تلقت رابطة علماء أهل السنة في مصر عددا من الأسئلة من بعض ضباط الشرطة، أسئلة كثيرة ومتتالية منذ فترة عن حكم عملهم في جهاز الشرطة، وبخاصة أفرعها التي تواجه الشعب المصري بالرصاص الحي والخرطوش، وتقتل الناس وتسفك دماءهم، كما سألت بعض زوجات الضباط عن حكم العيش معهم ومؤاكلتهم ومشاربتهم، وهن يعلمن وأبناؤهم أن المال الذي يتكسبه أزواجهم هو من قتلهم لأبناء الشعب المصري، وكذلك من أقارب بعض الضباط وأرحامهم، فكل يسأل عن حاله وحكمه، وكذلك من يعملون بالسجون الذين ينقلون المحبوسين ظلما ويعذبونهم، فما حكم العمل في هذه الأفرع التي تقوم بهذه الممارسات؟.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد،
فإن واجب العلماء نحو الأمة هو البيان عن حكم الشرع فيما يهم جموعهم وأفرادهم من أمر دينهم ودنياهم: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ” سورة آل عمران: 187. ومصر الآن تمر بظروف عصيبة تبرز معها أسئلة شائكة ينبغي أن يكون الجواب عليها حذرا، ومتأنيا، وجماعيا، وهذا مما قامت من أجله رابطة علماء أهل السنة، وهو مما يحتاج إلى اجتهاد جماعي وتداول بين العلماء المختصين في الفقه والفتوى والأصول، والنظر في جوانب الفتوى الأصولية والفقهية والمقاصدية والواقعية والمآلية، وهو منهج الرابطة التي تعتمده دائما في الإفتاء.
خلاصة الفتوى:
بناء على تشخيص هذا الواقع الذي نعيشه، وإدراك ما تقوم به أفرع الشرطة التي تواجه الناس بالقتل والقمع والتعذيب والاعتقال والإرعاب والترويع، وكل جهاز في الدولة يقوم بهذا، ، ومقارنة هذا بما قصدته الشريعة من إقامة أجهزة الأمن، فإن رابطة علماء أهل السنة في مصر تفتي بحرمة العمل في هذه الأفرع، والضباط الذين يمارسون القتل وإزهاق الأرواح وسفك الدماء يحرم عليهم هذا العمل حرمة لا ريب فيها ولا شك معها، ويجب عليهم ألا ينصاعوا لأي أمر بقتل بريء أو سفك دماء معصومة أو اعتقال مظلوم، فإن هذا من أكبر الكبائر عند الله تعالى؛ حيث حرمه في كل الشرائع، ومن أعظم الجرائم عند الناس؛ حيث جرَّمتْه كل القوانين، ومن يقوم بهذا سيبوء بسخط الله وغضبه في الدنيا، وستحيق به لعنته وينزل عليه عذابه في الدنيا والآخرة، وعلى زوجات هؤلاء الضباط وأبنائهم وأرحامهم العلمُ بأن كل مال يأتيهم من هذه الممارسات هو مال حرام وسحت، وكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به!.
التأصيل الشرعي للفتوى:
الشُّرْطة هم: حفظة الأمن في البلاد، الواحد شرطي، وصاحب الشرطة رئيسها، سُمُّوا بذلك لأَنهم أعِدُّوا لذلك، وأَعْلَمُوا أَنفسَهم بعلامات يُعْرَفون بها. [كما جاء في معاجم اللغة].
دليل مشروعية إقامة جهاز للشرطة:
إقامة جهاز للشرطة في الدولة من فروض الكفايات التي يجب أن يسعى الحاكم لإقامتها وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والأصل في اتخاذ الشرطة للحاكم ما ثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَن أنس بن مَالك قال: «إِنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ». [صحيح البخاري: كتاب الأحكام، باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذي فوقه].
وقام بهذه المهمة كذلك مجموعة من الصحابة بتكليف من الرسول صلّى الله عليه وسلم منهم علي بن أبى طالب، والزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن ثابت، وهذا كان نواة لنظام العسس الذي اتسع فيما بعد. [زاد المعاد لابن القيم: 1|65، وتلقيح مفهوم لابن الجوزي: 81].
مواصفات من يتم اختياره للعمل الشُّرَطي:
إذا كان اتخاذ الشرطة أمرا مشروعًا فإن للشرطي مواصفات يجب على الحاكم أن يراعيها عند الاختيار، وقد تحدث علماء السياسة الشرعية عن هذا، ومن هذه الصفات: أن يكون صاحب دين يخاف الله تعالى، وصاحب خلق، متميزًا باليقظة.
قال ابن الأزرق: “يجب على الإِمَام أَن يولي ذَلِك ثِقَة دينا صَارِمًا فِي الْحُقُوق وَالْحُدُود متيقظا غير مُغفل”. [بدائع السلك في طبائع الملك لابن الأزرق: 1|291، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي: 351.].
كما يجب أن يكون الشرطي موصوفا بالورع بعيدا عن مظان الرشاوي ومواطن التهم، قال ابن فرحون في تبصرة الحكام: “وَعَنْ مَالِكٍ : فِي الشُّرْطِيِّ يَأْتِيه رَجُلٌ يَدْعُوهُ إلَى نَاسٍ فِي بَيْتٍ عَلَى شَرَابٍ ، فَقَالَ : إنْ كَانَ بَيْتًا لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَا يَتْبَعُهُ ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ فَلِيَتْبَعْهُ”. [تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الحكام: 2|187].
هذه بعض صفات من يقومون على حفظ أمن الناس وحمايتهم، ولن يقوموا بهذه المهمة إلا إذا كانوا أصحاب دين وخلق، بعيدين عن مواطن التهم ومواضع الريب .. وأين ما نراه اليوم في أغلب رجال الشرطة من هذه الأخلاق وتلك الصفات؟!
مقاصد الشريعة من عمل الشرطة:
تهدف الشريعة الإسلامية من عمل الشرطة – ويتفق معها القانون الوضعي – إلى حماية المجتمع، وتأمين الناس، وإقامة الحدود، وتتبع أهل الريب، وتوفير الحرية للناس ليأمنوا على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وحماية الناس من القتلة والمجرمين والبحث عنهم وتقديمهم للقضاة للفصل في أمرهم.
قال الإمام أبو الحسن السندي المدني في حواشيه على مسند أحمد: الشُّرَط جمع شُرْطة وشرطي، وهم أعوان السلطان لتتبع أحوال الناس وحفظهم، ولإقامة الحدود”. [التراتيب الإدارية للكتاني: 1|22].
وقال القلقشندي عن الشرطي أن يقوم: “بتتبع الأشرار، وطلب الدُّعَّار، مستدلين على أماكنهم، متوغلين إلى مكامنهم، متولجين عليه في مظانهم، متوثقين ممن يجدونه منهم، منفذين أحكام الله تعالى فيهم بحسب الذي يتبين من أمورهم ويتضح من فعلهم، في كبيرة ارتكبوها، وعظيمة احتقبوها، ومهجة أفاضوها واستهلكوها، وحرمة أباحوها وانتهكوها”. [مآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي: 351].
وبالرجوع إلى موقع وزارة الداخلية الرسمي على شبكة الإنترنت وجدناه قد نشر المادة 184من دستور 1971م التي تبين المقصد من إقامة جهاز الشرطة، والتي تنص على أن: “الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية، وتؤدى الشرطة واجبها في خدمة الشعب، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام والأمن العام والآداب، وتتولى تنفيذ ما تفرضه عليها القوانين واللوائح من واجبات، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون”.
والحق أن تحقيق الأمن وحماية الناس من المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، والأمن نعمة امتن الله تعالى بها على قريش والناس بنعمة الأمن، فقال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [سورة قريش: 3 — 4].
وفي عصرنا أصبح وجود جهاز الشرطة أمرا ضروريا لتعقيد الأمور وتعاظم الاجتماع البشري، ولن يتم توفير الأمن للناس إلا بجهاز قوي، وللوسائل أحكام المقاصد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
كما أن حماية الناس والسهر على أمنهم وأمانهم من أعظم المهام في الإسلام، وأن الشرطي الذي يقوم بهذا ابتغاء مرضاة الله، وتحقيقا لمصالح الناس فإنه يصدق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: “عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”. [أخرجه الترمذي]. وأن العامل إذا مات أثناء أداء هذه المهمة بهذه النية فهو شهيد بإذن الله تعالى.
ممارسات الشرطة اليوم في مصر:
وبالنظر إلى ممارسات الشرطة اليوم في مصر — ونقصد بها هنا الأفرع الخاصة بمواجهة الناس في الشوارع، ولا نقصد بها بقية أجهزة الشرطة التي تعمل في المرور وفي المصالح المختلفة — نجدها تمارس أبشع أنواع القتل والفتك بالناس، واعتقالهم وتعذيبهم، وتجعل البقية من الشعب يعيشون في حالة من الرعب والفزع، ولا تبالي بأرواح الناس ولا دمائهم وأمنهم، رجالا ونساء وأطفالا، كبارا وصغارا ، وقد أصبحنا في هذا العالم الإلكتروني المفتوح أمام جرائم موثقة صوتا وصورة لا يملك طرف من الأطراف إنكارها، والعجيب أن نسمع ونرى تصريحات واضحة بالأمر بالقتل بالرصاص الحي من مسؤولين في هذه الوزارة وغيرها، بعد أن نكثوا البيعة، وحنثوا في يمينهم، وأهدروا إرادة الأمة.
وهذه الممارسات مناقضة تماما للمقاصد التي تغياها الشرع الشريف، وكذلك القانون الوضعي، من قيام جهاز الشرطة، تلك الغايات التي يتقاضون عليها أموالا ورواتبَ من أموال الأمة!.
بل وصل الأمر إلى إهانة النساء في الشوارع، والقبض عليهم وإيداعهم في المعتقلات وتعذيبهم وتجريدهم من ملابسهم، واغتصاب البنات والكشف عن عذريتهم، كما أوردت ذلك المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وغيرها من مراكز وجمعيات حقوق الإنسان المحلية والعالمية، التي أحصت آلاف القتلى، وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين الذين كانوا حصاد تحالف الشرطة مع “البلطجية”، والجيش من خلفهم يحمي ظهورهم!!
الحكم الشرعي للعمل في الشرطة اليوم:
بناء على تشخيص هذا الواقع الذي نعيشه، وإدراك ما تقوم به أفرع الشرطة التي تواجه الناس بالقتل والقمع والتعذيب والاعتقال والإرعاب والترويع، وكل جهاز في الدولة يقوم بهذا، ومقارنة هذا بما قصدته الشريعة من إقامة أجهزة الأمن، فإن رابطة علماء أهل السنة في مصر تفتي بحرمة العمل في هذه الأفرع، والضباط الذين يمارسون القتل وإزهاق الأرواح وسفك الدماء واعتقال الأبرياء يحرم عليهم هذا العمل حرمة لا ريب فيها ولا شك معها، ويجب عليهم ألا ينصاعوا لأي أمر بقتل بريء أو سفك دماء معصومة أو اعتقال مظلوم، فإن هذا من أكبر الكبائر عند الله تعالى؛ حيث حرمه في كل الشرائع، ومن أعظم الجرائم عند الناس؛ حيث جرَّمتْه كل القوانين، ومن يقوم بهذا سيبوء بسخط الله وغضبه في الدنيا، وستحيق به لعنته وينزل عليه عذابه في الدنيا والآخرة، وعلى زوجات هؤلاء الضباط وأبنائهم وأرحامهم العلمُ بأن كل مال يأتيهم من هذه الممارسات هو مال حرام وسحت، وكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به!.
يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه وأبو داود في سننه بإسناد صحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله عز وجل يعذِّبُ الذين يُعَذّبونَ النّاسَ في الدُّنيا”. [أخرجه مسلم: 8|32 ( 2613 )، وأبو داود ( 3045 ) من حديث هشام بن حكيم بن حزام].
وفي صحيح مسلم أيضا (3|1680) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».
ولقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا النوع من الشرطة، وحذر أن نكون منهم؛ فورد عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سيكون في آخر الزمان شرط يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله، فإياكم أن تكون منهم”. (رواه الطبراني). وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة ، فمن أدرك منكم ذلك الزمان فلا يكونن لهم جابيا ولا عريفا ولا شرطيا”. (رواه الطبراني).
والإثم هنا يكون على الجميع: قادة وجنودا، فلا يسع مسلما أو إنسانا أن يقول: “أنا عبد مأمور، وهذا عملي”، فكلنا عباد لله، وليس لأحد غيره؛ لأن القتل من أكبر الكبائر، وقد يكون من هؤلاء المقتولين أخوه أو أبوه أو ابنه، كما وقع فيما مضى من أحداث وكان له أثره على الجميع. وقد قال الله تعالى: “وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (151) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (152). سورة الشعراء. وقال: ” رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ”. سورة القصص: 17. وأخرج الإمام أحمد في مسنده قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل”. وهو صحيح على شرط الشيخين.
وإذا كان الفقهاء قالوا في قواعدهم: “كل تصرف تقاعد عن تحقيق مقصوده فهو باطل”، وقالوا: ” كل عقد لا يحصل الحكمة التي شرع لأجلها لا يشرع” .. إذا كان عدم تحقق المقصد من التصرف يجعله باطلا والعقدَ غير مشروع، فما بالنا بمن يتجاوز عدم تحقق المقصد إلى مناقضة المقصد والإتيان بتصرفات عكسية تماما؟! لا شك أنه لن يكون باطلا ولا غير مشروع فقط، وإنما يكون محرَّما شرعا، ومجرَّما قانونا.
كما أن الشارع الحكيم إذا حرم شيئا حرم كل ما يوصل إليه من وسائل وطرق كمن يشهد على الربا، ومن يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، واعتبرهم سواء ، وعليه فإذا كان العمل في الشرطة على النحو المبين يؤدي إلى قتل الأنفس البريئة المعصومة فإن هذا العمل محرم قطعا.
ولا شك أن شيوع القتل من قبل الشرطة للشعب إلى حد قل أن يخلو بيت أو قرية من شهيد أو جريح أو معتقل أو مطارد يؤذن بمفاسد كبرى في المجتمع المصري، منها: نقل الثورة من السلمية إلى اللاسلمية بمآلاتها وآلامها التي رأينا آثارها في سوريا وغيرها، وإشاعة روح الكراهية والانتقام والفوضى في المجتمع، وصعوبة بل استحالة الثقة أو تعاون الشعب مع الشرطة، وفتح الباب للانتقام الفردي وأخذ الثأر ممن لا ذنب لهم من أفراد الشرطة الذين لا يعملون فيها، واستهلاك الطاقات وتبديد الجهود في دائرة الأمن وانهيار البلاد في المسارات الأخرى، وهو ما لا يرضاه أي مصري غيور محب لوطنه!
ولا ترى الرابطة أي مبرر شرعي أو عقلي أو قانوني للقتل والتعذيب والترويع للمتظاهرين السلميين، وقد أثبتت الأحداث بعد ثورة يناير وما تلاها وبعد الانقلاب وما تلاه: أن الدم يشعل الثورة ولا يطفئها، وأن الاستمرار في القتل أضاع هيبة الشرطة، ويوشك أن يذهب بما تبقى من رصيد ومكانة للجيش عند الشعب.
كما أن المشارك في القتل والتعذيب يبوء بإثمين: الأول المشاركة في الانقلاب والخيانة والخروج على الحاكم المنتخب الشرعي الذي حرمت النصوص النبوية الخروج عليه، والثاني: إثم القتل والدم الحرام.
وتؤكد الرابطة أن الذين تقتلهم الشرطة هم أناس سلميون من خيرة شباب مصر رجالا ونساء، وأن مثلهم عندما خرج في ثورة يناير رافعا نفس المطالب كانوا أبطالا وشهداء، والآن أصبحوا إرهابيين وخوارج!
وعلى رجال الشرطة شرعًا — ضباطا وجنودا — ألا يسمعوا لشيوخ الضلال “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا”. سورة الكهف: 104. والذين يبيحون الدماء المعصومة، فلن تنفعهم فتاوى علماء السوء أمام الله تعالى يوم العرض عليه، فإن العلم بحرمة هذه الأفعال لا يحتاج إلى مفتٍ، وقد جاء عَنْ وابِصَةَ بن مَعْبَدٍ قال : أتيتُ رَسُولَ الله — صلى الله عليه وسلم — ، فقالَ : ((جِئْتَ تَسأَلُ عن البرِّ والإثمِ؟))، قُلْتُ : نعَمْ ، قال : (( استَفْتِ قَلْبَكَ ، البرُّ ما اطمأنَّتْ إليهِ النَّفْسُ ، واطمأنَّ إليهِ القلبُ ، والإثمُ ما حَاكَ في النَّفس، وتَردَّدَ في الصَّدْر، وإنْ أفتاكَ النَّاسُ وأَفْتوكَ )). [أخرجه : أحمد 4|228 ، والدارمي ( 2533 ) ، وأبو يعلى ( 1586 ) و( 1857)].
على أنه من الواجب بقاء جهاز الشرطة بما هو مؤسسة من مؤسسات الدولة، والحفاظ عليها وعلى هياكلها وأعمالها وفق القانون واللوائح التي وضعت له بما يحقق مقاصدها وفق أحكام الشريعة ومقاصدها، والحفاظ على الوطن وخدمة المواطن، وأنه لا حرج على من يعمل فيها مادام بعيدا عن الظلم والمحرمات، فإن وجود مؤسسة الشرطة من الواجبات الكفائية التي لا غنى للدولة عنها من حيث العموم. والله أعلم