/>

الإعلام آفة الديمقراطية بقلم: د. أيمن محمد صبري



الإعلام هو آفة الديمقراطية.. الإعلام إما أنه تابع للدولة (كما كان في الدول الإشتراكية وكما هو في دول العالم الثالث) أو مملوك لرجال الأعمال من كبار الرأسماليين الفاسدين والمتصهينين (كما في الغرب).. وهو في كلا الحالين إعلام مضلل.. يقلب الحقائق ويبث الكراهية ويغسل الأدمغة ويصنع الرأي العام تبعا لمصلحة رجال الأعمال أو الدولة المستبدة أو لصالح التحالف بينهما.. ثم يذهب المواطن المبرمج إعلاميا ليدلي بصوته في صناديق الاقتراع فرحا بالديمقراطية.. ويظن نفسه حرا في بلاد حرة.. ولا يدري أنه عبد لوسائل الإعلام وعبد لمالكيها المترفون الفاسدون الذين يسلبونه حقوقه ومستقبل أولاده.. ولا يستطيع شعب الفكاك من هذه الآلة الإعلامية الجبارة إلا في حالات نادرة.. ويكون ذلك غالبا في بلدان العالم الثالث حيث المرض والبطالة والفقر المدقع والظلم والقهر والاستبداد وتزوير الانتخابات.. كل تلك المعاناة على المدى الطويل تبطل سحر الإعلام فتندلع ثورة عارمة.. كما حدث في ثورات الربيع العربي..

نلاحظ خلال ثورة 25يناير أن الإعلام بشقيه (الحكومي والرأسمالي) كان ضد الثورة والثوار.. وهذا شيء منطقي تماما.. وعقب تنحي مبارك انقلب الإعلام بشقيه مع الثورة والثوار.. وهذا شيء منطقي تماما.. ولكن في فترة حكم المجلس العسكري أظهر الإعلام (بشقيه أيضا) عداءً شديدا للمجلس العسكري.. وإن كان الإعلام الحكومي أقل عداءً للعسكر من الإعلام الرأسمالي.. وهذا أمر مفهوم.. ويدل على اختراق رجال الأعمال للإعلام الحكومي في غياب القبضة الأمنية للدولة.. وسبب عداء الإعلام للمجلس العسكري هو تفاهم المجلس العسكري مع الإسلاميين على خارطة الطريق.. طبعا المجلس العسكري لم تكن له ميول إسلامية.. ولكنه كان يلعب لعبة فرق تسد.. ونجح في ذلك نجاحا مبهرا.. فقد ارتمى العلمانيون تحت قدميه متوسلين إليه أن يحكم البلاد ويذل العباد.. لا يشترطون عليه سوى إبادة وإقصاء الإسلاميين.. حيث لا أمل لهم في منافسة الإسلاميين منافسة شريفة في حلبة الديمقراطية..

في فترة حكم الرئيس مرسي شن إعلام رجال الأعمال والإعلام الحكومي حملة تضليل وتحريض وكراهية وغسل أدمغة غير مسبوقة في التاريخ المصري والعربي ولا يضاهيها عالميا سوى حملات الإعلام النازي.. وتناسوا تنكيلهم الإعلامي بالمجلس العسكري.. وصاروا يتوددون للعسكر.. ثم يتوسلون لهم أن ينقلبوا على الإخوان ويزينون لهم السلطة والاستبداد.. ونستنتج من ذلك أن رجال الأعمال لا يخشون العسكر.. فقد هاجموهم عندما ظنوا أنهم متحالفين مع الإسلاميين.. ثم ها هم يرحبون بهم وباستبدادهم ماداموا غير متحالفين مع الإسلاميين.. وليس لهذا معنى سوى أن رجال الأعمال يرتعبون فعلا من حكم الإسلاميين.. فهؤلاء الرأسماليون المتوحشون يديرون إمبراطوريات فساد بمئات المليارات.. ولا يقلقهم حكم مبارك ولا جمال مبارك ولا العسكر.. ولكنهم يخشون حكم الإخوان والإسلاميين.. وتلك شهادة للإسلاميين ووسام على صدرورهم..

لن يكون هناك ديمقراطية حقيقية إلا بإبعاد الإعلام عن سيطرة الدولة ورجال الأعمال.. على الناس أن يبتكروا صيغة تحقق هذا الغرض.. ربما كان وضع قوانين صارمة للإعلام هو الحل.. فأي خروج عن المهنية يُعاقب عليه المذيع والمخرج وصاحب القناة عقابا رادعا.. أي بث للأكاذيب والشائعات والكراهية يواجه بإغلاق القناة أو الصحيفة فورا بحكم قضائي مستعجل.. وأظن أن مثل هذه القوانين هي التي تحد من غلواء وسائل الإعلام في الغرب.. فهم يسيطرون بوسائل أكثر نعومة.. كما أنهم أذكى من أن يتمتعوا بالمليارات ويتركوا بقية الشعب يتضور جوعا.. لذلك لا تثور عليهم شعوبهم.. أما غباء النخب السياسية والرأسمالية لدينا وجشعهم غير المحدود سيبطل سحر الإعلام عاجلا غير آجل.. فالإعلام يمكن أن يملئ العقول والقلوب.. ولكنه يعجز عن ملئ البطون وعلاج الأبدان وتوفير الكساء والإسكان.. وعندئذ لابد أن ينقلب السحر على الساحر.. ستكون ثورة كاسحة لا مجال فيها للمصالحة.. وعلى نفسها جنت براقش..  

التعليقات
0 التعليقات