استمعت أول أمس إلى حوار في قناة فضائية خاصة مع اللواء ثروت جودة وكيل جهاز المخابرات السابق ، حيث تفضل معاليه بتوزيع الاتهامات والتهديدات لكل قوى ثورة يناير وبعض المرشحين لرئاسة الجمهورية سابقا وحاليا ، من أول اتهامهم بالخيانة والعمالة والتخابر إلى تقاضي أموال من جهات أجنبية لتسريب معلومات تمس الأمن القومي ، كما تحدث بثقة العارف أن نشطاء ثورة يناير المحبوسين الآن ، مثل أحمد دومة ومحمد عادل وأحمد ماهر ، هم مسجونون في قضايا تافهة ، أما "الثقيل" ـ حسب وصفه ـ فسيأتي بعد ذلك ، وإذا خرجوا من السجن سيعودون إليه مرة أخرى لمدد طويلة ، وقال أن أحد مرشحي الرئاسة حصل على أموال من ليبيا مقابل أعمال تضر بالأمن القومي لمصر ، وقال جودة أيضا أن التسجيلات التي نشرها الإعلامي عبد الرحيم علي هي مجرد قشرة من جبل كبير تملكه أجهزة الدولة كما فجر مفاجأة بإعلانه أن هذه التسجيلات تمت بعلم النيابة وإذنها ، وأضاف أن لديهم أسماء خمسة آلاف عميل لجهات أجنبية من الذين شاركوا في ثورة يناير سيكشفون عنهم في الوقت المناسب ، هذا محصلة ما قاله اللواء ثروت جودة في حواره أول أمس والذي بدا فيه يشبه نسخة من توفيق عكاشة مع فارق بعض الهدوء والابتسامات الصفراء . ثروت جودة نموذج لرجال المخابرات الذين جعلوا ثقتنا تهتز في معايير الكفاءة التي كان على أساسها يتم اختيار العاملين في مثل هذه الأجهزة الحساسة ، ولم نكن لنعرف هذه الحقيقة لولا خروجهم إلى شاشات الفضائيات وحديثهم في العلن وليس في الغرف المظلمة ومن وراء الستائر الثقيلة ، ولم تكن هذه الوجوه تظهر في الفترات السابقة أيام المجلس العسكري الأول بقيادة طنطاوي وعنان ثم أيام مرسي ، كانوا يستخدمون أدوات بديلة يصدرونها ويملون عليها الرسائل التي يريدون توصيلها للناس ، بعضها رسائل تهديد وبعضها رسائل مضللة لصناعة رؤية غير صحيحة عن موقف معين أو شخص معين لتوريط الآخرين في بناء سلوكيات ومواقف بناء على تلك المعلومات المضللة والتي تصل دائما من "جهات سيادية"، وكانوا عادة يستخدمون إعلاميين من نوعية رديئة مثل "توفيق عكاشة" ، وبعد الإطاحة بمحمد مرسي بدأت الوجوه "السيادية" تظهر علنا وبشكل مباشر وبدون وسطاء على شاشات الفضائيات ، لواءات سابقون من المخابرات ، وبدأ الاهتمام يقل بالوسطاء والأدوات المعاونة مثل عكاشة ، مما أضعف شأنهم وحضورهم الإعلامي . اللواء ثروت جودة واضح أنه أرسل ـ كما الآخرون ـ برسالة محددة ، وهي تهديد كل أبناء ثورة يناير بأن دوركم انتهى وأنك ستعاقبون بشدة على تحديكم للأجهزة والمؤسسة العسكرية وأننا نملك الدولة وقضاءها وأدواتها كافة ونستطيع أن نفعل بكم ما لا تتخيلونه ، وأننا تسامحنا معكم سابقا ولن نتسامح مستقبلا ، غير أن تلك الرسائل المعنوية يؤديها شخصيات لم تمرن بالشكل الكافي على أداء أدوار تمثيلية كهذه ، مما جعل أداءهم مثيرا للسخرية على النحو الذي بدا في مقابلة ثروت جودة ، غير أن ثروت وأمثاله يورطون أجهزة الدولة السيادية في اتهامات صريحة وموثقة بالاعتراف ، لأن تصريحاتهم تمثل دليل إدانة نادر على تورطهم في مؤامرات على الدولة والشعب وتفتح المجال واسعا لإعادة تقييم الأحداث التي وقعت منذ ثورة يناير وحتى الآن وخاصة أعمال القتل والقنص والاغتيالات التي تمت لشخصيات شهيرة ونسبت كلها إلى ما عرف "بالطرف الثالث" ، وهو طرف لم يصل إليه الناس أبدا ، الآن أصبحنا أقرب إليه من أي وقت مضى ، ثروت يقول بأن التسجيلات التي تجسسوا فيها على ثورة يناير ونشطائها ورموزها كانت بعلم النيابة وبعد إذنها ، وهو لم ينتبه إلى أن هذه التسجيلات كانت في الأيام الأولى للثورة بعد انتصارها وإطاحة مبارك ، وهذا يعني ـ إذا صح كلامه ـ أن تآمر الأجهزة الأمنية على الوطن والثورة والشعب وقواه الحية كان من اليوم الأول ، وموقفها العدائي الخطير من هذه الثورة والتربص لرموزها والرغبة في التنكيل بهم وإيذائهم كانت متوفرة وحاضرة بقوة في خطط تلك الأجهزة ، وأنا أتمنى أن يتم الاحتفاظ بنسخ كاملة من تلك الحوارات لأنها وثائق إدانة مهمة للغاية ، وهدايا نادرة ، وربنا يكتر من أمثالك يا سيادة اللواء . almesryoongamal@gmail.com twitter: @GamalSultan1