- الانقلاب ينفذ مخططا دوليا وُضع مسبقا لتفتيت القوى الرئيسة فى المنطقة
- اضطراب الوضع فى سيناء يخدم مصالح الجريمة المنظمة دوليا فى المقام الأول
- الثورة الحقيقية نضال مستمر يسعى لتفكيك نظام ليبنى بديلا عنه
- "25 يناير" شرارة بداية.. والثورة الحقيقية فى الشوارع والميادين الآن
- الحراك الطلابى فى المدارس والجامعات عامل مهم فى إسقاط الانقلاب
- نظام المخلوع مبارك لم يسقط وما زال حاضرا فيما يحدث على الأرض
- لا يوجد فى مصر ما يسمى "إرهاب" والانقلابيون يوظفون الأحداث لمصلحتهم
- نحتاج إلى زيادة الدور التوعوى والتثقيفى لجذب مزيد من المؤيدين للشرعية
أكد اللواء عادل سليمان –الخبير العسكرى والمحلل الإستراتيجى- أن ما حدث فى مصر من انقلاب عسكرى على الشرعية الدستورية والقانونية هو ضمن مخطط عالمى موضوع سلفا من أجل تفتيت القوى الصلبة فى المجتمعات العربية، أى الجيوش من ناحية والقوى السياسية الرئيسة والفاعلة من جهة أخرى ومن ثم يعاد رسم المنطقة لتصبح القوى العربية فيها غير فاعلة، ومن ثم يرتكز النظام الإقليمى الجديد فيها على ثلاث قوى أخرى غير عربية هى بالتحديد إيران وتركيا وإسرائيل.
وأوضح سليمان -رئيس منتدى الحوار الإستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية العسكرية– فى حواره مع "الحرية والعدالة" أن التعويل الأهم فى كسر الانقلاب الغاشم يقع على عاتق الشعب المصرى الأبى العظيم وحراكه اليومى فى الشوارع والميادين والجامعات وغيرها؛ شريطة أن يستمر محافظا على سلميته، فهى القوة الحقيقية التى لا يستطيع الجيش أن يهزمها، مشيرا إلى أن هذا الرفض الشعبى الظاهر هو الذى يعطل الترحيب الدولى بالانقلاب فى مصر.
وشدد "سليمان" على أن نظام المخلوع مبارك لم يسقط حتى الآن فهو مازال حاضرا وبقوة فى كافة الأحداث من ثورة يناير إلى الآن، حتى وإن توارى شخص المخلوع عن المشهد، إلا أن نظامه باقٍ لم يتم القضاء عليه بعد.. وإلى تفاصيل الحوار:
شرق أوسط جديد
*هل ما يحدث فى مصر من انقلاب على الشرعية يمكن تفسيره بأنه جزء من خطة ومؤامرة منظمة لتدمير البلد؟
- بداية، لكى نسمى الأشياء بمسمياتها الصحيحة، فهناك بالفعل مخطط، ولكنه ليس بهذا الشكل المباشر، فالمؤامرة المباشرة بشكلها التقليدى اختفت من زمن وما نقوله الآن عن مخططات هى أمور مكتوبة ومنشورة فى الأوساط العلمية والسياسية منذ مطلع القرن الحالى، والمخطط الذى نتحدث عنه هنا يأتى فى إطار ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذى يعيد تشكيل الشرق الأوسط القديم وبالتحديد المشرق العربى وشمال إفريقيا، بحيث يتم إضعاف كل القوى العربية فى المنطقة، أو بمعنى أبسط جعلها دولا منزوعة الجيوش، وهذا من شأنه إضعاف تلك الدول من كافة النواحى، ومن ثم يعاد رسم المنطقة بحيث تصبح القوى العربية فيها غير فاعلة، ومن ثم يرتكز النظام الإقليمى الجديد فيها على ثلاث قوى أخرى غير عربية هى بالتحديد إيران وتركيا وإسرائيل.
ولو نظرنا للمشهد منذ عام 2003، سنجد العراق قد تم بالفعل تدمير القوى العسكرية الخاصة به، وكذلك كل القوى السياسية الرئيسة هناك، ثم تكرر الأمر –أى تدمير القوى العسكرية- فى كل من اليمن وليبيا وسوريا، ولم يكن يتبقى سوى مصر، ومن ثم جاء الدور عليها.
* وهل هذا يعنى أن ما تم كان بتآمر تحالف دولى؟
- ليس تحالفا، ولكنه قرار من الثمانى دول التى تتحكم فى العالم أو ما يمسى بمجموعة الـG8 برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وعضوية روسيا.
* وكيف ترضى هذه الدول بأن تكون القوى الفاعلة الرئيسة فى المنطقة من بينهم قوتين إسلاميتين هما تركيا وإيران؟
- تلك هى الأنماط الإسلامية التى يراد لها أن تستمر، الإسلام الشيعى من جهة، وإسلام تركيا التى هى عضو فى الناتو وتسعى للانضمام للاتحاد الأوروبى.
* إذا كنا نفهم القبول العالمى بنظام إسلامى شيعى فى المنطقة لأننا ندرك مخاطره، فما وجه القبول بالنموذج التركى، وهو الآن بعد فوز حزب العدالة التنمية يعبر عن نموذج إسلامى وسطى؟
- ما يتم قبوله فى العالم هو النموذج الإسلامى الذى لا يتحدث عن دولة خلافة ولا عن أمة إسلامية تحكم العالم، فأمريكا والدول المسيطرة لا يهمها الإسلام كشعائر أو كمنظومة أخلاق وقيم، ولكن ما يؤرقهم هو نظام الدولة.
* وما الفارق بين هذا النموذج التركى لكى يتم قبوله، وبين حزب الحرية والعدالة فى مصر؟
- ذلك لأن الإخوان فى مصر لديهم مشروع واضح –جيد طبعا- ولكن تم الإعلان عنه مبكرا، وأعنى هنا الحديث عن تكوين فرد مسلم ثم أسرة فمجتمع فدولة ثم خلافة إسلامية، وهذا هو ما يخيف أمريكا، فهم يريدون أن من يدخل معهم على الساحة السياسية يكون ملتزما بإطار ما يسمى بـ"النظام العالمى"، والذى مبناه توازن المصالح، وليس الأيديولوجيات والسيطرة الأيديولوجية، لأنها قد تكون مضادة لهذه المصالح. ولذا فالأساس فى كل ما نشهده فى مصر حاليا هو ضرب هذا المشروع.
* إذا كان هناك أسباب لمحاربة أمريكا والكيان الصهيونى للمشروع الإسلامى فى مصر، فكيف نفهم محاربة السعودية والإمارات له؟
- أخطر ما يمكن أن تواجهه السعودية هو مشروع الإخوان المسلمين، ليس لأنهم خطر على المملكة كنظام حكم وراثى، وإنما خطورتهم على آل سعود بشكل خاص، حيث يصدر –آل سعود- أنفسهم للعالم على أنهم حراس العقيدة والإسلام، ولذا فهم على استعداد لدفع ثلاثة أرباع البترول لديهم لمحاربة نظام الإخوان فى مصر، فالمشروعان لن يبقى منهما إلا الأقوى، ومن الطبيعى أن الإخوان أقوى بكثير، لأن المشروع السعودى مشروع فاسد قائم على استغلال خيرات المملكة وبترولها.
أما الإمارات فتحارب بضراوة من أجل المصالح الاقتصادية، فكل مصالحها كانت مع نظام المخلوع مبارك بشكل مباشر، ولذا فهى تريد الإبقاء عليه هو بالذات.
* وما الآليات التنفيذية التى استخدمتها تلك القوى داخل مصر؟
- كل دولة لها سيناريو خاص بها، ففى العراق مثلا لم يكن متاحا سوى التدخل العسكرى المباشر، أما فى مصر تم الدفع بالأمور إلى أن تسير إلى ما نراه حاليا من انقلاب، وما حدث بعد ذلك من استخدام القوة تجاه الشعب، وانشغال القوات المسلحة بالشارع من جهة، ومن جهة أخرى أصبحت القوى السياسية الرئيسة والفاعلة معتقلة وفى السجون، وهذا يعنى إضعاف الطرفين، فكلاهما يتأثر.
ملف سيناء
* كيف ترى الأوضاع فى سيناء عقب الانقلاب؟
- سيناء بها ثلاثة مكونات رئيسة منذ القدم وليست وليدة اللحظة، الأول والأهم هم عناصر الجريمة المنظمة والتى تعمل فى تهريب البشر وتجارة الأعضاء، وبأسعار مرتفعة للغاية، وبأرباح خيالية، وهى تتبع جماعات ضخمة وكبيرة وتعمل فى المليارات، وتمتد بشكل دولى من جنوب إفريقيا لأوربا، وهناك فى الكيان الصهيونى مراكز تجميع تستقبل هذه الوفود البشرية المهربة فى "بئر سبع" ومنه إلى "حيفا" فى مركز آخر أكثر تطورا، ويتم هناك الفرز والتصنيف ما بين مجموعات للعمل فى "إسرائيل" وأخرى للبيع فى أوربا، وثالثة تكون قطع غيار بشرية لنقل الأعضاء. وهذه الجماعات بالطبع من مصلحتها أن تكون هناك حالة من عدم الاستقرار فى سيناء، فضلا عن وضع اضطراب بصفة مستمرة، فى حين تكون الدولة وأجهزتها الأمنية منشغلة، كل ذلك حتى تستطيع ممارسة نشاطها المشبوه.
أما المجموعة الثانية فجماعات "متطرفة" لها علاقة بفكر "القاعدة" وليس بتنظيم "القاعدة" حيث لا يوجد ما يسمى الآن بالتنظيم الدولى للقاعدة، ولكنها فقط أفكار قد تجد من يعتنقها.
والمجموعة الثالثة فهى السلفية الجهادية، وهى أيضا موجودة من قبل ولها ملاذات آمنة تعيش فيها، وهذه المجموعات جميعها استغلت ما حدث فى مصر من انقلاب لتستأنف مزاولة نشاطها.
* هل يعنى ذلك أنك تستبعد أن الانقلاب هو الذى يحرك ويصنع الفراغ الأمنى فى سيناء؟
- من وجهة نظرى لا أرى ذلك، وأرى أن الانقلاب كان فرصة تم استغلالها من قبل تلك المجموعات الثلاثة فى سيناء، والدليل على ذلك الحوادث التى نجدها على الأرض ونسمع بها من آن لآخر حتى ولو كانت بسيطة، ولكن الانقلاب من ناحية أخرى عاد واستغل تلك الحوادث لصالحه، بحيث أكد فكرة وفزاعة "الإرهاب" ودعّمها، وصار من يلطمه على خده يواجهه بالمدفع والرشاش.
* ولماذا نجزم أن تلك الحوادث من صناعة تلك المجموعات، ولا توجد أية شفافية فى النقل أو بيانات أو تحقيقات واضحة؟
- بالفعل لا توجد تحقيقات واضحة أو شفافة، وهو أمر ليس بجديد، ذلك لأن السلطة فى مصر ومنذ القدم لم تعتد أن تحترم الشعب، فلا تجرى تحقيقات، وإذا أجرتها لا تخبر بها الشعب.
* ولكن فزاعة "الإرهاب" لم تتوقف من قِبل الانقلاب عند حدود سيناء، وإنما امتدت إلى البلاد جميعها من أولها لآخرها.
- هنا نستطيع أن نقول بوضوح إنه لا يوجد لدينا "إرهاب" بهذا المعنى أو الشكل على الإطلاق، فتعريف الإرهاب: "وجود جماعات منظمة تثير العنف والذعر فى المجتمع عامة، عن طريق عمليات تفجير عشوائية تستهدف الناس" وهذا لا يحدث ولا وجود له فى مصر.
أما ما يحدث من جرائم أو تفجيرات أو ما شابه، ففى ظل غياب المعلومات والتحقيقات لا نستطيع أن نحكم، ومن ذلك مثلا حادثة كنيسة الوراق التى تبين أنها ناتجة عن خلافات عائلية استغلت فرصة حفل زفاف، للانتقام. فى حين يكون الحديث الإعلامى أو الحكومى عن نفس الحادثة أنه "إرهاب". ولذا فمن غير شك أن هناك توظيفا للحوادث -حتى وإن كانت حوادث عادية وتقليدية- على أنها حوادث وجرائم إرهاب.
* بالعودة إلى سيناء، هل ترى أن أسلوب الجيش ملائم فى ضرباته بهذا الشكل؟
- الحل فى سيناء لابد أن يكون تنمويا فى الأساس ثم أمنى برؤية مختلفة تماما، ولكن رؤية متطورة لا تقوم على الملاحقة والضرب والمطاردة، وإنما لابد أن نتعامل مع الناس هناك باعتبار أنهم مواطنون لهم حقوق مثلهم مثل غيرهم، لا فرق بينهم وبين مواطنى أى قطعة أخرى من أرض البلاد، فلا يصح أن يكون التعامل بمقتضى أنهم مجرمون إلى أن يثبت العكس، وإنما لابد من تحقيقات واضحة شفافة. ومن جهة أخرى فاستمرار الوضع فى سيناء على هذا يجعل منها مرتعا للجريمة والجريمة المنظمة والدولية فى الأساس، خاصة أنها مساحة شاسعة محدودة الكثافة السكانية.
ومن جهتى فلا أوافق على الطرح بأن هناك مخططا لإقامة وطن فلسطينى فى سيناء، أو مثله من "إسرائيل" لإعادة احتلال تلك البقعة أو السيطرة عليها من أجل إحكام الخناق على قطاع غزة، فالحقيقة أن قوة "إسرائيل" قد تعدت بكثير فكرة احتلال الأرض.
رفض الانقلاب
* برأيك.. ما عناصر القوة الموجودة داخل القوى الرافضة للانقلاب العسكرى على الشرعية؟
- عنصر القوة الحقيقى والرئيسى الآن هو الشعب، وتلك الجماهير التى تخرج محتجة يوميا، فالمواطنون العاديون البسطاء هم عنصر القوة النابض، فهذا الشعب هو من يشعر أن هناك ظلما ما وقع عليه، فيخرج يعبر عن شعوره هذا بالقهر والظلم، ويطالب برفعه عنه الظلم، ويستمر هذا الشعب فى قوته طالما ظل محافظا على سلميته، وكلما ثبت وزادت نبرة احتجاجاته كلما أنبأ ذلك بانتصاره فى النهاية.
* وكيف تكون "السلمية" عنصرا من عناصر القوة؟
- السلمية مع زيادة أعداد الجماهير المحتجة، هذا من شأنه أن يصنع حالة مستمرة فى الشارع تجتذب مجموعات أكثر وأكثر يوما بعد يوم، وهو ما يعنى إيقاظ الوعى لدى الفئة الصامتة أو الطرف الذى يدعى الحياد والوقوف فى المنتصف بلا موقف، وهذه الفئة ما زالت الأغلبية، واستمرار الحراك فى الشارع لابد أن يشعرهم بالقضية. فلا يوجد جيش يستطيع أن يهزم شعبا، فالجيش فى النهاية هم أفراد ومواطنون مثلنا، فبعد فترة سيبدءون فى فقدان الرغبة فى الاستمرار، وسينحازون لما تجتمع عليه الإرادة الشعبية.
وفى الحقيقة فالشعب المصرى لم يسبق له أن ناضل من أجل حريته نضالا حقيقيا من قبل، اللهم إلّا بعض المواقف القليلة والعابرة فى التاريخ، ولكن الأغلب هو الرضا والانصياع لكل من يسيطر على كرسى الحكم. ولذا فما نعيشه هو تجربة سابقة لم تحدث للشعب المصرى من قبل. فتركيبة الأجيال اختلفت، واحتكاكها بالغير أثمر عن معرفة واقتراب من واقع الحريات فى العالم أجمع وكيف تعيش شعوبا أخرى بلا قمع أو قهر أو اضطهاد، ومن ثم هناك رغبة فى العيش على نفس النمط، على اعتبار أننا كشعب لسنا أقل من غيرنا، ونستحق أن نعيش فى كرامة مثلهم.
* ما الذى نفتقده فى أشكال الاحتجاجات السلمية، أو ربما لم يتم فعله حتى الآن بشكل جيد؟
- نفتقد الدور التوعوى والتثقيفى، وهو عنصر من أهم عناصر القضية، لأن دوره يمكن أن يؤدى إلى مزيد من تحريك الناس، ودفع المزيد من الجماهير الصامتة لاتخاذ موقفا إيجابيا. وهذه الفئة الصامتة سيسهم فى تغيرها بشكل كبير الحديث عن الحقوق والواجبات، وشرح ما صارت عليه الأمور فى البلاد، وكيف ستؤدى إلى مزيد من الشقاء المادى والمعنوى لو أنها استمرت. فمصر لن يضيعها الذين مع أو الذين ضد، ولكن يضيعها هؤلاء الصامتون، لأنهم أغلبية، وهؤلاء هم هدف الخطاب الثقافى فى أى مجتمع، وبتحريكهم قد يتم حسم الأمور فى مصر.
* هناك من يتعجل كسر الانقلاب بشكل سريع، كيف ترى ذلك؟
- هؤلاء مخطئون، فالأمر غالبا ما يطول أمده، وهذا هو الفارق بين الثورة الشعبية والانقلاب، فالأخير لا يعمل إلا على تغيير الحاكم، أما الثورة الشعبية فهى نضال يستمر ويتفاعل لأنه يسعى إلى أن يفكك نظاما ليبنى بديلا عنه، وهذا أمر ليس بيسير ويحتاج إلى تضحيات كثيرة، إلا أن النتيجة والثمرة عادة ما تكون أكثر رقيا ونضجا ونقاء، لأنها تعيد بناء الأسس وتعطى الإرادة للشعب.
* يعوِّل البعض على وجود انقسامات داخل الجيش، فهل ترى ذلك صحيحا؟
- لا أرى صحة لذلك، كما لا أرى أهمية للالتفات إلى مثل تلك الأفكار فى الأساس، أو غيرها مما يقال عن تسريبات أو فيديوهات وما إلى ذلك من أمور، المهم أن نركز على عنصر القوة الحقيقى وهو الحراك الشعبى واستمرار احتجاجات الشارع.
النظام السابق
* صرحت من قبل أن ثورة 25 يناير لم تسقط النظام، وإنما هزته فقط، كيف ذلك؟
- نظام المخلوع مبارك لم يسقط حتى الآن، والحق أنه ليس نظام مبارك فقط، وإنما النظام الممتد منذ 23 يوليو إلى الآن، وكل ما حدث فى 11 فبراير أن شخص مبارك قد توارى عن المشهد، وفى الوقت الذى كان الشعب فيه يقيم الاحتفالات فى التحرير، كان هناك رجلا فى مصر -هو المشير طنطاوى- قد امتلك صلاحيات وسلطات مطلقة ونادرة بشكل غير عادى، ومن ثم بقى النظام كله برمته واستمر فى العمل بل ويستمر حتى تلك اللحظة، ومن ثم فليس دقيقا أن نقول إن الدكتور محمد مرسى لم يستطع أن يقضى على عناصر الفساد، فهذا وصف غير مناسب، لأن النظام كله كان فاسدا، ولم يكن قد تم القضاء عليه كما يظن البعض.
- ولكننا فى هذا الإطار نستطيع أن نقول إن الشىء الوحيد الذى اختلف هو "الناس" تلك الجماهير البسيطة التى استيقظت، وشعرت أن لها حقوقا وتخرج لتطالب بها الآن. فكثير من الناس لم تشعر بما حدث فى يناير على الإطلاق، ولذا فـ"25يناير" لم تكن أكثر من شرارة بداية، أما الثورة الحقيقة فهى ما تحدث الآن.
* هل يمكننا أن نضع ولو بشكل تقريبى سيناريوهات محتملة للأحداث؟
- لا يمكننا ذلك تماما، ولكننا من جهة أخرى نقول إن الإصرار والإرادة الشعبية المستمرة والاستعداد للتضحية هى ما يصنع هذا المستقبل، ولا حل لمن أراد المشاركة فى صناعة مستقبل أفضل إلا أن يبادر وينزل ويشارك تلك الحشود المحتجة فى الشارع، ومن ثم تطوير ذلك الحراك الشعبى السلمى وتنويع أشكاله، فكما رأيناهم اتجهوا من الميادين إلى الحارات والأزقة والشوارع الضيقة، اتجهوا من المدن إلى القرى، كذلك هناك الآن حركة طلابية بدأت فى فعاليات وأنشطة جيدة داخل المدارس والجامعات ويمكن أن يمثل عنصر قوة مهم.
الملف الخارجى
* بنظرك، هل تتفهم الشعوب الخارجية الحال الذى عليه مصر الآن من وجود نظام مسيطر بالقوة من جهة وشعب رافض له من جهة أخرى؟
- العالم طيلة الوقت يدرك أن أمثالنا من الشعوب تتحكم فيها أنظمتها بالقوة، ولكنه كان يدرك أيضا صمتنا وقبولنا لذلك، أما الآن فالعالم كله يشهد ويعلم أن الشعب المصرى لم يعد يصمت أو يرضى بمن يسيطر عليه بالقوة، وهذا مما يُحسن صورتنا فى مرآة الآخر المتقدم، فهو يرانا الآن أفضل لأننا نناضل من أجل حريتنا. فشعوب العالم الحر حصلت على ما هى فيه الآن بعد أن دفعت ثمنا غاليا، لم ندفع نحن مثله، ولذا فالشعوب الحرة تحترم من يدفع ثمن كرامته وحريته، وكلما رأوا منا ثباتا وعزيمة وإصرارا وتضحية، كلما أضمروا لنا الاحترام أكثر، ومن ثم مارسوا ضغوطا على حكوماتهم ليصب فى النهاية فى قضيتنا الشرعية فى مصر.
* كيف تفسر عدم اعتراف أغلب دول العالم بالانقلاب فى مصر؟
- فى الحقيقة لا يوجد ما يسمى اعتراف أو عدم اعتراف هكذا بشكل مباشر، لأن هذا مقتضاه على الأقل سحب السفراء وإغلاق سفاراتنا ومقار بعثاتنا الدبلوماسية فى تلك الدول وهذا لم يحدث، ولا يُتوقع حدوثه، لأن العالم مبنى على المصالح، وفى مصر هناك سوق كبيرة للتجارة، وممر مهم عبر قناة السويس، وكل ذلك لا تستطيع معه الدول قطع العلاقات بشكل رسمى مباشر.
فالأمر فى مسماه الصحيح يندرج تحت الترحيب، وهذا لم يحدث سوى من خمس دول فقط، ودول أخرى لم ترحب وهذه هى الأغلب والأكثر، كذلك هناك دول أبدت اعتراضا بشكل مباشر مثل دول الاتحاد الإفريقى، والذى أوقف عضوية مصر فيه وحظر عليها أية أنشطة أو مشاركات فيه.
أما الدول الأوروبية وأمريكا فرغم وقوفها ضمن المخطط الذى تحدثنا عنه لبناء الشرق الأوسط الجديد إلا أنها مع ذلك لم تستطع أن تبدى ترحيبا رسميا بما حدث فى مصر لأنها دولا ديمقراطية تحترم إرادات شعوبها، وتعمل لها ألف حساب، خشية الخسارة فى الجولات الانتخابية، وهذا بالضبط ما نستطيع أن نستثمره هنا فى الملف الخارجى، من حيث استمرار التأكيد على الرفض الداخلى الشعبى للانقلاب، وهو ما من شأنه أن يلقى تشجيعا من شعوب العالم، والتى لديها أنظمة وحكومات تتبع إراداتها الشعبية. كما أن الملاحقات الجنائية والقانونية الخارجية التى يسعى فيها البعض أيضا مهمة ومطلوبة.
دولة اللاقانون
* كيف تسمح الأجهزة الأمنية لنفسها بهذا التحالف المباشر مع عناصر الإجرام والبلطجة؟
- هذا ملف قديم جدا فى مصر، فمنذ عهد الملك فاروق وهو يستخدم تلك الورقة لحماية السلطة مهما كانت وسائله فى ذلك، حتى وإن أدى ذلك لاستخدامه المجرمين الذين من المفترض له أن يحاربهم، وكل ما جعل هذا الملف بارزا هذه الأيام، هو اجتراؤهم على العمل المباشر فى الشارع أمام الناس، وضد مواطنى البلاد البسطاء. فحماية السلطة تقتضى إخافة الناس، وهو مما لا شك فيه يؤدى إلى ما نحن فيه من سيادة الجريمة وانتشارها، فليس من رادع طالما كان الأمن والمجرمون حلفاء، وفى أحيان أخرى شركاء.
* هل توافق على أننا الآن دولة بلا قانون أو قضاء؟
- فى هذه الفترات من عمر الدول لا يمكننا أن نقول إن لدينا مؤسسات كهذه، ثم كيف لنا أن نتحدث عن القانون، إذا كانوا أوقفوا العمل بـ"أبو القوانين" نفسه وهو الدستور.
* هل تابعت مناقشات لجنة الدستور التى عينها الانقلاب؟
- لم أهتم بهذا مطلقا، فهى أمور ولدت ميتة، وغير مقتنع بها أساسا حتى أتابعها.
* أخيرا، لماذا تم إغلاق المركز الدولى للدراسات المستقبلية والإستراتيجية ICSF والذى تترأسه؟
- تركت المركز منذ أربعة أشهر تقريبا، ومن جهة أخرى فلم يكن المركز تابعا للدولة أو لأية جهة حكومية حتى تتخذ قرارا بإغلاقه، وإنما كان منبثقا عن شركة مساهمة تعمل فى مجال تكنولوجيا المعلومات، ومؤسسة من عام 2003، وقد خصصت جزءا من نشاطها لخدمة وتنمية المجتمع، عن طريق البحث العلمى والتوعية وإتاحة الفرصة للثقافة الشبابية وثقافة الحوار أن تسود.
وبالطبع فمن الممكن أن تكون قد حدثت ضغوط ما أدت إلى غلق المركز، لكنى لا أستطيع أن أجزم.