عبد الحافظ الصاوي بالعربي الجديد
تحدث المرشح الرئاسي بمصر قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، عبر برنامج تلفزيوني لاستعراض برنامجه الانتخابي، واكتسب حديث المرشح أهمية لدى المهتمين بالشأن المصري، بسبب عدم نشر برنامج مطبوع له، فكان الحديث دالًا على توجهات المرشح الاقتصادية، وآليات عمله.
حوى الحديث عن الجوانب الاقتصادية لبرنامج المرشح على قضايا مهمة من حيث تأثيرها على حياة المصريين، ولكن تم التعرض لها بشكل سريع، وبعضها شابه أرقام مغلوطة، ولكن السمت العام، هو تفعيل الثقافة العسكرية في النشاط الاقتصادي، والتعويل كثيرًا على الخارج استثمارًا ودعمًا، مع وجود دور أكبر للدولة في النشاط الاقتصادي.
تقويم خاطئ للديّن العام
في بداية حديث المرشح الرئاسي تم التعرض للتحديات التي تعيشها مصر على الصعيد الاقتصادي، وكان على رأسها حجم الديّن، واستنكر الرجل أن ترث الأجيال القادمة هذا الديّن. إلا أنه ذكر أنّ حجم الديّن العام وصل إلى 1.7 تريليون جنيه مصري ما يعادل 242.8 مليار دولار . وراجعه مقدما البرنامج بأن هذا حجم الديّن المحلي، فأجاب لا، بل هذا حجم الدين كله، داخلي وخارجي.
وبالرجوع لبيانات النشرة الاقتصادية لشهر أبريل 2014، الصادرة عن البنك المركزي المصري وجد أن الديّن المحلي في نهاية ديسمبر 2013 وصل إلى 1.6 تريليون جنيه مصر، وأن الديّن الخارجي وصل في نفس التاريخ إلى 45.8 مليار دولار، وهو ما يعني أن إجمالي الديّن العام وصل إلى 2 تريليون جنيه مصري، وليس 1.7 تريليون جنيه كما ذكر المرشح الرئاسي.
ولن نقف كثيرًا أمام الخطأ في الأرقام ولكن الملفت للنظر أنّ الرجل ذكر أن التصرف تجاه هذا الديّن سيكون بتحقيق قفزة!، والسؤال المطروح هنا هو : ما نوعية هذه القفزة؟، ما سماتها؟، ما هو البرنامج المعد للتخلص من هذا الديّن؟ ما هي الفترة الزمنية المحددة لتخفيض الديّن للمعدلات المقبولة.
كل هذا غير معلوم، لا من حيث السياسات ولا من حيث الآليات.
ففي حالة الاستنفار التي يريدها الرجل من مؤسسات الدولة والمجتمع للعمل في برنامج لإخراج مصر من حالة العوز – كما يسميها – تستلزم أن تكون أموال الجهاز المصرفي قد ضخت في تلك المشروعات المتنوعة، سواء كانت مشروعات قومية كبرى، أو متوسطة وصغيرة، ولكن السؤال الذي كان ينتظر له إجابة، وماذا عن تمويل عجز الموازنة في الأجلين القصير والمتوسط ؟.
فالرجل ذكر أنّه لن يتعامل مع مشكلات الدعم بالمنع الكامل مرّة واحدة، وأن هناك تدريجاً في هذه المسألة، والسؤال المطروح هنا: من أين سيتم تمويل الدعم والعجز بالموازنة؟ هل سيكون الاقتراض من الخارج أحد البدائل المطروحة؟ ولأي مدى يمكن اللجوء لهذا الحل ؟.
دور أكبر للدولة
لوحظ أنّ المرشح شديد الميل لتفعيل كافة مؤسسات الدولة في تنفيذ طموحاته الاقتصادية، لا من حيث الرقابة والتشريع فحسب، بل في التنفيذ كذلك، فالدولة من وجهة نظره في هذه المرحلة، تنتج وتسوق وتوزع، وأن القطاع الخاص مرحب به، يعمل في إطار ما تريده الدولة.
وينتظر من خلال حديث السيسي أنّ يكون للقوات المسلحة دور أكبر في الحياة الاقتصادية خلال الفترة القادمة، حل توليه السلطة، فإجابته كانت صريحة بأنّ كل مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة ستشارك.
ولعل المثال الذي ذكره المرشح عن تشغيل 1000 سيارة لتوزيع الخضار لمناطق مختلفة، يعكس هذه العقلية المركزية الشمولية، فحسب ما ذكره سيطلب من البنوك أن تمول، وسيتيح الأراضي للأسواق، ونسى أن البنوك تدير أموالها على أسس الربحية والحفاظ علي أموال المودعين، وليس اقتصاد الأوامر.
كما نسى الرجل أن هناك ما يسمى الحافز، وأن وراءه تجربة ممتدة منذ منتصف السبعينيات ولد فيها وترعرع قطاع خاص طفيلي، لم يألف العمل المنتج طويل الأجل، وأن الربح السريع هو هدف ومرمي القطاع الخاص في مصر، عبر المضاربة في سعر العملة، والعقارات، والبورصة.
ومما يلفت الانتباه أيضًا أنّ إمكانيات الدولة حاليًا محدودة، للقيام بالدور الذي يأمله السيسي، ولن يكون باستطاعتها القيام بذلك إلا في ظل التأميم، أو احتكار كل شيء، قد يكون مقبول توسع دور الدولة تدريجيًا، وبخاصة أنه إذا تخلى القطاع الخاص عن تقديم بعض الأنشطة، فسوف تزداد مشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
غياب التفاصيل
كما يقولون " الشيطان يكمن في التفاصيل"، وحديث الرجل عن استصلاح الأراضي وتطوير شبكات الري، ينقصه المعرفة بطبيعة الملكية بدلتا مصر، والتي تفتت فيها الملكيات لمساحات صغيرة جدًا، لا تجدي معها فكرة نظم الري الحديثة، إلا إذا تم إلزام الفلاحين بنظام التركيب المحصولين، والقيام بعمليات تجهيز الأراضي للزراعة بشكل جماعي.
طرق الري الحديث قد تكون ملائمة في المساحات المستصلحة في الصحراء والمساحات المفتوحة، أما في الدلتا فسيواجهها العديد من المشكلات بجوار تفتيت الملكية والتجهيز الجماعي، وعلى رأس هذه التحديات التمويل، فمن سيدفع نصيب المساحات الصغيرة والفلاحين الفقراء في هذه الشبكات الضخمة.
أيضًا ذكر السيسي في معرض حديثه أن تكلفة هذه المشروعات التي تشمل المشروعات الكبرى والبنية الأساسية، وبرامج التشغيل، وترشيد الطاقة، ستكون بحدود تريليون جنيه مصري. في أي فترة زمنية، لم يوضح الرجل، تكلفة كل نشاط أو قطاع لم يحدد الرجل، ما هو حجم التمويل الذاتي لمصر، وما هو حجم الدعم والمساعدات من هذا المبلغ .
وعلى ما يبدو فإن حلم المعلمين في مراحل الكادر التالية قد تبخرت، فالرجل قال " ليس لديه ما يقدمه للمعلم الآن"، وأنه لديه مطالب بإنشاء 20 ألف مدرسة، بتكلفة 500 مليار جنيه مصري، وأن مجتمع الأعمال قد وعد بتقديم تبرعات في هذا المجال، ولكنها غير كافية.
فمن أين سيتم بناء هذا العدد من المدارس، ومتى، وما هي المناطق الجغرافية التي ستستفيد من هذه العدد من المدارس.
التعويل على الخارج
ركز السيسي على الخارج بشكل كبير في تقديم التمويل لتنفيذ برنامجه الاقتصادي، سواء من خلال المصريين العاملين بالخارج، أو من خلال الداعمين العرب والأجانب، وإن كان تركيزه على الداعمين العرب أكثر.
الملاحظ أن السيسي لا يزال يعوّل على دعم العاملين بالخارج في شكل تبرعات، وليس المساهمات أو تهيئة مشاركتهم في مشروعات، أو تملكهم لمشروعات متوسطة وصغيرة. وغاب عنه أن دعوة حكومات ما بعد ثورة 25 يناير تعددت للعاملين بالخارج للتبرع، وكانت المساهمات محدودة.
حتى أن صندوق دعم الاقتصاد المصري الذي أنشئ عقب الانقلاب العسكري، تكتنفه العديد من الشكوك، والغموض، فما هي موارده، وما هي المشروعات التي تم تنفيذها بهذه التبرعات، لم يذكر المصريين بهذا الصندوق مؤخرًا، إلا خبر تبرع أصحاب المحطات الفضائية المذاع عليها حوار السيسي بثمن الإعلان خلال الحوار لصالح هذا الصندوق.
وفي نفس الوقت فإن السيسي شديد التفاؤل في الدعم العربي المفتوح، وذكر أن الدعم العربي الذي قدم على مدار الأشهر العشرة الماضية زاد عن 20 مليار دولار، فإذا سلمنا أنه 20 مليار دولار، فإنّ معدل المتوسط الشهري للدعم العربي بحدود 2 مليار دولار.
ولكن هل يعقل أن يعتمد مشروع تنموي على دعم ومساعدات خارجية، دون الأخذ في الاعتبار سيناريوهات تراجع هذا الدعم بشكل جزئي أو كلي؟.
إن هذه الثقة تنم عن مشروع إقليمي لا تتوقف فيه الأمور عن تقديم الدعم الاقتصادي، وبخاصة أن برامج الدعم أو المساعدات عادة ما تكون مدفوعة الثمن لمقدم الدعم أو المساعدات، سواء كان هذا الثمن سياسيًا أو عسكريًا أو ثقافيًا، فيا ترى ما هذا الثمن؟.
حلول جزئية
تناول السيسي خلال حديثه مشكلتين كبيرتين لمصر بطريقة لا تعكس وجود حلول كلية تتناسب وطبيعة المشكلتين، وهما مشكلتا البطالة والطاقة، فبلا شك فأن البطالة لن يكون حلها في مجرد توفير سيارات توزيع للسلع الغذائية، أو توزيع أراضٍ بالظهير الصحراوي أو التوسع الأمامي على شواطئ البحر.
كما أن مشكلة الطاقة أعمق من مجرد ترشيد الاستهلاك، فما ذكره السيسي من مشروعات يستلزم أضعاف إمكانيات مصر من الطاقة حاليًا، حتى وإن أُحسن استخدامها دون إسراف. فإنشاء مشروعات البنية الأساسية والمدن التعدينية والمشروعات السياحية، يحتاج لكميات كبيرة من الطاقة غير متاحة لمصر الآن ولا في المنظور قصير الأجل.
كان ينتظر أن يتم عرض سياسات وإجراءات لهذه المشكلات، تبين ما سيتم عمله في الأجل القصير، وفي الأجلين المتوسط وطويل الأجل، وإذا سلمنا بأن ما ذكره السيسي يناسب الأجل القصير، فأين باقي الإجراءات في الأجلين المتوسط وطويل الأجل.
مبشرات سريعة
على الرغم من رفض السيسي التقيّد بتقاليد عالمية كما ذكر محاوريه، عن ماذا سيفعل خلال الـ 100 يوم الأولى، وقال إنّه لا يملك الإمكانيات العالمية، حتى يلتزم بالمعايير العالمية. إلا أنه صرح أنّ المواطن سيشعر بتحسن ملموس في واقعه الحياتي خلال عامين.
إن الرجل لا يستحضر ما تستلزمه المشروعات من وقت يخص فيه إعداد دراسات الجدوى، وتوفير التمويل والتنفيذ. ولكنه يستحضر ضغط الوقت، فقد راهن على سرعة التنفيذ، وأنه سينفذ في 3 شهور ما يتم تنفيذه في عام ونصف. فهل ستسعفه مؤسسات الدول ببيروقراطيتها وفسادها؟.
حوى الحديث عن الجوانب الاقتصادية لبرنامج المرشح على قضايا مهمة من حيث تأثيرها على حياة المصريين، ولكن تم التعرض لها بشكل سريع، وبعضها شابه أرقام مغلوطة، ولكن السمت العام، هو تفعيل الثقافة العسكرية في النشاط الاقتصادي، والتعويل كثيرًا على الخارج استثمارًا ودعمًا، مع وجود دور أكبر للدولة في النشاط الاقتصادي.
تقويم خاطئ للديّن العام
في بداية حديث المرشح الرئاسي تم التعرض للتحديات التي تعيشها مصر على الصعيد الاقتصادي، وكان على رأسها حجم الديّن، واستنكر الرجل أن ترث الأجيال القادمة هذا الديّن. إلا أنه ذكر أنّ حجم الديّن العام وصل إلى 1.7 تريليون جنيه مصري ما يعادل 242.8 مليار دولار . وراجعه مقدما البرنامج بأن هذا حجم الديّن المحلي، فأجاب لا، بل هذا حجم الدين كله، داخلي وخارجي.
وبالرجوع لبيانات النشرة الاقتصادية لشهر أبريل 2014، الصادرة عن البنك المركزي المصري وجد أن الديّن المحلي في نهاية ديسمبر 2013 وصل إلى 1.6 تريليون جنيه مصر، وأن الديّن الخارجي وصل في نفس التاريخ إلى 45.8 مليار دولار، وهو ما يعني أن إجمالي الديّن العام وصل إلى 2 تريليون جنيه مصري، وليس 1.7 تريليون جنيه كما ذكر المرشح الرئاسي.
ولن نقف كثيرًا أمام الخطأ في الأرقام ولكن الملفت للنظر أنّ الرجل ذكر أن التصرف تجاه هذا الديّن سيكون بتحقيق قفزة!، والسؤال المطروح هنا هو : ما نوعية هذه القفزة؟، ما سماتها؟، ما هو البرنامج المعد للتخلص من هذا الديّن؟ ما هي الفترة الزمنية المحددة لتخفيض الديّن للمعدلات المقبولة.
كل هذا غير معلوم، لا من حيث السياسات ولا من حيث الآليات.
ففي حالة الاستنفار التي يريدها الرجل من مؤسسات الدولة والمجتمع للعمل في برنامج لإخراج مصر من حالة العوز – كما يسميها – تستلزم أن تكون أموال الجهاز المصرفي قد ضخت في تلك المشروعات المتنوعة، سواء كانت مشروعات قومية كبرى، أو متوسطة وصغيرة، ولكن السؤال الذي كان ينتظر له إجابة، وماذا عن تمويل عجز الموازنة في الأجلين القصير والمتوسط ؟.
فالرجل ذكر أنّه لن يتعامل مع مشكلات الدعم بالمنع الكامل مرّة واحدة، وأن هناك تدريجاً في هذه المسألة، والسؤال المطروح هنا: من أين سيتم تمويل الدعم والعجز بالموازنة؟ هل سيكون الاقتراض من الخارج أحد البدائل المطروحة؟ ولأي مدى يمكن اللجوء لهذا الحل ؟.
دور أكبر للدولة
لوحظ أنّ المرشح شديد الميل لتفعيل كافة مؤسسات الدولة في تنفيذ طموحاته الاقتصادية، لا من حيث الرقابة والتشريع فحسب، بل في التنفيذ كذلك، فالدولة من وجهة نظره في هذه المرحلة، تنتج وتسوق وتوزع، وأن القطاع الخاص مرحب به، يعمل في إطار ما تريده الدولة.
وينتظر من خلال حديث السيسي أنّ يكون للقوات المسلحة دور أكبر في الحياة الاقتصادية خلال الفترة القادمة، حل توليه السلطة، فإجابته كانت صريحة بأنّ كل مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة ستشارك.
ولعل المثال الذي ذكره المرشح عن تشغيل 1000 سيارة لتوزيع الخضار لمناطق مختلفة، يعكس هذه العقلية المركزية الشمولية، فحسب ما ذكره سيطلب من البنوك أن تمول، وسيتيح الأراضي للأسواق، ونسى أن البنوك تدير أموالها على أسس الربحية والحفاظ علي أموال المودعين، وليس اقتصاد الأوامر.
كما نسى الرجل أن هناك ما يسمى الحافز، وأن وراءه تجربة ممتدة منذ منتصف السبعينيات ولد فيها وترعرع قطاع خاص طفيلي، لم يألف العمل المنتج طويل الأجل، وأن الربح السريع هو هدف ومرمي القطاع الخاص في مصر، عبر المضاربة في سعر العملة، والعقارات، والبورصة.
ومما يلفت الانتباه أيضًا أنّ إمكانيات الدولة حاليًا محدودة، للقيام بالدور الذي يأمله السيسي، ولن يكون باستطاعتها القيام بذلك إلا في ظل التأميم، أو احتكار كل شيء، قد يكون مقبول توسع دور الدولة تدريجيًا، وبخاصة أنه إذا تخلى القطاع الخاص عن تقديم بعض الأنشطة، فسوف تزداد مشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية.
غياب التفاصيل
كما يقولون " الشيطان يكمن في التفاصيل"، وحديث الرجل عن استصلاح الأراضي وتطوير شبكات الري، ينقصه المعرفة بطبيعة الملكية بدلتا مصر، والتي تفتت فيها الملكيات لمساحات صغيرة جدًا، لا تجدي معها فكرة نظم الري الحديثة، إلا إذا تم إلزام الفلاحين بنظام التركيب المحصولين، والقيام بعمليات تجهيز الأراضي للزراعة بشكل جماعي.
طرق الري الحديث قد تكون ملائمة في المساحات المستصلحة في الصحراء والمساحات المفتوحة، أما في الدلتا فسيواجهها العديد من المشكلات بجوار تفتيت الملكية والتجهيز الجماعي، وعلى رأس هذه التحديات التمويل، فمن سيدفع نصيب المساحات الصغيرة والفلاحين الفقراء في هذه الشبكات الضخمة.
أيضًا ذكر السيسي في معرض حديثه أن تكلفة هذه المشروعات التي تشمل المشروعات الكبرى والبنية الأساسية، وبرامج التشغيل، وترشيد الطاقة، ستكون بحدود تريليون جنيه مصري. في أي فترة زمنية، لم يوضح الرجل، تكلفة كل نشاط أو قطاع لم يحدد الرجل، ما هو حجم التمويل الذاتي لمصر، وما هو حجم الدعم والمساعدات من هذا المبلغ .
وعلى ما يبدو فإن حلم المعلمين في مراحل الكادر التالية قد تبخرت، فالرجل قال " ليس لديه ما يقدمه للمعلم الآن"، وأنه لديه مطالب بإنشاء 20 ألف مدرسة، بتكلفة 500 مليار جنيه مصري، وأن مجتمع الأعمال قد وعد بتقديم تبرعات في هذا المجال، ولكنها غير كافية.
فمن أين سيتم بناء هذا العدد من المدارس، ومتى، وما هي المناطق الجغرافية التي ستستفيد من هذه العدد من المدارس.
التعويل على الخارج
ركز السيسي على الخارج بشكل كبير في تقديم التمويل لتنفيذ برنامجه الاقتصادي، سواء من خلال المصريين العاملين بالخارج، أو من خلال الداعمين العرب والأجانب، وإن كان تركيزه على الداعمين العرب أكثر.
الملاحظ أن السيسي لا يزال يعوّل على دعم العاملين بالخارج في شكل تبرعات، وليس المساهمات أو تهيئة مشاركتهم في مشروعات، أو تملكهم لمشروعات متوسطة وصغيرة. وغاب عنه أن دعوة حكومات ما بعد ثورة 25 يناير تعددت للعاملين بالخارج للتبرع، وكانت المساهمات محدودة.
حتى أن صندوق دعم الاقتصاد المصري الذي أنشئ عقب الانقلاب العسكري، تكتنفه العديد من الشكوك، والغموض، فما هي موارده، وما هي المشروعات التي تم تنفيذها بهذه التبرعات، لم يذكر المصريين بهذا الصندوق مؤخرًا، إلا خبر تبرع أصحاب المحطات الفضائية المذاع عليها حوار السيسي بثمن الإعلان خلال الحوار لصالح هذا الصندوق.
وفي نفس الوقت فإن السيسي شديد التفاؤل في الدعم العربي المفتوح، وذكر أن الدعم العربي الذي قدم على مدار الأشهر العشرة الماضية زاد عن 20 مليار دولار، فإذا سلمنا أنه 20 مليار دولار، فإنّ معدل المتوسط الشهري للدعم العربي بحدود 2 مليار دولار.
ولكن هل يعقل أن يعتمد مشروع تنموي على دعم ومساعدات خارجية، دون الأخذ في الاعتبار سيناريوهات تراجع هذا الدعم بشكل جزئي أو كلي؟.
إن هذه الثقة تنم عن مشروع إقليمي لا تتوقف فيه الأمور عن تقديم الدعم الاقتصادي، وبخاصة أن برامج الدعم أو المساعدات عادة ما تكون مدفوعة الثمن لمقدم الدعم أو المساعدات، سواء كان هذا الثمن سياسيًا أو عسكريًا أو ثقافيًا، فيا ترى ما هذا الثمن؟.
حلول جزئية
تناول السيسي خلال حديثه مشكلتين كبيرتين لمصر بطريقة لا تعكس وجود حلول كلية تتناسب وطبيعة المشكلتين، وهما مشكلتا البطالة والطاقة، فبلا شك فأن البطالة لن يكون حلها في مجرد توفير سيارات توزيع للسلع الغذائية، أو توزيع أراضٍ بالظهير الصحراوي أو التوسع الأمامي على شواطئ البحر.
كما أن مشكلة الطاقة أعمق من مجرد ترشيد الاستهلاك، فما ذكره السيسي من مشروعات يستلزم أضعاف إمكانيات مصر من الطاقة حاليًا، حتى وإن أُحسن استخدامها دون إسراف. فإنشاء مشروعات البنية الأساسية والمدن التعدينية والمشروعات السياحية، يحتاج لكميات كبيرة من الطاقة غير متاحة لمصر الآن ولا في المنظور قصير الأجل.
كان ينتظر أن يتم عرض سياسات وإجراءات لهذه المشكلات، تبين ما سيتم عمله في الأجل القصير، وفي الأجلين المتوسط وطويل الأجل، وإذا سلمنا بأن ما ذكره السيسي يناسب الأجل القصير، فأين باقي الإجراءات في الأجلين المتوسط وطويل الأجل.
مبشرات سريعة
على الرغم من رفض السيسي التقيّد بتقاليد عالمية كما ذكر محاوريه، عن ماذا سيفعل خلال الـ 100 يوم الأولى، وقال إنّه لا يملك الإمكانيات العالمية، حتى يلتزم بالمعايير العالمية. إلا أنه صرح أنّ المواطن سيشعر بتحسن ملموس في واقعه الحياتي خلال عامين.
إن الرجل لا يستحضر ما تستلزمه المشروعات من وقت يخص فيه إعداد دراسات الجدوى، وتوفير التمويل والتنفيذ. ولكنه يستحضر ضغط الوقت، فقد راهن على سرعة التنفيذ، وأنه سينفذ في 3 شهور ما يتم تنفيذه في عام ونصف. فهل ستسعفه مؤسسات الدول ببيروقراطيتها وفسادها؟.