هناك حالة من الهوس الشديد والضغوط المتزايدة على المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت من أجل التعجيل بانتخابات رئاسة الجمهورية قبل انتخابات البرلمان ، باعتبار أن الدستور سيمر بأي شكل ، سواء بإرادة الشعب أو إرادة الدولة حسب تصريحات المحلل الاستراتيجي ، هناك من يقاتل حاليا من أجل هذا التحول الخطير ، وهناك من جعلها قضيته الأساسية والجوهرية الآن ، وعلى مسؤوليتي الكاملة ، فإن تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية في ظروف مصر الحالية هو جريمة وخيانة للوطن وتآمر على الثورة وعلى مستقبل الديمقراطية في مصر ، لا أشك في ذلك لحظة واحدة ، إعلان 3 يوليو قرر أن يكون عدلي منصور رئيسا للجمهورية طوال المرحلة الانتقالية التي تنتهي بإنجاز ثلاثة استحقاقات : الدستور والبرلمان ثم الرئاسة ، حيث يسلم السلطة لرئيس الجمهورية الجديد المنتخب كذروة اكتمال مؤسسات الدولة ، كما أن عدلي منصور ، بوصفه قاضيا ورئيسا للمحكمة العليا هو الأكثر موثوقية وحيادية تجاه الجميع في الإشراف على انتخابات البرلمان والرئاسة ، فلماذا الاستعجال في الإطاحة به بعد الدستور مباشرة ، هل هو شخص عاجز أو ضعيف أو غير كفؤ ، إذن لماذا لا تعلنوا ذلك ولماذا اخترتموه لإدارة شؤون الدولة المصرية في هذا الظرف العصيب ، هل هو مجرد منظر وأن من يحكم هم أشخاص غيره وأنه "مش دكر" ، إذن لماذا لا نعترف أن أنصار مرسي كانوا على حق عندما وصفوه بالطرطور ، وإذا كانت خارطة الطريق واضحة في ترتيب الخطوات : دستور ، برلمان ، رئاسة ، فلماذا نخون ما اتفق الجميع عليه ونتلاعب بالخريطة ، لمصلحة من ؟ ، لمصلحة الوطن ؟ مستحيل ، بل هي ضد مصلحة الوطن ومصلحة الشعب ومصلحة الثورة ، والذين يتحدثون عن أن التبكير بالرئاسة يحقق الاستقرار ويضع البلد على مسار البناء كاذبون ، لأن الرئاسة المبكرة تعطي صلاحيات فرعونية بهدف زيادة مساحات القمع والاستباحة والهيمنة ، لأنه سيكون بيده مقاليد كل شيء في الدولة : الرئاسة والحكومة والتشريع والرقابة ، وإنما الذي يحقق الاستقرار وتفريغ الغضب وبداية البناء والشفافية وسحب انتفاضة الشوارع إلى القبة هو البرلمان الذي يعبر عن كل خلايا الوطن ويتمثل فيه كل الأطياف ولا يهيمن عليه فرد واحد ، ولكي ندرك مدى العصبية والتوتر والهلع عندما تأتي مناقشة هذه القضية علينا أن نتذكر أن لجنة الخمسين لإعداد الدستور وهي المفوضة بوضع خريطة هيكل الدولة المصرية مستقبلا وحاليا بمواد انتقالية ، خافت أن تنص على شيء في ذلك ، وقالت أنها ستفوض الرئيس الموقت ، خافت أن تفوض الشعب المصري من خلال الدستور في بند خطير وحساس كهذا وفوضت شخصية مؤقتة لم تأت بأي طريق ديمقراطي ، هم يدركون أنها مؤامرة ، وأنها مخطط لسرقة الثورة واختطاف المسار الديمقراطي والتحكم فيه . البرلمان هو قطب الرحى في أي نظام ديمقراطي ، هو الشعب نفسه تحت قبة واحدة ، هو التنظيم الوحيد المفوض من الشعب بإدارة شؤون البلد والرقابة على السلطة التنفيذية بما فيها رئيس الجمهورية ، هو الصانع الحقيقي للمؤسسات والسياسات والرقيب عليها ، هو الدولة في جوهر الأمر إذا كنا نتحدث عن الديمقراطية ، هو الاختراع الذي اخترعه العالم الحديث لسحب الغضب والاحتجاج من الشوارع والميادين إلى الحوار تحت قبة وخلف أبواب مغلقة ، فما معنى التلهف على تنصيب رئيس بصلاحيات جديدة واسعة على فراغ كامل من الدولة الحقيقية ، من البرلمان ، بحيث ينفرد هذا الرئيس الجديد بتشكيل الحكومة وحده ، وضبط كل أدوات الدولة على مقاس محدد لإدارة الانتخابات البرلمانية ، والتحكم الكامل في كل ما هو مؤثر على الرأي العام ، لضمان سيطرة الحزب الذي ينتمي إليه أو العصابة التي تتحلق حوله على البرلمان أو الحصة الكبرى فيه ، فتجتمع لديه رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة ورئاسة البرلمان ، أي يصبح هو الدولة ، هو الفرعون الجديد ، فضلا عن كونه قبل انتخابات البرلمان سيكون المالك الوحيد للسلطة التشريعية والرقابية إضافة للحكومة ، هل هناك شريف في هذا البلد يقبل بهذا السيناريو اللصوصي ، هل بهذه المؤامرة نخدم الديمقراطية أو نبحث عن بناء دولة ديمقراطية تليق بثورة يناير ، أو تليق بمكانة مصر ونظرة العالم إليها . حتى الآن لا يبوح عدلي منصور برأيه في المسألة ، وكانت مصادر مقربة منه قد ذكرت قبل أشهر أنه يميل إلى اجراء الانتخابات البرلمانية أولا حسب ما هو محدد في خارطة الطريق ، ولكني أعرف أن الضغوط عليه عديدة وقاسية ومن أجهزة سيادية مهمة لها هيمنة على الإعلام الخاص والرسمي ، كما أن فلول نظام مبارك يضغطون من خلال عباءة السيسي لحسم هذا الاختيار ، ولكن الذي أنا على ثقة منه أن مصر ستكون مفتوحة على شر كبير وتمزق وطني ونفق أكثر ظلامية إذا نجح المتآمرون في تمرير هذه الخطة الإجرامية . almesryoongamal@gmail.com twitter: @GamalSultan
1