاء جميعًا..]



وكذلك اليوم أقف إلى جانب الرافضين للانقلاب العسكري الذى أطاح بمنجزات ثورة ٢٥ يناير.. وداس على إرادة الشعب وألغى دستوره وخطف رئيسه المنتخب ووضع مكانه عصابة، أعمالها وتصريحاتها تدل على حقيقتها.. وتشى بطبيعة مهمتها ..

إننى أدافع عن الثورة الحقيقية والديمقراطية.. وأرفض سلطة الانقلاب التى أغرقت مصر فى أنهار من الدماء.. وملأت السجون بالأبرياء.. ولم ترحم الأطفال والنساء.. وأهدرت حقوقهم الإنسانية، وفجعت المسلمين فى مقدساتهم؛ فانتهكت حرمة مساجدهم بالحصار والاقتحام والحرق.. وسرّحت بقرار أخرق أكثر من خمسين ألف إمام وأغلقت مساجدهم.. فى سابقات إرهابية لم تحدث فى مصر حتى فى عهود الاحتلال الأجنبي..


أما جرائمكم ومجازركم ومحارقكم وانتهاكاتكم المتواصلة لحقوق الإنسان المصري.. وأعداد القتلى والجرحى والمعتقلين فقد أصبحت حقائق عابرة للقارات؛ يمكن التحقّق منها بأكثر من وسيلة.. ولا يهم فى هذا من كان فى مصر أو خارجها: فهناك مقيمون فى مصر لم يعودوا يرون أو يسمعون إلا ما يدور فى رؤوسهم من أوهام.. ولا يقتاتون إلا على النفايات والأكاذيب التى تصنعونها لهم فى وسائل إعلامكم.. ثم تريدون أن تعمموا هذه الحالة المَرَضِيّةِ على كل المصريين.. ولكن لن تفلحوا.. هيهات..!

إن الانقلاب الذى قام على ركامٍ من الأكاذيب سينهار بكم فى نار جهنم ..وسينتصر الشعب ويستعيد حريّته ولن يقبل أن يعيش تحت البيادة العسكرية..



وليس فى هذا كراهية للجيش كما تصوّرون للناس.. فالذى يكره الجيش هو الذى أفسد عقيدته القتالية.. وهوالذى حوّل سلاح الجنود من التصويب على أعداء الوطن خارج الحدود إلى صدور المصريين فى الداخل؛ ليقتل المعارضين فى الميادين والشوارع والمساجد.. وليرهب التلاميذ الصغار فى مدارسهم.. هذه فضائح وجرائم لن يغفرها التاريخ للذين سطوا على إرادة الشعب وحريته..وأفسدوا الجيش، ليقهروا به الشعب .. ويدفعوه إلى الاستسلام والعودة إلى حظيرة العبودية.. والتبعية للإمبريالية الأمريكية-الصهيونية...

myades34@gmail.com

التعليقات
0 التعليقات