المجلس العسكرى الآن أمام أخطر اختبار له منذ انتصار الثورة وإعلانه الانحياز لها، وذلك بعد أن انتهى البرلمان من إصدار قانون عزل رموز نظام مبارك عن تولى رئاسة الدولة لمدة عشر سنوات، وهو أهم وأفضل إنجاز حققه البرلمان منذ تشكيله، وهو معبر تمامًا عن روح الثورة ومصالحها وأهدافها، فإن هذه الثورة لم تقم على شخص حسنى مبارك، وإنما قامت على نظامه السياسى بكامله، وعندما نذكر نظام مبارك فنحن نقصد تحديدًا مبارك وابنه وثالثهم عمر سليمان الذى كان يقدم بوصفه "الوزير عمر سليمان" وهو الرجل الثانى فى القرار السياسى والذى تولى ملفات عديدة كما كان شريكًا مع منظومة الفساد وداعمًا لحسين سالم رأس الفساد والإفساد فى مصر، كما كان متورطًا فى تشويه سمعة مصر بوصفه جلادًا مرتزقًا يتم شحن شخصيات معارضة فى بلادها إلى مصر من أجل إخضاعها للتعذيب وانتزاع اعترافات ومعلومات ثم يعاد شحنهم إلى البلاد التى وردتهم ومعهم كامل البيانات والاعترافات، ومن يتم قتله تحت طائلة التعذيب الوحشى لعمر سليمان ورجاله يتم دفنه فى ظلام الليل، وباختصار فعمر سليمان هو أسوأ وجوه نظام مبارك قاطبة، فعندما يقوم البرلمان المفوض من ملايين الشعب المصرى بتشريع يبعد مثل هذه الوجوه الكئيبة عن المشهد السياسى الجديد لمصر فإنما يحقق مطالب الشعب المصرى وثورته، وعندما يرسل البرلمان هذا القانون إلى المشير طنطاوى، رئيس المجلس العسكرى الحاكم، للتصديق عليه فإنه يضع المشير أمام أخطر اختبار له منذ الثورة، وهو موقف سيحدد بشكل قاطع موقع المجلس العسكرى والمشير نفسه ومصيرهم، هل كان مع الثورة أم مع الفلول، هل كان ينافق الثورة بدون إيمان حقيقى بها وبأهدافها فى الوقت الذى يتآمر عليها ويتحين الفرصة للانقضاض عليها أم أنه مناصر حقيقى للثورة ومتضامن معها وشريك فيها، هذا كله متوقف على سلوك المجلس العسكرى من ذلك القانون، وعلى قرار المشير، فالمصريون بعد الثورة لم يعودوا قابلين للانخداع بالكلام والتصريحات، فقد شبعوا من "الكلام" والتصريحات أيام المخلوع، وإنما هم يريدون البرهان العملى، فالواقع والسلوك العملى وليس الكلام هو المحك، فإذا صدق المشير على القانون مباشرة باعتباره قرار الشعب المصرى من خلال برلمان الثورة، فقد أعلن انحيازه فعلاً للثورة وأنه شريك فيها وحريص عليها، وإذا امتنع المشير عن التصديق الفورى على القانون أو تلكأ وحاول إضاعة الوقت بالصورة التى أصبحت مفضوحة ومعروفة سلفًا، بإحالته إلى المحكمة الدستورية قبل صدوره من أجل تجميده لحين انتهاء الانتخابات، فهذا يعنى بوضوح كامل إعلان المجلس العسكرى انحيازه إلى فلول نظام مبارك بل ويعنى أن المجلس نفسه تحول إلى فلول وأنه أصبح أحد أهم وأبرز أعداء الثورة والشعب المصرى، بكل ما يترتب على هذا التحول الخطير من مواقف وتداعيات تدخل مصر فى صدام لا يقبل القسمة على اثنين، إما تجديد طوفان الثورة وفعالياتها لتنتهى بالإطاحة بالمجلس العسكرى ومحاكمة جميع رجاله على تآمرهم على الثورة، وإما حمام دم لا يعلم إلا الله مداه يعرض مؤسسات الدولة الحساسة للانقسام وسينتهى حتمًا بانتصار الشعب وثورته، ويحول جميع رجال المجلس العسكرى فى النهاية إلى محاكم جرائم الحرب الدولية، فيا ترى، أى الاختيارين سيختار المشير والمجلس العسكرى، وإلى أى السيناريوهات سينحاز، هذا ما سيتضح خلال الساعات القليلة المقبلة.