أحب أن أتظاهر بأننى لم أسمع عن تلك الرؤية الدموية التى روّجت لها الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى.. وتطوّع بعض شيوخ و بعض كتاب لتفسيرها؛ كلٌّ حسب ميوله: حُبًّا أوكراهيةً أو نفاقًا.. الرؤية منسوبة إلى شخص لا يعرف أحد أين يوجد؛ فقد غاب عن الأعين وأصبح وجوده من أسرار الدولة.. يُراد له أن يتحول إلى أسطورة غامضة ، تحوطها التكهّنات والتخرُّصات؛ ينسج بعض الناس حولها حكايات وأخبار.. ويتلمَّسها بعضهم فى أصوات وتسريبات، يذهبون فى تأويلها وفهمها شتى المذاهب.. والمهم أن تنتشر الأسطورة على أوسع نطاق وتصبح مركز جذْبٍ للتفكير والاهتمام .. والهدف هو أن يطغى الاهتمام بالأسطورة على الاهتمام بالمظاهرات المتنامية ضد الانقلاب العسكري ..
لن أخوض فى تفاصيل الرؤية ولن أدلى برأيى فيها فقد قلّبها المفسرون والمعلِّقون على كل الوجوه.. ولكن يهمنى منها أنها تروّج لحلم صاحبها بالوصول إلى السلطة وتضفى عليها طابعًا مقدّسًا ومرعبًا فى الوقت نفسه: السيف المخضّب بالدم و "لا إله إلا الله" منقوشة عليه.. والهاتف المجهول الذى يبشّره بسلطان لم يُتحْ لأحد غيره..!
هذه الرؤيه والطريقة التى قُدمت بها إلى الإعلام وراءها شغل مخابرات أمريكاني مرجعيته إنجيلية.. مستقاة من رؤى نهاية العالم.. كما يلخّصها أحد المتأوّلين النبوئيّين فى ذلك المشهد الذييتجلى فيه المسيح في السماء ممتطيًا صهوة جواده حاملًا سيفهوقد انساب من عينيه سيال من نار ملتهبة ، وعليه عباءة بيضاءمغموسة بالدم .
في هذا المشهد من الغضب العاصف تظهر خلف المسيح صفوفمن القديسين في أثواب بيض ، بسيوفهم المُشرعة.. يلتحمون مع جيش الشيطان عدو المسيح ، فيتساقط جنوده تحت أقدامهم .. ثميُؤتى بالشيطان اللعين فيُلقى به في بحيرة من النار والكبريتليبقى فيها ألف عام، يحكم خلالها المسيح الأرض؛ فينشر فيها العدل والسلام...
طبعًا صاحب الرؤية لا يطمع فى حكم العالم ألف عام.. ولكنه يحلم لنفسه بحكم مصر مدى الحياة ثم لمن يليه من العسكر ثلاثين أو أربعين سنة قادمة؛ كما تنبأ بذلك فى حديث سابق له قبل انقلاب ٣ يولية ٢٠١٣م : (ذا نزل العسكر فى الشارع يطلقون الرصاص فقل على مصر السلام...!!)
تسلمنى هذه الرؤية إلى شخصية أسطورية كتبتُ عنها فى شهري مايو ويونية سنة ٢٠٠٨م عددا من المقالات.. نشرت فى عدد من المجلات والمواقع..
أما صاحب هذه الشخصية فهو العبقري المجنون "مايكل مور" الذى طبّقت شهرته الآفاق فى ذلك الوقت .. خصوصًا بعد كلمته التى ألقاها من فوق المسرح عندما كان يتسلم جائزة الأوسكار على أحد أفلامه..
لم يكن مور يعرف ماذا سيقول.. ولكن ما أن وقف أمام الميكروفون حتى تفجّرت الكلمات فى أعماقه فجأة وانطلقت على لسانه كطلقات الرصاص.. قال:
" إننا نعيش في زمن يحكمنا فيه رجل يرسلنا إلى جبهة الحربلأسباب أسطورية مختلقة" .. وهنا ضجت القاعة بالضحك ، فقدكانت الإشارات واضحة .. وإذا بمور يفجِّر قنبلته الشهيرة التي عبرت القاعة لتصل إلى أسماع العالم بأسره .. صاح : إننا ضد هذهالحرب العبثية المشتعلة في العراق.. عار عليك يا مستر بوش عارعليك ألف عار..!!
إلى جانب أعماله الفكرية المتميّزة يفاجئ مور الناس بين آونة وأخرى بواحدة من عجائب السلوك الذى لا يتوقعه أحد :
من ذلك أنه أقام جنازة ساخرة جاء فيها بنعش وكتب عليه اسمرجل مريض كان قد تقدم إلى"مركز العناية الصحية" بطلبٍ لإجراءعملية نقل كلية لإنقاذ حياته.. حيث أنه فقير لا يملك تكاليف العملية.. فرُفض طلبه .. ؟ وضع مور النعش أمام المركز وشرعيتلقى العزاء من الناس، وجاءت الصحافة والإعلام لتسجيل الواقعةمما اضطر المركز - منعاً للفضيحة - أن يوافق على إجراء العملية بالمجان للرجل الفقير..!!
من أكثر مؤلفاته شهرة كتاب له بعنوان: Stupid White Men (رجال بيض أغبياء) إذا قرأته لن تملك نفسك أن تنخرط فى نوبات متعاقبة من الضحك والبكاء يدفعك إليها مور بسخريته الموجعة فلا تدرى أسعيد أنت أم حزين.. عندما تكتشف أى نوع حقير من البشر يحكمون هذا العالم ويحكموننا ..!!!
وفى كتاب آخر لا يقل شهرة عن هذا الكتاب، تخيّل مور أن الله قد تدخل أثناء تأليف هذا الكتاب فوضع فيه الفصل الخامس بنفسه، ولأن الله عِلْمه مباشر ويقينيّ، فلا يمكن سؤاله عن مراجعه .. ولذلك خلا هذا الفصل من المراجع.. لعل مور كان يحلم، فلنجاريه فى حلمه.. ونلخّص بعض ما جاء فى هذا الفصل لأنه يلقى ضوءًا كاشفا على أوهام صاحب الرؤية الذى يحلم برئاسة مصر..
يُجرى مايكل مور على لسان الرب الذى تجلّى له فقال: لقد دأب واحد من البشر على إثارتي في الآونة الأخيرة بتقديم نفسه إليكم على أنه رسولي الشخصي إليكم .. ولكنى أذكّركم بأنني السميع البصير الذي لا يخفى عنه مثقال ذرة في السموات والأرض .. وهذا ما قد سمعته من هذا الرجل الدعيّ المسمّى بوش حيث يقول:
"أنا أومن بأن الله يريدني أن أكون رئيساً" ... ولطالما سمعت هذا البوش يدّعي أنه يتصرف في الأرض نيابة عني .. وها أنا ذا أقول لكم قولاً قاطعاً: إن هذا الشخص لا يتحدث باسمي ولا بإسم أي واحد هنا في السماء .. إنني عندما أريد أن أتحدث إلى البشر فإنني أبعث بنبي حقيقي بكلامي .. وأنا لم أبعث (جورج دبليو بوش) بأي رسالة على الإطلاق .. إنني لم أرسله للقضاء على صدام حسين .. ولم آمره بمحاربة أي محور للشر .. بل لم يكن من المفترض أصلًا أن يصبح هذا البوش رئيسًا أبدًا .. فقد حصل "آل جور" على أغلبية الأصوات .. ولكن تدخلت محكمتكم العليا فأفسدت نتائج الانتخابات.
الحقّ أقول لكم: في بادئ الأمر لم أكن معنيًّا كثيرًا بهذا البوش الصغير لأنه وفق خطتي، مخلوقٌ ليكون واحدًا من أبناء الذوات المسخَّرين لإضحاككم وإدخال السرور عليكم.. وتخفيف همومكم .. إذ يملأون الحفلات الليلية صخباً ولعبًاً ومرحًا .. وهذه كل مهمتهم فى الحياة الدنيا..
وقد كان جورجي الصغير هذا يؤدى دوره حسب الخطة على ما يرام، حتى وقع في أيدي من أفسدها وجعله يتوب عن الإدمان والصعلكة .. ثم إذا به يصبح حاكمًا لتكساس .. ثم بعد ذلك رئيسًا لأمريكا ..!!
إنني أخاطب القلَّة منكم الذين لا يزالون يؤمنون بي فأقول لهم: إنني أنا ربكم، أما هو فإنه ابن جورج بوش وليس ابنى .. وعندما ينتهي أجله المقرّر له فسألحقه بوظيفة مناسبة لمؤهّلاته؛ وهى وظيفة عامل نظافة فى موقف سيارات كبار الأثرياء والساسة فى جهنّم ..
واعلموا أنني لم آمر هذا البوش بغزو أي دولة .. لا أفغانستان ولا العراق ولا غيرهما ... والآن كفاكم هذا الصياح الفارغ: "حفظ الله أمريكا" ..! ما الذي جعلكم تعتقدوا أنكم احتكرتم بركتي دون بقية البشر ..؟! أنا ليس عندي (خيار وفقّوس) .. كلكم عندي سواء .. لا تستخدموا إسمي أبداً لتبرير سفاهاتكم ومنكراتكم ..
لقد صرح جورج دبليو بوش في الكاتدرائية الكبرى بعد أيام قليلة من حادثة 11/9 بأن رسالته الآن هي أن يطهّر العالم من الشّر .. وأعتقد الناس أنه سيفعل ذلك ؛ ولكنه لم يفعل ولن يفعل .. فإذا كنتم تريدون حقًّا أن تتخلصوا من بعض الشرور فابدأوا بأنفسكم أولًا... إذا كنتم تريدون حقّا أن تحاربوا صانع الشر؟! فأغلقوا على أنفسكم أبواب غرفكم واضربوا أنفسكم بالأحذية لمدة ساعة ضربًا لا هوادة فيه .. ثم أخرجوا جميعًا لإسقاط ذلك الشرير القابع في البيت الأبيض الكبير.. هذه هي رسالتي إليكم فإن تقاعستم عن تنفيذها فسأشويكم في ناري بلا رحمة ... تجنّبوا توجّهاتكم العنصرية باعتقادكم أنكم أفضل مخلوقاتي .. أنتم لستم كذلك .. وفي الحقيقة أنتم مصنّفون عندي بين أغبى الشعوب على هذا الكوكب الأرضي ..!"
إنتهى كلام الرب كما ورد برواية مايكل مور فى كتابه العجيب الموسوم بعنوان: Dude..?!! :Where Is My Country .
من واجبى أن أبلغ نداء مايكل مور هذا إلى طائفة من الناس عندنا اعتقدوا أنهم أحسنوا صنعًا عندما خرجوا فى ٢٦ يوليو الماضى لتفويض السيسى لفض الاعتصامات ومواجهة الإرهاب المحتمل؛ فإذا هو الذى يأتى بإرهاب الدولة ويستخدم قواته المسلحة فى مجازر وحشية ويقتل آلاف الناس الأبراياء.. أقول:
"إذا كنتم تشعرون الآن بخطيئتكم وتريدون حقًّا أن تكفّروا عن سيئاتكم ، فأغلقوا على أنفسكم أبواب غرفكم واضربوا أنفسكم بالأحذية لمدة ساعة ضربًا لا هوادة فيه ثم أخرجوا جميعًا فى مظاهرات مليونية كبرى مع المعارضين.. لإسقاط هذه العصابة الانقلابية؛ التى سطت على ثورة شعبكم الحقيقية.. وعلى شرعيتكم.. وداست بأقدامها على إرادتكم وحريّاتكم .. وامتهنت كرامتكم و كل مقدساتكم.. بلا وازع من دين ولا ضمير..."
myades34@gmail.com