/>

بعد إعلان الحرب.. الانقلاب ينسق مع العدو ويحُول بين مصر ونجدة غزة





بعد أن أعلن الكيان الصهيوني شنه حربا جديدة على غزة تحت اسم "الجرف الصامد" وقد كان سبقها في الأيام الماضية غارات مستمرة متتالية خاصة في أوقات السحر والفجر؛ ومع ذلك فمن الواضح أن العرب لن يسمع لهم صوت في هذه الحرب أو ما سبقها من اعتداءات؛ فالشعوب من جهة مشغولة في قضاياها الداخلية، والحكومات تستأسد لتقتل ما تبقى من ربيع عربي وتئد فيه حلم التحرير قبل أن يكتمل. ولا يخفى على أحد أن الكيان الصهيوني كان من بين أهم الأذرع المعاونة على إحداث الانقلاب العسكري

الغاشم في مصر؛ لما في ذلك من تحجيم للدور المصري، ومن ثم إفساح الطريق للنيْل من الفلسطينيين وإماتة القضية في نفوس العرب كافة، خاصة بعدما لمسوه من بأس الرئيس الدكتور محمد مرسي وتدخله السريع الذي أوقف حربهم على غزة في نوفمبر 2012.
والأخطر من ذلك أن هناك نبرة في أحاديث البعض خاصة ممن امتلكوا الأدوات الإعلامية الانقلابية يحاولون فيها تغيير المفاهيم المتأصلة بحيث تساوي المقاومة مع الإرهاب، بل ويكبرون شأن "إسرائيل" بحجة أنها تحارب الإرهاب! وذلك كما رأينا على سبيل المثال عندما شكرت "عزة سامي"-نائب رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية- في مطلع هذا الشهر، رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني "بنيامين نتنياهو" على قصفه غزة؛ حيث علقت على خبر نشرته جريدة الوطن مفاده أن جيش الاحتلال يضرب غزة بـ30 غارة جوية، قائلة: "كتر خيرك يا نتنياهو ربنا يكتر من أمثالك للقضاء على حماس أس الفساد والخيانة والعمالة الإخوانية.. وقسما بالله اللي حيقولي حرام مش عارفة ممكن أعمل ايه".


وبخلاف الحرب على مستوى المفاهيم؛ فهناك تنسيقات سياسية واضحة لا تخفى على أحد، جاءت قبل ساعات من بدء القصف على غزة؛ حيث كشف راديو "إسرائيل" نفسه -الاثنين الماضي 7 يوليو- عن زيارة قام بها إلى "إسرائيل" رئيس المخابرات المصرية اللواء "محمد فريد تهامي" في الأيام القليلة الماضية، أي قبيل القصف الصهيوني المتتابع على قطاع غزة والذي أسفر فقط في غارات فجر الاثنين عن ارتقاء 10 شهداء وإصابة آخرين، فضلا عن الإعلان في اليوم التالي عن بدء الحرب الشاملة.
وغير ذلك من الدلائل التي تلغي أي معنى حارب من أجله العرب هذا الكيان المغتصب منذ ما يقرب من 67 عاما، "فماذا كان معنى تلك الحروب إذن"، بحسب استنكار أبداه السفير "إبراهيم يسري" في حديث سابق لـ"الحرية والعدالة".

ولكن هل نجح الانقلاب في مصر بالفعل في تغيير عقيدة الشعب المصري تجاه القضية الفلسطينية، وهل لمؤيدي الشرعية دور الآن فيما يحدث في غزة رغم ما يعتريهم هم أيضا من بطش وقهر؟

اتفاق على معاقبة حماس

يرى المفكر والباحث الدكتور "أسامة الأشقر" أنه وفي حقيقة الحال فمصر اليوم فقدت تأثيرها في مجال صناعة الأحداث في منطقة نفوذها السابقة أو المشاركة فيها أو حتى مواكبة تلك الأحداث،فلم تعد مصر-الانقلاب ذات وزن مؤثر لدى صاحب القرار "الإسرائيلي" نظرا لضمان "إسرائيل" تحالفه مع الانقلاب واتفاق الطرفين على معاقبة حماس وإسقاطها، وحتى لدى الفلسطينيين فإن مصر لم تعد ذات تأثير لكونها الآن في مربع العداء المكشوف الصارخ ضد الفلسطينيين بحجة دعمهم لحماس وعدم انقلابهم عليها، ويتأكد هذا بإصرار مصر على حصار قطاع غزة ورفض فتح معبر رفح حتى بعد إعلان حكومة التوافق وانسحاب حماس من حكم القطاع فيما تضغط مصر على محمود عباس لمصالحة "محمد دحلان"-معروف أن ولاءه للصهاينة- وإعطائه فرصة لضرب حماس.

الأشقر: إظهار الدعم للقضية الفلسطينية جزء من المعركة ضد الانقلاب وحلفائه


يضيف "الأشقر" أنه وإذا كانت العقيدة القتالية لمصر استراتيجيا هي مع المقاومة ورفض المحتل واعتبار "إسرائيل" خطرا على مصر؛ لكن السلوك والتكتيك والتنظير الميداني ينصرف عن هذه العقيدة ولا يتعامل معها ولا يتخذ لها وسيلة تنفيذية لحفر مسارها؛ مما يجعل العقيدة هنا مجرد تنظير أكاديمي؛ لكن طبيعة التحديات الداخلية المصرية تفرض على الانقلاب الانكفاء داخليا على حساب أمنها القومي وهذا ما سنشهده قريبا من انسحاب النفوذ المصري من السودان وإثيوبيا فيما سيتركز العمل المصري على أداء أدوار وظيفية -أي مدفوعة الثمن- لصالح جهات أخرى في فلسطين وليبيا.

يردف: إن خروج مصر بهذه الصورة يعيدنا إلى أجواء خروج مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد من مربع النفوذ الإقليمي، والدوران مجددا حول مصادر التمويل ولو على حساب دورها الإقليمي.
وحول مصر الشعب وليست مصر الانقلاب يقول: كان من المنتظر طبعا أن يحاول العسكر أن يعزل الشعب عن مناخ التعاطف مع القضية الفلسطينية التي يتعامل معها بالكثير من القسوة والغلظة والتآمر والتشويه؛ ولكن الشعب الواعي سيدرك في لحظة ما من ثورته المستمرة أن إظهار الدعم للقضية الفلسطينية جزء من المعركة ضد الانقلاب وحلفائه؛ لذلك أنصح ثوار مصر أن يجعلوا من أعمالهم الثورية ما يؤكد اتصالهم بالقدس وانتفاضة الشعب الفلسطيني المتحركة الآن وإظهار وقوفه مع المظلومين والضحايا على الصهاينة والعسكر.

اختلال مفاهيم

ومن جانبه المفكر الإسلامي د. "سيد الدسوقي" يقول: إن الانقلاب قد نجح بالفعل في تغيير بوصلة الرؤية لدى البعض تجاه القضية الفلسطينية، وخاصة لدى بعض المفكرين والكتاب والإعلاميين، فالبعض صار يسأل مستنكرا ما علاقتنا نحن وغزة وما يجري بها والأهم أن البعض صار يساوي بين المقاومة والإرهاب ولا يعني ماهية الفارق الشاسع بينهما.
الدسوقي: يجب الاستمرار في التوعية بالقضية الفلسطينية لمحاربة التشويه وتغيير المفاهيم



يضيف: تغافل الشعوب عن تلك القضية محل خطر كبير، ولم نره سوى في فترات السلام اللاحقة التي أعقبت "كامب ديفيد" والتي سعت بشدة نحو ذلك التفكير العقيدي حتى نالت منه لدى البعض، ورغم أن الشعب في مجمله لم تمت القضية بداخله؛ إلا أن الجهات والأجهزة المسيطرة مازالت تسعى حثيثا نحو هذا، مستخدمة في ذلك أدوات الإعلام وآلته الصهيونية العالمية.

وفي السياق نفسه يثمن "الدسوقي" جهود الحركة الإسلامية في مصر لاهتمامها بتلك القضية وجعلها حية نابضة دائما في القلوب، ويؤكد أنه قد تقاطع مع تلك الحركة العديد من التوجهات الأيديولوجية وحتى الدينية الأخرى من قبل مسيحيي مصر، باعتبار أن العدو الصهيوني هو الاستمرار الطبيعي لحالة الاستعمار التي عانت منها البلاد العربية كلها، ومن ثم وجدنا فيما سبق أن المسيحي والقومي والكثير من ذوي التوجهات الأخرى الجميع يتحدون حول تلك القضية الرئيسة، وحتى في التاريخ المصري فقد عادت مصر من حرب فلسطين لتدخل بعدها بفترة قصيرة حرب القنال، فالمستعمر واحد وإن تعددت نقاط الالتقاء به.
ويشدد "الدسوقي" على أن من الأهمية لمؤيدي الشرعية الآن في مصر أن يقوموا بدور توعوي تجاه ما يحدث الآن من الاعتداء المستمر على غزة وغيرها من الأراضي الفلسطينية، فإذا كانت مصر الآن مكبلة ولن تستطيع أن تقوم بدور دفاعي عن إخوانها هناك، فليس أقل من الجهد الإعلامي والتثقيفي القوي، وإلا تموت القضية وينساها الناس، ولا تتوارثها الأجيال.

التعليقات
0 التعليقات