/>

قضاء سونيا .. للبيع حازم سعيد





من أخطر الفئات الطفيلية المرتبطة بالانقلاب ، وأحد أهم أدواته ، تلك المؤسسة التي تقدم لنا هذه الأيام أسوأ ما كنا نتخيله من ظلم وفساد ، مؤسسة القضاء ، وهي المؤسسة التي تصدر كل يوم أحكاماً بالجملة لتبرئة الجناة المجرمين المفسدين في الأرض ، والذين على طول عهد المخلوع مبارك نهبوا وسرقوا ودمروا مصر ، وارتكبوا جنايات لا تعد ولا تحصى أثناء عهد مبارك وأثناء أحداث الشهيدة ثورة 25 يناير ، حتى أصبح راسخاً في لاوعي المصريين أن شهداء 25 يناير قد قتلوا أنفسهم ، ولم يكن هناك جناة ولا مجرمين .

وفي المقابل فإن هذه المؤسسة تصدر أحكاماً بالجملة كلها مظالم يحملونها على كواهلهم من سجن لفتيات بريئات تظاهرن سلمياً أحد عشر عاماً ، إلى سجن طلاب الأزهر البريئين سبعة عشر عاماً إلى أحكام وإجراءات شبه يومية كلها ظلم وتعسف وتجنٍ على الأبرياء ، يكاد لا يخلو يوم في زمن الانقلاب بدون مظلمة قضائية بدءاً من النيابة التي تطلق أحكام الحبس الاحتياطي بالشهر ونصف وبنصف الشهر وبالجملة بأوامر من المؤسسة الأمنية دون إعمال العقل والضمير ودون تحكيم القانون ، وانتهاءاً بأحكام جائرة يأتي على رأسها الحكم الغبي المتخلف الذي أصدره ذلك العتل الجواظ الغليظ العبوس القمطرير شعبان الشامي بالإعدام على ما أطلقوا عليه خلية السويس ، والذي هو نفسه يحاكم رئيسنا الشرعي وقيادات الإخوان من المرشد العام ومن معه من إخوانه .

لنا مع هذا القضاء غير الشامخ ، والمنبطح ، والمفسد في الأرض مجموعة وقفات :



قضاء زليخة

ليس ما يحدث على يد هذا القضاء الفاسد جديداً على مصر ، فمصر منذ الأزل وهي تئن تحت وطأة قضاة فاسدين مفسدين ، ما أستطيع نقله هنا من موثق التاريخ - على عجالة هذه المقالة - ما أحدثوه في حق نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام ، حيث بعد أن تبينوا صلاحه وبراءته مما رمته به امرأة العزيز ، وبعد أن برأه الله بمعجزة من عنده ، وبأدلة يقينية ملموسة محسوسة مرئية إذا بهم يسجنونه ، فأي قضاء هذا !

اسمع لقول ربك الكريم وتدبر كم جنايتهم وهم يقترفون ذلك الجرم العظيم في حق نبي الله عليه السلام : " ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين " .



فرعون ورجاله

على هذا المنوال يخبرنا ربنا الكريم سبحانه في محكم كتابه بآيات بينات مفصلات واضحات ما كان يفعله قضاء فرعون مع قوم موسي عليه السلام ، وسواءاً كان فرعون بنفسه هو الذي يصدر الأحكام وأنه تبوأ منصب القضاء ، أو أنه أوكل الأمر للقضاء ، فإن ما ينبؤنا عنه التاريخ من أحكام مطلقة في حق بني إسرائيل من قتل للأولاد ومن فساد في الأرض ومن قتل للسحرة بعد أن آمنوا ومن طرد لبني إسرائيل من مصر ومن مطاردتهم إلى أن لقي الظالم حتفه ، كل ذلك يظهر لنا نوعاً من القضاء مر بمصر كله فساد وظلم وجنايات .



قضاة حادثة دنشواي

تلك الحادثة التي علمتنا كتب التاريخ أنها كانت مذبحة دنشواي وذلك أن القضاء الفاسد حكم على أربعة بالإعدام بالإضافة لنيفٍ وعشرين إنسان بالسجن والجلد .. فماذا سيقول التاريخ في مزبلته عن مرتكبي مذبحة رابعة والنهضة والحرس والمنصة والانقلاب على العموم ؟!

المهم هنا هو أن المحكمة الظالمة التي ترأسها - بخلاف القضاة الإنجليز – مصريان هما القاضي بطرس غالي والقاضي أحمد فتحي زغلول ( شقيق سعد زغلول ) ، وشهدت تجنٍ واضح على المصريين واعتبرتهم المحكمة جناة مع أن الإنجليز ( المحتلين ) هم الذين اقتحموا أحد الأجران وهم الذين بدؤوا ضرب النار على الأهالي .. ومن ثم أصدر القضاة الظالمون حكمهم الجائر بإعدام أربعة وحبس وجلد الباقين ..

واقرأ لمدعي النيابة إبراهيم الهلباوي قوله ضمن مذكرة إثبات التهمة على المصريين نصاً : )هؤلاء السفلة، وأدنياء النفوس من أهالى دنشواى، قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنكليز بالعصى والنبابيت، وأساءوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنكليز بيننا خمسة وعشرون عاما، ونحن معهم فى إخلاص واستقامة ).. والله لكأني أسمع هذا الانبطاح والتدني والرغبة في العبودية الآن من قضاء الانقلاب يقولها عن الإخوان ، وما أشبه الليلة بالبارحة .

وقد ترتب على هذه الأحكام الجائرة أن قام شاب وطني اسمه إبراهيم الورداني باغتيال بطرس غالي ، والمفارقة أن مدعي النيابة ( إبراهيم الهلباوي ) هو نفسه الذي دافع فيما بعد عن قاتل بطرس غالي ، وتاب على العلن ، وقال فيما قاله عند الدفاع عنه : " جئت نادما أستغفر مواطنينا عما وقعت فيه من أخطاء شنيعة.. اللهم إنى استغفرك وأستغفر مواطنينا " .



الخازندار

ما يفعله قضاء الانقلاب الآن من تبرئة للجناة من جهة وأحكام جائرة بالشدة والغلظة نحو الأبرياء من جهة أخرى هو ما جسده الخازندار في كيانٍ واحد ..

لقد عرض على الخازندار مجموعة قضايا بالإسكندرية ثم بالقاهرة .. أحدها لشاب انتهك أجساد سبعة أطفال صغار وقتلهم ، والثانية لامرأة عذبت خادمتها حتى قتلتها ، والثالثة لمجموعة من شباب مصر الفتاة ألقوا قنابل على مجموعة من الجنود الإنجليز المحتلين لمصر وهم سكارى ، فماذا كان الحكم في كل ذلك من قبل نفس الدائرة التي يرأسها نفس الشخص ؟
أما الشاب المنتهك والذي يستحق الإعدام فقد نال حكماً بالسجن سبع سنوات ، وكان حكماً صادماً لكل المجتمع المصري ، مفرحاً مبهجاً للجاني ، وأما المرأة التي قتلت خادمتها فنالت الحكم بالحبس سنة ، وأما الوطنيون الذين ألقوا القنابل على المحتلين فكان جزاؤهم عشرة سنوات مع الأشغال الشاقة .

هذا الحمل الوديع مع الجناة ، والأسد الهصور مع المناضلين ضد الإنجليز هو القاضي الفاسد الذي يتهمون الإخوان بأن أيديهم ملوثة بالدماء لأن فردين من الإخوان قاما بقتل مثل هذا المجرم الأفاك الأثيم ، غيرة ووطنية وشهامة ضد قاضٍ فاسد أحمق .



قضاء عبد الناصر

ومر على مصر مرحلة استطاع فيها رجال يسمون قضاة أن يلغوا ضميرهم ، ويلغوا ما يسمى بالقانون ليحكموا بالإعدام على رجالٍ من الإخوان المسلمين ، بلا دليل ولا بينة إلا التمهيد للطاغية عبد الناصر ، بخلاف أحكام الحبس بالمئات والآلاف ..

ولتعرف مدى جناية هؤلاء تصور أن من خطت يده رائعة " في ظلال القرآن " هو أحد من نال حكماً بالإعدام ونفذ ، ولتتصور مدى حمق هؤلاء اعلم أن من خطت يمينه التحفة القانونية الشرعية المسماة بـ " التشريع الجنائي في الإسلام " الشهيد – بإذن الله – عبد القادر عودة هو أحد من نال حكماً بالإعدام ونفذ على يد هؤلاء الجناة .



قضاء مبارك العسكري

ثم مرت فترة حكم السادات وفترة حكم مبارك بالقضاء العادي ، ولم نر فيهم – بخلاف قرارات النيابة بالتمديد للمحبوسين احتياطياً – أحكاماً فجة للقضاة ، وغرتنا هذه الفترة في القضاء الطبيعي المدني مما جعلنا نطلق عليهم ألفاظ : شامخ ونزيه وشريف ... وغير ذلك مما لا يبلغون حقيقته الآن ..

مما اضطر نظام مبارك الجائر إلى أن يستبدل هذا القضاء بالعسكري الذي نال الإخوان على يده حظوظاً وألواناً من الظلم غير ذات مرة وأحكاماً بالحبس وصلت إلى عشرة سنوات مع الشغل .



قضاء الانقلاب .. وهدم ثورة 25 يناير

إلى أن وصلنا لما بعد 25 يناير ، وإذا بالقضاء الذي اغتررنا به أيام مبارك ووقفنا للدفاع عنه مليئ بالفاسدين ، وإذا بالمؤسسة كيان مهترئ ، كانت تباشير هذا الاهتراء تلوح في الآفاق منذ فضيحة " لوسي آرتين " والتي تورط فيها قضاة في الجنس والرشوة وأقيل تحت مزاعمها أبو غزالة من وزارة الدفاع ، إلا أننا لم نكن نتخيل أن الفساد يغرق تلك المؤسسة لهذه الدرجة ، وأنهم يصلون إلى هذا الدرك من الرذيلة والانتشار داخل أركان هذه المؤسسة .

بدأت جنايات القضاء بمحاولة أعلى هيئاته ( المحكمة الدستورية وكذلك المحكمة الإدارية العليا ) أن تنقض على ثورة 25 يناير لتهدمها وتهدم مكتسباتها من مجالس شرعية منتخبة ، بدؤوا ذلك بتعدٍ على الاختصاصات وأحكام ببطلان انتخابات وحل مجلس الشعب ، ثم ما تلا ذلك من دسائس ومحاولات لإبطال انتخابات الشورى والرئاسة ، إلى ما نراه هذه الأيام مما طوفنا حوله في مقدمة المقال ونراه عياناً بياناً كل يوم من تناقضٍ في الأحكام بين براءة للمجرمين ، وتنكيل واضح للشرفاء والثوار ، ومما هو معلوم بالضرورة ويغني عن سرده – إلا توثيقاً للتاريخ ، وقد أفعلها في مقالة قادمة ستحتاج لبعض الوقت والجهد إن شاء الله - .



لماذا يحدث القضاة كل هذه الجرائم

الأسباب التي تدفع القضاة لهذه الجنايات أكثر من أن تحصى ، على رأسها بالطبع غياب رقابة الله سبحانه في حسهم وضميرهم ، وضعف إيمانهم – أو انعدامه – والإيمان يزيد وينقص ، وكيف يكون مؤمناً مراقباً لله هذا الذي يطلق الأحكام غيابيا ًومن أول جلسة وفي غياب المتهمين ومحاميهم بالإعدام على ستٍ وعشرين نفساً ، ودون أن يسمع دفاعهم ؟!

ومنها ضعف مستوى العقل والذهن ، حيث أن أغلبهم من ضعيفي التحصيل الدراسي بما يعكس – في الغالب إلا فيما ندر – ضعف المنطق وقلته ، وقلة القدرة الذهنية على الاستنباط والاستنتاج وترتيب النتائج على مقدماتها ، وتحليل الأمور للوصول إلى الأدلة والحقائق .

ومنها المنافع المادية والجاه ، وكلاهما مفسدة للمرء أي مفسدة ، واقرأ حديث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : ) مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ – وزيادة في رواية : ضَارِيَانِ - أُرْسِلا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حُبِّ الشَّرَفِ وَالْمَالِ لِدِينِ الْمُؤْمِنِ) ، فهؤلاء يصل بهم الحرص على الجاه والمال إلى الرشوة والفساد والكذب والمحسوبية والسرقة والاستيلاء على المال العام كما يفعل الزند وإخوانه .

ومنها حرصهم على التوريث حتى أن بعض القضاة يقول للمصلحين من أنصار الشرعية وهو يحاكمه : " لو حكمنا بالعدل يبقى ولادي هيقعدوا في الشارع ومش هيلاقوا شغل ، وولاد " الجرابيع " اللي ماشيين في الشارع هما اللي هيشتغلوا قضاة " . هكذا بوضوح وبصراحة متناهية في الحمق والفجور .



دورنا .. نحن أنصار الشرعية

وأما دورنا نحن أنصار الشرعية في هذا الموضوع فهو أن نستمر في جهادنا ، وأن نفضح دور هذه المؤسسة الظالمة الجائرة في إفكها وتزويرها وتدليسها على الناس ، وتناقضها في الأحكام ، وعدم إعمالها نصوص القانون في القضايا الجائرة ضد أنصار الشرعية وضد الإخوان .

وكذلك استمرار إقامة الحجة عليهم بتذكيرهم بالله سبحانه ، وبأن القصاص يوم القيامة قريب " إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً " ، وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة " ، وبقول الله عز وجل : " فاقض ما أنت قاض ، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا " .. وبغير ذلك مما يقام به الحجة على الإنسان ، فيحيي الله به قلب من يرد هدايته ، ويكون حجة بينة دامغة على من يضله الله ويختم على قلبه ويلقى الله سبحانه وقد أعذر إليه على ألسنة أوليائه وعباده المخلصين .

وأما عن أمنيتي الشخصية في دورنا فهي أن أرى " المجهولين " وما أكثرهم وأشجعهم هذه الأيام - يتوجهون بجهدهم المخلص الحثيث الواعي الذين نرى أثره مع بعض رجال الشرطة المفسدين ، أمنيتي أن نرى بعض هذا الجهد مع أولئك القضاة المفسدين ، فيا حبذا هي من أمنية !



كبسولة :

استمر السيسي في منصبه بعد التعديل الوزاري الذي ضحكوا به على الشعب المصري بالإبقاء على خمسة عشر وزيراً من نيفٍ وعشرين ، يعني أن الموضوع ضحك على الذقون !

المهم أن استمرار السيسي وعدم تركه لمنصبه والترشح للرئاسة من الآن يعكس حيرة وفزع وهلع وارتباك شديد جداً ، ويعني أن الانقلاب يخسر على الأرض خسراناً مبيناً ، ويعني أن السيسي مرعوب من هذه الخطوة من خطوات الشطرنج التي يمارسها ، ويعني أن استطلاعات الرأي التي تجيدها المخابرات تنبؤهم بما هو غير جيد من حيث شعبية السيسي التي كادت أن تصل إلى الحضيض ، وهي في أسوأ مراحلها الآن ، حتى سائقو التاكسي يلعنون الآن ويسبون في السيسي ليل نهار ..

وبلغ الأمر ببعضهم إلى تمنيه أن يصل السيسي إلى سدة الحكم حتى ( يلبس ) ويصبح متورطاً حقيقياً أمام السذج فيما ترزح تحته مصر الآن من بلايا وانهيار ... ولا أكتمكم سراً أني رغم يقيني من سقوط الانقلاب ، إلا أنني أتمنى فعلاً أن يصل الأمر بالسيسي لسدة الحكم لتروا عجائب صنع الله وإمهاله واستدراكه للظالمين ثم فضحه لهم بعد عظيم جناياتهم ، وأي جناية بعد الخيانة التي قام بها ذلك الفاجر والدماء التي سالت علي يديه والمؤسسات الكثيرة التي ورطها في الأمر .. ويسئلونك متى هو ، قل عسى أن يكون قريباً .

-------------

Hazemsa3eed@yahoo.com

التعليقات
0 التعليقات