/>

مصر الأخيرة في جودة الخبز... شهادة جديدة على فساد الانقلاب







في ظل الجهود الحثيثة للانقلاب العسكري التي يبذلها بهدف القضاء على الأخضر واليابس في مصر بعد تخريبه المتعمد للاقتصاد ومساهمته في جعل مصر تتذيل قائمة الدول في القطاعات المختلفة السياحة والزراعة والصناعة وارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة ,كشفت مؤخرًا وحدة الأبحاث التابعة لصحيفة "الإيكونوميست" البريطانية عن أحدث ترتيب لجودة العيش عالميًا، والذي جاء ترتيب مصر فيه في المستوى الأخير. لأول مرة في تاريخها, حيث قال التقرير: إن الحركات الاحتجاجية التي مرت في مصر في الفترة الماضية أدت إلى تراجع مستوى جودة العيش العالمية.
وبرصد أسباب هذا التراجع في جودة العيش في ظل الانقلاب العسكري نجد أن الانقلابيين سعوا منذ اليوم الأول للقضاء على كل الجهود التي بُذلت في عهد الدكتور مرسي في تفعيل منظومة الخبز بقيادة وزير التموين الدكتور باسم عودة والتي كانت تستهدف في المقام الأول تحسين جودة الرغيف من خلال القضاء على تسرب كميات كبيرة من الدقيق المدعم للسوق السوداء ومراقبة تسلميه للمخابز بالسعر الحر، وضمان إنتاج كل الكميات المخصصة لهذه المخابز، مما يسهم في تلبية أغلب الطلب على الخبز من جانب المواطنين، بالإضافة إلى إنتاج خبز مناسب للاستهلاك الآدمي عن طريق إلزام المخابز بمواصفات معينة من حيث الوزن والقطر والجودة بالفعل خطت خطوات كبيرة في هذا الإطار حيث تم تفعيل منظومة الخبز بنسبة 92% من إجمالي عدد المخابز على مستوى محافظات الجمهورية وذلك في 21 محافظة مما أسهم في محاربة السوق السوداء للدقيق بشكل كبير، بالإضافة لتفعيل منظومة توزيع الخبز على المنازل في 20 محافظة من خلال الوحدات المحلية والجمعيات الأهلية مما أسهم في القضاء على طوابير “العيش” وتوفير نحو 25 ألف فرصة عمل، وتحسين جودة الرغيف.
ولكن في خلال شهرين فقط من عمر الانقلاب تم إلغاء منظومة الخبز، وعودة تسريب الدقيق وبيعه بالسوق السوداء وانخفاض مستوى الرغيف للأسوأ بشكل كبير بل وعودة طوابير “العيش” وعودة مقتل المواطنين في الطوابير حيث تم قتل 3 أشخاص خلال الأيام الشهور الماضية بسبب خلافات داخل الطابور وهو ما لم يحدث على الإطلاق.
 
في عهد الدكتور مرسي
وفي السياق نفسه ضربت حكومة الانقلاب عرض الحائط بالجهود التي بذلتها حكومة هشام قنديل في مجال تقليل استيراد القمح والذي يعد إحدى الخطوات المهمة نحو توفير رغيف الخبز؛ حيث سعت الحكومة إلى الوصول للاكتفاء الذاتي خلال أعوام قليلة، حيث قامت بالفعل بخطوات جدية في هذا الصدد، فأعلنت شراءها لمحصول القمح من الفلاح المصري بميزانية بلغت 9 مليارات جنيه، حيث كانت تأخذ المحصول منه بسعر 400 جنيه للإردب كنوع من الدعم وتقديرا لجهوده.
وبالفعل تم توريد 3.8 ملايين طن من القمح المصري، وتم تجهيز صوامع لهذا الغرض، وكان من المفترض أن تستكمل حكومة قنديل الشراء ورفع المخزون وكانت تنتوي تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح خلال الأربع سنوات القادمة بحيث لا تستورد بعدها قمحا من الخارج. لولا حدوث الانقلاب العسكري!
 والذي أعلنت حكومته منذ أول يوم أنها ستعمل على استيراد القمح وتم بالفعل استيراد كمية كبيرة من القمح الأوكراني لتقدمه للمصريين وهو القمح المعروف عالميًا أنه يتم استخدامه علفًا حيوانيًا وليس للاستخدام الآدمي.. حيث قامت حكومة الانقلاب باستيراد نحو 780 ألف طن قمح أوكراني في الـ40 يوما الأولى للانقلاب بقيمة 206 ملايين دولار. 
وهو ما اعتبره خبراء زراعيون أنه كارثة اقتصادية واجتماعية بكل المقاييس، ففي تصريحات صحفية سابقة للمهندس سيد حزين -رئيس لجنة الزراعة بمجلس الشورى- قال: إن الاستيراد يتم لأسوأ أنواع الأقماح التي تأتي بها بذور الحشائش وحشرات، وحينما تأتي لا يتم لها غربلة أو تبخير
ضد الحشرات وحينما يتم طحنها تكون سببا من أسباب السرطنة التي يصاب الإنسان!
وأكد أن هذا القرار يمثل دعمًا للفلاح الأوروبي على حساب الفلاح المصري، وأضاف أن مصر الآن ليس لديها عملات صعبة لكي تقوم بشراء الأقماح، موضحا أن الاستيراد سيكون عن طريق القروض، ومن ثم تزداد الديون على مصر!
 
فساد المنظومة
يؤكد عماد عبد الرحيم -أمين ائتلاف عمال وأصحاب المخابز- أن الحالة المتردية لجودة رغيف الخبز لا يمكن قراءتها بعيدًا عن سوء أوضاع منظومة الخبز بصفة كاملة والتي لم تستطع الوزارات السابقة إصلاحها بشكل كامل، مشيرًا إلى أن هناك خطوات إيجابية اتخذت في عهد الدكتور باسم عودة، كان منها رفع الميزانية المخصصة لمنظومة الخبز من 16 مليونًا إلى 24 مليونًا بهدف رفع جودة الرغيف، مشيرًا إلى أن هناك مشكلات متعددة اعترضت تحقيق الإصلاح الكامل للمنظومة والتي أهمها وتوغل وانتشار الفساد في هذه المنظومة, والذي لا يقتصر فقط عند حدود أصحاب المخابز وبيعهم للدقيق المدعم في السوق السوداء وإنما الفساد يشمل بعض ممن يعتمد عليهم الوزراء في طرح الرؤى والأفكار لتحسين المنظومة كأمثال ممثلي شعبة الخبز بالغرفة التجارية والذين تربوا على فساد النظام السابق وسعوا جاهدين إلى تضليل المسئولين بهدف استكمال مسيرة فسادهم. 
 
عماد عبد الرحيم:
اعتماد الحكومة على رموز فساد منظومة الخبز أهم عوامل الوصول لهذه المرحلة من التدني
مشيرًا إلى أن سوء جودة الرغيف لا تنفصل أيضًا عن غياب الدور الرقابي للدولة والتي لا تساعد فقط على تسهيل عمليات التهريب وإنما تسهم أيضًا في تقليل جودة الرغيف نفسه حيث إن لعمليات العجن والخبز وقتا محددا لو طالت مدته عن وقت معين يسهم ذلك في التقليل من جودة الرغيف بنسبة كبيرة تجعله لا يصلح فعليًا للاستخدام الآدمي، ومن ثم يرى أن غياب الرقابة لها دور كبير في هذا التدني لمستوى جودة رغيف الخبز.
وأضاف عبد الرحيم أنه بجانب العوامل السابقة فإن هناك عاملا آخر لا يقل أهمية وهو سوء أوضاع العامل في المخبز؛ حيث يعاني العمال من أن جميع حقوقهم مهدرة من حيث الرواتب وغياب التأمين الصحي وافتقارهم للعديد من الامتيازات التي قد يحصل عليها غيرهم في القطاعات المختلفة، ويري أن فساد منظومة الخبز وضعف عودة الرغيف ستظل من المشكلات القائمة في ظل تجاهل الحكومة لمطالب العمال، وكذلك عدم التفاتها لرؤية المتخصصين في الإصلاح، لافتًا إلى أنهم تقدموا بعدد من الطروحات البناءة من أجل إصلاح المنظومة ولكن دون استجابة من الحكومة والتي اكتفت فقط برأي أعضاء الشعبة بالغرف التجارية.

استرخاء أمني 
ومن جانبه أكد الدكتور صلاح فهمي -أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر- أنه في ظل حالة الاسترخاء الأمني والارتباك السياسي الذي تعيشه الدولة يكون من المتوقع أن تطالعنا التقارير المختلفة عن التدني في المستويات المختلفة والتي منها هذا التقرير الذي يؤكد تدني مصر في مستوى جودة الرغيف إلى أدنى المستويات بين الدول المختلفة.
 
د. صلاح فهمي: الاسترخاء الأمني وضعف الرقابة أهم عوامل تدني كافة الخدمات وعلى رأسها الخبز
 
مؤكدًا أن ضعف الرقابة أصبحت المشكلة المزمنة التي تعاني منها كافة القطاعات بسبب تركيز كل الجهود الأمنية على أمور أخرى غير الأمور المنوط بها مراقبتها كمراقبة الأسواق والمخابز وغيرها من الأماكن التي يتسبب ضعف الرقابة فيها في معاناة البسطاء سواء من ناحية ضعف جودة السلع أو ارتفاع أسعارها. 
وأضاف أن منظومة الخبز هي إحدى المنظومات المهمة والحساسة التي يقبل معها استمرار هذا الوضع من الاسترخاء الأمني لما لها من علاقة مباشرة بحياة وصحة المصريين، مؤكدًا أن استمرار هذا الوضع سيزيد من حالة الخلل في كافة القطاعات وليس في قطاع الخبز فحسب. 

التعليقات
0 التعليقات