بقلم: مجدي داود
mdaoud_88@hotmail.com
صخب وضجيج إعلامي، أفراد هنا وآخرون هناك، برنامج في هذه القناة وآخر في تلك، سباب وشتائم واتهامات بالتخوين وركوب الثورة واحتكار الدستور، أقل ما يمكن أن يوصف به، أنه سفه سياسي، وتضليل إعلامي، وانعدام مبادئ وأخلاق سياسية، هذا هو حال تلك الفئة المتطرفة التي تعتنق أفكار غير أفكارنا مخالفة لعقائدنا وديننا ومنهاجنا وعاداتنا وتقاليدنا وأخلاقنا، الفئة التي لا تعرف لها لونا ولا شكلا، يبدلون جلودهم كما تفعل الحرباء، دون حياء ولا خجل، ودون أن يتواروا من الخلق وهم يبدلون جلودهم، وهؤلاء ممن ينطبق عليهم قول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم "إذا لم تستح فافعل ما شئت".
خرج علينا زاعمي التقدم والتمدن والتحضر والعلم والديمقراطية والرأي والرأي الآخر، ليقولوا أنه ليس من حق نواب البرلمان أن يشاركوا في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، معتبرين أن ذلك لم يحدث مسبقا، متعامين عن الدساتير التي لم يشارك في كتابتها سوى البرلمانات فقط ودون اختيار شخص من خارجها، فكما ذكر الباحث السياسي المحترم معتز عبد الفتاح أن "من بين 200 دستور كتب في الفترة من 1975 إلى 2003 على مستوى العالم كان 42 % كتبه البرلمان المنتخب بشكل مباشر و 9 % عبر هيئة تأسيسية منتخبه من البرلمان ... ولم يحدث في العالم كله أن تنتخب جمعية تأسيسية بعيدة عن البرلمان إلا في 17 % فقط من الحالات"، وما ذكره الرجل يدل ببساطة على مدى الجهل الذي يتمتع به العلمانيون في مصر ومدى الجرم الذي يرتكبونه حينما يسيئون للشعب يوما بعد يوم، حينما يكذبون عليه ويظنون أنه لم ولن يفهم ولم ولن يكتشف كذبهم.
ثم يقولون إن غالبية اللجنة من الإسلاميين، فتارة يقولون أنهم يشكلون 50%، وتارة أخرى 70% وتارة ثالثة 80%، وهكذا، وكأننا في مزاد علني، كل واحد منهم يزايد على الآخر في تطرفه وكذبه وافترائه على الإسلاميين، لعله يحصل على مال أكثر من صاحبه حينما يأتيهم من يعطيهم ببذخ، ثم يرددون كلاما أحمقا لا ينكر حمقه إلا الأغبياء والجهلاء وذوي الأذيل من جنس البشر، فيقولون "الجمعية لا تمثل الشعب، إنها جمعية مشوهة، الإسلاميون احتكروا الجمعية، إنها تمثل حزبين فقط.." وكلام من هذا كثير يثير الإشمئزاز والتقزز، وكأن هؤلاء أوصياء على الشعب يتحدثون باسمه، ويزعمون أن هذا يمثل الشعب وذاك لا يمثله، هكذا طبقا لما يوافق هواهم المريض وما يخالفه، ولو كنت صاحب قرار في حزب الحرية والعدالة لجعلتها 70%، طالما أن هؤلاء لا يملأ عيونهم إلا التراب، فالإسلاميين هم الذين يمثلون نحو 70% من شعب مصر، شاء من شاء وأبى من أبى، وليس هناك مجال للحديث عن أي تغيير في هذه النسبة إلا بعد خمس سنوات، ومن يعترض فليفعل ما يشاء وليرنا همته وشعبيته.
هاجم هؤلاء العلمانيون المتطرفون الجمعية قبل تشكيلها، وبعد تشكيلها، وعلى الرغم من أنهم تمثلوا في نحو 50 % من أعضائها، إلا أن ذلك لم يعجبهم، فهم لا يملأ عيونهم إلا التراب، لكن الغريب والذي يكشف عن أن نواياهم لم تكن يوما صافية خالصة، بل هي خبيثة منذ أول يوم، أنهم أرادوا صناعة أزمة سياسية بالانسحابات المتكررة من الجمعية بعد تشكيلها، فهل كان دخولهم للمشاركة فعلا؟! أم أنهم ترشحوا ظنا أنهم لن ينجحوا، فيثيروا ضجة كبيرة، ولما وجدوا كيدهم رد إلى نحرهم قرروا الانسحاب بحجج واهية؟! ثم من هؤلاء؟! كم فردا يمثلون؟! إنهم ليسوا إلا أحزاب كرتونية ورقية تتلقى الأموال من هنا وهناك ولا يقومون بأي دور مجتمعي على الإطلاق، أهذه القلة المتطرفة تريد أن تفرض رأيها على شعب بأكمله؟! في شرع من هذا؟! ما قال بهذا أبيهم ماركس ولا سيدهم مارتن لوثر ولا نابغتهم توماس هوبز ولا جون لوك ولا جان جاك روسو ولا إيمانويل كانط، فمن أين أتوا بهذا الكلام؟! ومن أفتاهم بهذا السفه الديمقراطي العلماني؟!.
ثم تأتي فضيحة أحد الرموز الليبرالية في مصر، عمرو حمزاوي، الذي ضرب أروع المثل في تعريف الديمقراطية والليبرالية، فقد أكد الرجل بما لا يدع مجالا للشك، أن مفهومهم عن هذه الأفكار أنها ضد أي شكل من أشكال التدين والالتزام بالإسلام وليس غير الإسلام، الرجل الذي ظن أنه عندما يسأل الناس عن رأيهم في الاستمرار بالجمعية التأسيسية من عدمه، سيجيبونه بضرورة الانسحاب، فأجابه 55% بضرورة الاستمرار، لكنه ولأنه رجل ذو مبدأ ولا يخون فكرته التي تسفه الشعوب وتقلل من رأيهم، ليجعل من نفسه وصيا عليهم، أبى إلا أن ينسحب ليؤكد لنا أنه لا يختلف عن الباقين إلا في حسن حديثه وأسلوبه المخادع.
ثم أبهرنا هؤلاء بتعريف جديد للدستور، وطريقة حديثة لتعديله، فالقوم –مدعي العلم- يزعمون أن وضع الأغلبية للدستور ستجعلنا نغير الدستور مع كل انتخابات تأتي بأغلبية جديدة، يا للعار .. يا للعار، الفقهاء الدستوريين ودعاة التقدم والليبرالية ومنظري الديمقراطية، لا يعرفون الفرق بين الدستور والقانون، الدستور الذي لا يقر إلا بموافقة الشعب الذي قد يقف في وجه الأغلبية النيابية إذا أتت بدستور لا يناسبه ولا يوافق توجهاته، وبين القانون الذي تقره الأغلبية النيابية، إنكم والله أروع مثل للجهل في أبشع صوره، وللكذب في أقذر صوره، وللتضليل في أبشع أشكاله.
فيا معشر العلمانيين من أنتم؟! من تمثلون؟! إنكم قلة متطرفة جاءت بأفكار مستوردة، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، وأنتم كالمستأجرين، تزعمون أنكم لصالح الناس تعملون، ولكنكم لستم على استعداد لدفع الثمن، ولستم على استعداد أن تقتربوا من الناس وتخالطونهم وتصبرون على أذاهم وتقضون حوائجهم، ولستم على استعداد للوقوف في وجه الظالم من أجل هذا الشعب، ولهذا كنتم إما رموز نظام مبارك ولجنة السياسات المدمرة، وإما أعضاء معينين بمجلس الشورى، وإما رؤساء تحرير صحف حزبية ورؤساء بعض أحزاب الصحف -وليس صحف أحزاب، فكل الأحزاب كانت تتكون من أجل التكسب من الصحف التي تصدر باسم الحزب- فأنتم بين هؤلاء وهؤلاء كنتم أعوان الفساد والنظام السابق.
لقد عرضتم أنفسكم على الشعب، بعدما شننتم حربا إعلامية وسياسية قذرة ضد الإسلاميين، وظننتم أن ما زرعتموه في هذه الحرب، قد نضج واستوى وحان وقت قطافه، فإذا بكم تجنون خيبة الأمل وتتجرعون مرارة الهزيمة، فبئس ما جنيتم وبئس ما تجرعتم فالجزاء من جنس العمل، ولكنكم لا تتعلمون، ولا تفقهون، وتريدون خوض الحرب السهلة لكم، حينما تستنجدون بالسلطة وبالإعلام أن ينقذوكم من تدهور سمعتكم أمام الشعب، ولكنكم لا تفهمون أنه مهما تفعلون، فإن سعيكم محكوم عليه بالفشل، لأن الشعب لن يقبل أن يسلم ذقنه لبعض من لا يعرف لهم أصلا و فكرا ولا موقفا ولا مبدأ، وقد كتبت سابقا، كلما تقوقعتم داخل الاستوديوهات المكيفة، كلما ابتعدتم عن الجماهير وابتعدوا عنكم، وقلت أيضا أن الشارع لنا وسنزاحمكم في الفضائيات والصحف.
فنصيحة إليكم يا معاشر العلمانيين في مصر الإسلام –التي كانت ولسوف تعود قلعة الإسلام الحصينة- اعرفوا من أنتم أولا، وما مكانتكم وقيمتكم، ومنزلتكم وحجمكم وشعبيكم ومستوى تأييدكم في الشارع، وبعدها تحدثوا وطالبوا، وكفوا عن الزوبعة والضجيج، فإنها إن نجحت جزئيا في خداع بعض الناس لبعض الوقت، فقريبا جدا سيرفع النقاب وتعرف الحقيقة .
المصدر : مفكرة الإسلام