/>

الإخوان .. ووهم تكرار يناير ! - أنس حسن




- تطورات سريعة في المشهد المصري تأخذ بأطراف الصراع نحو تحولات في الموقف والسلوك السياسي ، فبعد أن اقترب موعد التصويت على الدستور وتزايدت دعوات التصالح السياسي مع فرقاء ما يعرف بثورة يناير ، توجه الخطاب نحو تذليل الصعوبات أمام "التوافق" السياسي كما يبدو من استراتيجية الإخوان وسلوكهم في الفترات الأخيرة للاستعداد لمرحلة "يناير" وتوظيف ما نتج على السطح من بوادر غضب شعبي يتوهمه البعض ضد الانقلاب العسكري بسبب فشل الأخير السياسي في تصحيح الأوضاع الاقتصادية والسياسية وتزايد كلفة القمع .



- هذا الرهان على تكرار اللحظة الأولى للثورة هو ما يطمح له من يقف وراء الدفع بهذه التوجهات التوافقية في السلوك السياسي الإخواني ، وهذا الرهان لايتوقف عن "الحلم" بأن تكرار ذات المشهد ممكن وفعال ، وهذا في وجهة نظري بعيد عن الواقع ونتائج التجربة ، مع إيماني بأنه من الممكن تكرار ذات المشهد "الحشدي" لكنه ليس بالإمكان مطلقا تكرار ذات النتائج ، ولهذا الرأي عندي منطلقات.



- إن ما حدث في يناير 2011 لا يمكن اعتباره ثورة مكتملة الأركان أسقطت نظام و أتت بنظام جديد ، بل إنها في عداد أنصاف الثورات و إلا لما أسلمت أمرها في أول يوم للمنظومة العسكرية ، إن يناير كانت حالة غير واعية بحقيقة "العصابة" الحاكمة في مصر ، وغير واعية بحجم مسؤولية العسكر والجيش مسؤولية مباشرة عن تدني مستويات الديمقراطية وكثير من فصول الفساد الاقتصادي ، وأن آليات توطين العسكريين المتقاعدين في كل مفاصل الدولة ومراكز الحكم المحلي هو سبب رئيسي للفساد والترهل في كيان البلاد ، وكذلك عمليات تصعيد رجال أعمال من خلفيات عسكرية ومخابراتية ليصبحوا المسيطرين على مجال اعمال القطاع الخاص وكذلك ليكون فسادهم مغطى بمرجعية "الأمن القومي" بشركاتهم التي يختلط رأس المال المخابراتي فيها بالشخصي ، كل تلك التداخلات هي ما أنتج الفساد وليس فقط "شلة جمال" الوريث .


- وكذلك فحالة يناير لم تكن تصطدم اصطداما مباشرا بمصالح الجيش ، إن لم تكن تلتقي معه فيها ، فالجيش وعصابته الاقتصادية كانوا على تنافس مع عصابة "جمال" الوريث ومجموعة مدنيي الاقتصاد ، الذين كانوا يعدون أنفسهم لوراثة الاقتصاد والسياسة أيضا و تصفية سطوة الجيش تدريجيا ، حيث كان جمال يعد نفسه كأول رئيس مدني لمصر وخلفه تشكيلات اقتصادية تتهيأ للانقضاض على مساحات البيزنيس الجديدة وتحجيم فرص العسكريين بها ، هذا التنافس يكفي لفهم أن ثورة يناير التي احتفت بالجيش واسقطت مشروع جمال مبارك لم تكن لتصطدم مع العسكر و إنما التقت معه في نقطة ازاحة المنافس ، و إن اختلفت معه لاحقا واصطدمت به إلا أن ماكينة العسكر الاعلامية والسياسية والأمنية نجحت كما نرى في تصفية هذه الحالة في سنتين والعودة بمشروع العسكر السياسي من خلال طوفان من التأييد الشعبي والثوري أيضا !.



- وﻷجل ذلك كله كان التعويل على "يناير" أخرى بذات المفاهيم وتوقع ذات النتائج هو ضرب من "الوهم" السياسي المدفوع بجرعات أمل لا أساس لها من واقع أو سياسة ، فإسقاط مبارك في يناير لم تكن القيمة الكبرى فيه للحشود فقط وانما لموقف القوة العسكرية الكبرى في البلاد ، التي حسمت الصراع مبكرا واتخذت شكل الحياد لتترك مبارك منفردا يحاول دون جدوى وبذلك فهي قد انحازت لمصالحها وللحراك الذي سينتهي باسقاط مشروع منافسيهم السياسي والاقتصادي .



- وفي يناير 2014 لن يكون موقف القوة العسكرية في البلاد هو ذاته الموقف القديم مطلقا فموقف الجيش من "رابعه" وسفكه لدم الآلاف أسقط اسطورة حركة الدم المصري ويؤكد على أن الجيش سيتورط مجددا في لعبة الدم حين يشعر بتهديد مشروعه السياسي ، كذلك فإن أغلب النخب والكيانات السياسية ترى في الاخوان وليس الجيش الخطر الأكبر و تحالفهم مع العسكر حاليا وصمتهم على دماء الآلاف وموافقتهم على الانقلاب العسكري ومنحه شرعية سياسية ونخبوية لهو أمر يجعل التعويل على مثل هؤلاء (كالمستجير من الرمضاء بالنار) ، وتعلق بقشة نتنه تغرق من يتعلق بها وتلوثه ، كما أنهم في حقيقة الأمر على مدى 3 سنوات اتضح انهم لا يملكون عمقا شعبيا و لا حشديا و أن لعبة الحشود والعمق مقسمة مابين أنصار العسكر وفلول النظام و الإسلاميين و أما البقية فهم مع من غلب مجرد رتوش وماكياجات سياسية ، والتعويل عليهم نوع من الوهن والوهم .


- البعد الأخير وهو المهم في وجهة نظري ، الاختراق المخابراتي والأمني لهذه القوى السياسية المدنية وحتى الشبابية منها ، فحركة تمرد التي كانت تتحكم المخابرات في مفاصلها كما اعترف كثيرون منهم وكما نعلم نحن من وقائع السياسة ومآلاتها ، لن تتحول فجأة لتيار ثوري يواجه النظام الذي أتى به عن وعي وقصد وفهم ! ، وكذلك فإن الشروط التي يملونها للتوافق هي شروط مآلها إنهاء القضية الأولى "الانقلاب" ودفن المظلومية الكبرى "رابعة - النهضة - الحرس - المنصة" بحصيلة آلاف الشهداء و التخلي عن مرجعية الحق القانوني والسياسي "الشرعية - الدستور" والدخول في معركة "وهمية" تسمى "اسقاط حكم العسكر" كعنوان فضفاض مترهل لا يمتلك مرجعية الحق الشرعي ولا المظلومية و لا مرجعية الحق السياسي ليصبح بذلك التوافق مجرد غطاء لعملية التخلي الممنهجة عن القضية دون أن يشعر الإخوان ومعارضو الانقلاب بهذه الكارثة .

- إن إسقاط الانقلاب العسكري مهمة طويلة وشاقة ، و أول المشقات هي ادراك وفهم طبيعة الصراع و عقلية الاخر فيه و التخلي عن الطيبة والسذاجة و الفكاك من براثن التلاعب المخابراتي بعناوين الصراع ، والتمسك بعنوان واضح وصريح للقضية بناء على مرجعيات الحق والمظلومية 

التعليقات
0 التعليقات