كشف عبداللطيف المناوى، الرئيس السابق لقطاع الأخبار بالتليفزيون المصرى، أسرار الساعات الأخيرة فى عصر الرئيس السابق حسنى مبارك بصورة درامية، مؤكدا أنه لعب دورا رئيسيا فى إقناع مبارك بالتخلى عن منصبه، وساهم فى صياغة خطاب التنحى.
ويكشف المناوى فى كتابه الجديد الذى يصدر الأسبوع المقبل، ونشرت صحيفة «التايمز» البريطانية الخميس مقتطفات منه، أن سوزان مبارك، كانت وراء تأخير إعلان الرئيس السابق رحيله عن السلطة وسفره فى طائرة خاصة مع أولاده إلى شرم الشيخ، التى اختارها بنفسه كمنفى اختيارى له فى مصر، رافضا الهرب إلى خارج البلاد، حيث نقل إلى مستشفى ليقبع فى غرفة صغيرة فيها.
وقال إن سوزان كانت وراء تأخير إعلان استقالة مبارك، بعد أن جلست على رصيف القصر الرئاسى وظلت تبكى بشدة ورفضت المغادرة.
وبعد ذلك انضمت إلى ابنيها، جمال وعلاء، لركوب الطائرة المروحية التى كانت مخصصة لنقلهم إلى شرم الشيخ، فى اليوم الذى تم فيه إعلان تنحى مبارك عن الحكم، ولكن فى اللحظة التى دارت فيها مراوح الهليكوبتر قفزت سوزان خارج الطائرة، وهرولت عائدة إلى القصر الرئاسى.
واعتقد الحراس المرافقون لعائلة مبارك أنها تذكرت قطعة مجوهرات غالية أو فستانا عزيزا عليها، نسيت أخذه من الفيلا، وذهبت لإحضاره، ولكنهم عندما هرولوا خلفها، وجدوها ملقاة على الأرض، وتبكى فى انتحاب.
ويقول المناوى إن الحراس اضطروا إلى حمل سوزان عن الأرض، وأدخلوها إلى القصر الرئاسى، بينما أغرقت دموعها ملابسهم، وراحت تجمع بعض حاجاتها التى قالت إنها لا تستطيع التخلى عنها.
وبينما كانت تبكى عادت وقالت: «بالتأكيد كان لديهم سبب لذلك» (فى إشارة لأسباب ثورة المصريين)، وتوجهت إلى الحراس لتسألهم فى ذعر: «تفتكروا إنهم هيقدروا يدخلوا هنا؟.. أرجوكم.. ما تسمحولهمش يدخلوا هنا.. أرجوكم، ما تسمحولهمش يخربوا البيت ويهدوه، أنا أتوسل إليكم.. انتم تقدروا تستنوا هنا، خليكم فى الفيلا، أرجوكم، دافعوا عنها».
أثناء ذلك كله كان عبداللطيف المناوى ينتظر فى مكتبه تعليمات ببث بيان تنحى مبارك على شاشات التليفزيون المصرى، ويقول: «لم يكن أحد يعلم ذلك آنذاك، ولكن الدولة كلها كانت تنتظر، بينما سوزان تبكى فى القصر الخاوى».
كانت الفوضى تعم كل شىء أثناء إذاعة بيان التنحى، وقرر مبارك أن يتولى نائبه، عمر سليمان، قراءة البيان وإعلانه إلى الشعب، ووافق على ذلك المشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى كان مقررا أن يتولى إدارة البلاد بعد مبارك.
وتم وضع كاميرا فى قاعة بالقصر الرئاسى، كى يتمكن عمر سليمان من قراءة بيان التنحى، الذى استغرق 37 ثانية فقط، أعلن خلالها نهاية عصر مبارك، الذى دام ثلاثين عاما.
ويروى المناوى أن غضب مبارك، الذى تحول إلى صمت بسبب التردد فى اتخاذ القرارات، كان وراء تعميق الأزمة خلال الثمانية عشر يوما التى تلت اندلاع الثورة فى 25 يناير 2011. وقال إنه كرئيس لقطاع الأخبار بالتليفزيون كان غارقا فى التعليمات التى تصله من وزارة الإعلام والجيش ومساعدى مبارك، خاصة ابنه الطموح «جمال».
ويقول إن الجميع أراد من التليفزيون أن يبث بيانات لا علاقة لها بما يحدث فى الواقع الذى تبددت فيه صلاحيات الحكومة، بينما تحتشد الجماهير فى ميدان التحرير مطالبة برأس الرئيس. وبعد أسبوعين من المظاهرات التى أخذت فى الازدياد والشدة، أدرك المناوى أن مصير مبارك بات محسوما، وأنه لا سبيل للدفاع عن نظامه.
كانت المشكلة أن أحدا لم يجرؤ على مصارحة مبارك بذلك، لكن المناوى يقول إنه نجح فى إقناع ضباط كبار بجهاز المخابرات بأن يستدعوا أنس الفقى، وزير الإعلام، الذى كان مبارك يعتبره «ابنه الثالث»، كى يشرح لعائلة مبارك حقيقة الأمور الصعبة على أرض الواقع.
ويتذكر المناوى حديثا له مع واحد من كبار ضباط المخابرات، حيث قال: «طالما أن الله ذكر اسم مصر 5 مرات فى القرآن، فإنه سيحميها بالتأكيد، وكان يقف أمامى حينذاك واحد من كبار ضباط المخابرات المصرية، قال لى إنهم بانتظار معجزة».
فى نهاية الأمر، اتصل المناوى بمكتب أنس الفقى، وقال له إن مبارك ينبغى أن يظهر على الهواء فى ذلك اليوم، وأن يبدأ فى كتابة الخطاب الذى سيلقيه، وأصر المناوى على ضرورة الانتهاء من الخطاب قبل الساعة الرابعة عصرا. فى هذه المرحلة طلب الجيش أن يبث التليفزيون المصرى البيان رقم واحد، فى إشارة واضحة إلى أنه يمارس ضغطا على مبارك.
كانت مصر كلها، بما فى ذلك المتظاهرون بميدان التحرير، ينتظرون خطاب الاستقالة، وتكدس الآلاف أمام مبنى ماسبيرو، وهرب أغلب العاملين بالتليفزيون، وبلغت الساعة العاشرة مساء، دون أى إشارة إلى أن مبارك على وشك الدخول فى الاستوديو الموجود بالقصر الرئاسى. ويحكى المناوى: «اندهشت عندما رأيت جمال مبارك يتجول حائرا حول الكاميرا، لم أصدق عينى، لقد اختفوا ببساطة.. وبعد 20 دقيقة، ظهر مبارك أخيرا فى الصورة إلى جانب ولديه، والمتحدث باسم الرئاسة، وأنس الفقى. وبدأ فى قراءة البيان، وقع فى عدة أخطاء، وكان يتوقف، ثم يبدأ من جديد».
«وعندما انتهى ذلك، شعرت بمغص فى بطنى، فقد كانت تلك هى النهاية، وكان خطاب مبارك بسيطا بشكل مخيف، وكان أسوأ خطاب أدلى به طوال حياته. وفور بث الخطاب، انفجر غضب المتظاهرين. وأن جمال مبارك عالج الخطاب الذى تم تصويره، وحذف كل الأجزاء التى أعلن فيها مبارك عن استقالته، وكان ذلك هو الرهان الأخير على (مشروع التوريث)، الذى قاده جمال ووالدته».
فى اليوم التالى تزايدت المظاهرات، وحاول المتظاهرون اقتحام مبنى الإذاعة والتليفزيون، وانتشرت شائعات عن عدم وجود مبارك فى القاهرة، وأنه فى شرم الشيخ أو السعودية. ويحكى المناوى أنه قبل أن يرحل مبارك، سأله عمر سليمان إذا كان يريد السفر إلى أى دولة، لكن مبارك أجاب: «لا، أنا ما أجرمتش فى حاجة، وعاوز أفضل هنا فى وطنى، وهاعيش هنا لحد ما أموت».
وصل مبارك إلى شرم الشيخ، ومن هناك اتصل بالمشير طنطاوى، وأبلغه أن إدارة البلاد فى يديه من الآن، ولم يكن قد تم إعلان ذلك بعد. وجاء المتحدث باسم الجيش إلى الاستوديو، حاملا معه شريط التسجيل الذى يحتوى الإعلان عن تنحى مبارك رسميا، ولكن لم نتمكن من البث قبل التأكد من أن سوزان وابنيها غادروا القاهرة فعلا. وبث المناوى إعلان التنحى على العاملين فى التليفزيون، ويقول: «كان ذلك أمرا مؤثرا للغاية، وبكى بعض العاملين، فقد وقعوا تحت ضغط كثيف لأسبوعين، وفجأة وخلال 37 ثانية، ذهب كل شىء، وانتهى عصر مبارك».
وتنقل صحيفة التايمز البريطانية عن مصادر قريبة من مبارك قولهم إنه عندما وصل إلى مستشفى شرم الشيخ الدولى، غرق فى حالة اكتئاب عميق. وقضى أغلب وقته فى مشاهدة التليفزيون ومباريات كرة القدم، ورفض مشاهدة الأخبار، وبدا ضعيفا للغاية، وأصيب بأزمة قلبية فى مرحلة معينة، وزاد ضعفه وساءت حالته أكثر بعد أن استأصلوا ورماً من أمعائه، لا سيما أنه فى الثانية والثمانين من عمره، فكان يأكل ويشرب بالكاد، ورفض مغادرة غرفته، التى لم يكن بها سوى نافذة صغيرة.
وفى أوقات كثيرة كانت سوزان وزوجتا ابنيها، يفاجأن بفقدانه الوعى، وبقايا دموع فى عينيه. وتحدث معه أحد الأطباء، وسمعه وهو يسترجع أمجاده خلال خدمته بالجيش المصرى، وقال إنه أول رئيس مصرى يوافق على الاستقالة من منصبه، وكان يقول: «قالوا لى امشى، فمشيت».