حمَلت الأخبار الأليمة إلينا أن مشايخ الدعوة السلفية في الإسكندرية وافقوا على الدستور المبتور المليء بالفساد والشرور في اجتماع مجلس شوراهم، وكان التصويت بنعم قد جرى بأغلبيةٍ كبيرةٍ جداً.
وأقول لهم: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ثم {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، فوالله ما عهدنا السلفيين على مدار القرون المفضلة وما بعدها إلا في غاية من الحذر من السلطان وما يدور حوله وما يخرج منه.
هذا وأولئك السلاطين مسلمون صالحون في الجملة؛ لا يخرجون عن الشرع وأحكامه في الجملة خاصةً فيما يتعلق بشعوبهم.
فكيف يأتي هؤلاء المشايخ ليوافقوا على دستور صنعته عصابة فيها ممثلون وممثلات، ومشبوهون ومشبوهات، وأعضاء من حركة تمرد، ونصارى حاقدون، وفاسدون ومفسدون، وقليل من الوطنيين الصادقين المغفلين؟!
ثم يخرج هذا الدستور بنقائص لا يمكن الدفاع عنها، فلماذا يا مشايخ وافقتم على هذا الدستور؟!
أفلم يكن يسعكم السكوت إن استشعرتم الحرج؟!
كيف توافقون على مهزلةٍ كهذه انتقدها كثيرٌ جداً من القانونيين الدستوريين والفقهاء والصالحين والمشايخ والدعاة العاملين؟!
أين عقيدة الولاء والبراء؟!
وأين الحب في الله والبغض في الله؟!
ولقد قرأتُ بيان الدعوة السلفية فما وجدت فيه إلا تسويغات مللنا من سماعها، وأسباباً مكرَّرة لا تُقنِع إلا بعض أتباعهم، وتعليلاتٍ مريضة في أكثرها.
ولئلا يُسارِع إخواني الصادقون من أتباع الدعوة السلفية باتهامي أني لا أفهم في الشأن المصري، وبأني لا أفهم ما يدور في الغرف المغلقة، وأني لا ينبغي لي أن أتحدث فيما لا أعرفه، فسأَسوق لهم نصاً قاله الأستاذ الدكتور محمد عمارة -وهو من هو في هذا الشأن- فقد قال حفظه الله تعالى تحت عنوان (الدستور الجديد يُعسكِر الدولة، ويمحو الهوية الاسلامية):
أخطر ما في التعديلات هو:
1- إضفاء الشرعية الدستورية على انقلاب 30 يونيو.
2- حذفوا النص على أن مصر جزءٌ من الأمة الإسلامية مع الأمة العربية.
3- وحذفوا النص على الشورى مع الديمقراطية.
4- وحذفوا أخذ رأي هيئة كبار العلماء في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية.
5- وحذفوا التفسير الذي وضعه الأزهر لمبادئ الشريعة الإسلامية.
6- وضيَّقوا نطاق تلك المبادئ، وحصروها فيما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا.
7- حذفوا كذلك المادة التي كانت تحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافةً.
8- حذفوا المادة التي كانت تنص على تعريب العلوم والمعارف والتعليم.
9- حذفوا المادة التي كانت تدعو إلى إنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد.
10- نصُّوا على تجريم إقامة الأحزاب على أساس ديني، بعد أن كان دستور 2012م يَمنع إقامة الأحزاب التي تُفرِّق بين المواطنين على أساس ديني.
11- الدستور الجديد يُكرِّس لسيطرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالنص على أنه هو الذي يختار وزير الدفاع.
12- توسَّعوا على نحوٍ مفرطٍ في محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
وأنهى المفكر الكبير تعليقه قائلاً: "هذه هي أخطر ما في التعديلات التي تناولت إلغاء الهوية الإسلامية لمصر وعسكرة الدولة".
"د. محمد عمارة" كان أحد أعضاء اللجنة التي وضعت دستور 2012م، وتقترب مؤلفاته وتحقيقاته القيمة من ثلاثمائة (300) مُؤلَف.
فكيف وافقتم يا مشايخ على هذا الدستور المبتور، المليء بالمفاسد والشرور؟!
فرُحمَاك اللهم بالأمة التي هؤلاء بعض مشايخها.
وماذا ستقولون الآن يا أتباع حزب النور؟!
وهل ستُقدِّمون عصبيتكم الحزبية على كلمة الحق التي تُرضي الله تعالى وتبرئ ذمتكم؟
أُعِيذكم بالله تعالى من ذلك المصير، فاصدعوا بارك الله فيكم بالحق، والله يتولانا ويتولاكم.