جون مالكوم : أمريكا قضت علي نفسها والأن تستخدم القوة الناعمة
لا تزال السياسات الفاشلة للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن تخيم على أمريكا،ويعجز أوباما الرئيس الحالي عن تداركها‘ لكنه يحاول انتهاج اسلوب جديد على الولايات المتحدة خليط بين القوة الناعمة ودبلوماسية التعدد.
حول هذا المعنى قال رئيس وزراء استراليا الأسبق جون مالكوم فريزر أن الولايات المتحدة الأمريكية في طريقها للإنهيار، بل إنها قضت على نفسها، خلال تصريحات لقناة "سي ان ان" وصحيفة "آورفيوتشر" الأمريكيتين.
و"جون مالكوم فريزر" هو رئيس الحزب الليبرالي الأسترالي ورئيس الوزراء رقم 22 في تاريخ دولة أستراليا، جاء إلى السلطة سنة 1975 في أعقاب إقالة حكومة حزب العمل، عندما قام بالدور الأساسي في إقالتها، وتولى الوزارة لثلاث دورات متتابعة، قبل أن يفشل في الولاية الرابعة بسبب انحيازه إلي قضايا الشرق الأوسط خاصة القضية الفلسطينية، وتم إسقاطة من قبل "بوب هوك" في انتخابات عام 1983،ما انهى مسيرته سواء في الوزارة أو الحزب.
" إذا كانت فترة الازدهار الكبيرة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، التي دامت لستة عقود من الزمان، قد بلغت منتهاها حقا، فإن المسئولية عن هذا تقع على عاتق الولايات المتحدة وأوروبا، فلقد شاهد أصدقاء أمريكا في مختلف أنحاء العالم بكل الفزع والحيرة المشاجرة التي دارت مؤخراً حول مسألة رفع سقف ديون الحكومة الفيدرالية، وعجز الكونجرس الأمريكي عن التوصل إلى أي حل وسط متوازن ومتفهم لاحتياجات المستقبل. وما حدث كان على العكس من ذلك تماما، فكانت النتيجة بمثابة انتصار كبير حققه أتباع حزب الشاي، الذين كان هدفهم يتلخص فيما يبدو في تقليص التزامات الحكومة وإنفاقها إلى الحد الأدنى (بل إن البعض يعترضون حتى على وجود بنك مركزي)، والحفاظ على الإعفاءات الضريبية الشائنة التي منحها الرئيس السابق جورج دبليو بوش للأثرياء".
وأكد فريزر أنه في الأسابيع التي أعقبت الاتفاق على سقف الدين، بات من الواضح على نحو متزايد أن الحكم الرشيد قد يكون مستحيلاً في الولايات المتحدة. وسوف تهدر الأشهر المقبلة من الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية في شجارات تافهة حول ما ينبغي أن يخفض. والواقع أن ما جرى في الأسابيع الأخيرة لا يعطينا أي سبب للتفاؤل بقدرة المشرعين الأمريكيين على الارتقاء فوق السياسة الحزبية وسؤال أنفسهم ما هو الأفضل لأمريكا، وأضاف أنه من غير المستغرب في ظل هذه الظروف أن تعود الأسواق المالية إلى التقلب الشديد. إن خفض الإنفاق الذي تقرر كنتيجة لمناقشة سقف الدين من شأنه أن يحد من النشاط الاقتصادي، وأن يقوض بالتالي النمو ويزيد من صعوبة تقليص الدين.
وأضاف لكي ينجح أوباما في عكس مسار الانحدار الأمريكي فإنه في احتياج شديد إلى الدعم من قِبَل الحزبين الجمهوري والديمقراطي لسياساته، ولكن الكونجرس الأمريكي أظهر حتى الآن عدم قدرته على تبني نهج قائم على المبادئ في التعامل مع مسئولياته التشريعية.
وأوضح فريزر أنه لا شك أن تقديم المزيد من الحوافز المالية لدعم النمو الاقتصادي سوف يكون مصحوباً بمخاطر خاصة، وذلك بسبب سقف الدين وعامل آخر أكثر شؤما : فأمريكا تعاني بالفعل من أزمة ديون مفرطة، وهناك من العلامات ما يشير إلى أن كبار حاملي سندات الحكومة الأمريكية لم يعد بوسعهم أخيراً تحمل الحصول على مستحقاتهم بعملة تنخفض قيمتها على نحو مستمر.
وقال:"لقد تحولت السياسة، باستثناءات نادرة، إلى مهنة فاقدة لمصداقيتها في مختلف أنحاء العالم الغربي. فالغد يعامَل دوماً باعتباره أكثر أهمية من الأسبوع المقبل، والأسبوع المقبل يفوق في أهميته العام القادم، ولا أحد يسعى إلى تأمين المستقبل البعيد. والآن يدفع الغرب الثمن".
وقال إن أتباع الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، وخاصة الفصيل التابع له حزب الشاي، يبغضون مثل هذه التوجهات أشد البغض، وقد تؤدي تصرفاتهم إلى ترويع الآسيويين الذين يشعرون بالتوتر الشديد إزاء القوة العسكرية الصينية المتنامية، ومع انحدار فاعلية القوة العسكرية تتنامى أهمية القوة الاقتصادية. ومن المؤكد أن إدراك مثل هذه الحقائق الأساسية ـ والتعاون بين الحزبين في التعامل معها ـ يشكل أهمية حاسمة في تشكيل مستقبل أميركا، والغرب عموما.
قال فريزر:"وإذا أدى هذا إلى إرغام أمريكا على التراجع باتجاه ما أطلق عليه خبير العلاقات الدولية جوزيف ناي "القوة الناعمة والدبلوماسية التعددية" فقد يكون ذلك أمراً طيبا".
وأضاف إن جذور المشاكل المالية الحالية في أمريكا تمتد إلى فترة طويلة من الإنفاق غير الممول. فقد تسببت حروب بوش في أفغانستان والعراق، والطريقة التي أدار بها "الحرب العالمية ضد الإرهاب"، في تفاقم الأمور سوءا، وأصبح الموقف برمته غير قابل للاحتمال على الإطلاق. والحق أن أوباما ورث تركة شبه مستحيلة.
وأكد علي أن زعامة أمريكا في الشئون العالمية بدأت رحلة ضعفها بفضل نزعة بوش الانفرادية الأحادية، واليوم تأتي المشاكل الاقتصادية لتعزيز هذا الاتجاه، وأضاف قد تكون موهبة أوباما الفطرية وقدراته الطبيعية قد ساعدته قليلاً في خداع السذج، ولكن دعمه الدائم لإسرائيل جعله يحارب في الولايات المتحدة قوى عاتية ، فضلاً عن الشعبوية الغوغائية في هيئة حزب الشاي ـ الذي قد يلحق به الهزيمة في عام 2012، وهذا يعني بدوره إلحاق أشد الضرر بأمريكا.
ومن جانب آخر أكد فريزر أن الصين تدرك أن أمريكا تمر بمصاعب هائلة (بل إنها تدرك هذا بشكل أكثر وضوحاً من إدراك الولايات المتحدة ذاتها له)، وأنه في ضوء الجو السياسي المسموم السائد في واشنطن الآن لن تكون هناك عودة سهلة إلى الحكم الرشيد، والاستقرار الاقتصادي، والنمو القوي، والأمر الأكثر أهمية في هذا السياق هو أن الدعوة التي أطلقتها الصين بتقديم عملة احتياطية جديدة كانت نابعة من إحباطها إزاء فشل الحكومات الكبرى ـ سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا ـ في إدارة شئونها الاقتصادية بأي قدر من الواقعية والحس السليم"
وأكد فريزر أنه في مناسبات عِدة أثناء فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، تعلمت الصين بعد التعرض لآلام عظيمة أن الاستخدام الفعّال للقوة العسكرية محدود. ففي فيتنام عجزت أمريكا عن تحقيق أهدافها، ولن تتقرر النتائج في العراق قبل سحب آخر القوات الأمريكية، أما في أفغانستان حيث تم بالفعل تحديد موعد الانسحاب، فمن الصعب أن نصدق أن أي دولة متماسكة موحدة من الممكن أن تنشأ هناك.
وأوضح أنه بمرور كل عام تتوسع سوق الصين على مستوى العالم، وتمثل سوقها المحلية نسبة أكبر من ناتجها المحلي الإجمالي. ونتيجة لهذا فإن الصين لن تكون في احتياج إلى دولار قوي في الأمد البعيد. ويتعين على الأمريكيين أن يسارعوا إلى تنظيم بيتهم الاقتصادي قبل أن تفقد الصين الحافز الذي قد يحملها على دعم الدولار.
وعلق علي الجهود الألمانية الفاترة في تثبيت الاستقرار في أوروبا بشكل أو آخر قائلاً:" فإن هذا يعني المزيد من تآكل مكانة الولايات المتحدة في العالم، وسوف تبدأ البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم في النظر إلى اليورو مرة أخرى بوصفه بديلاً للدولار كعملة احتياطية عالمية. والبديل، كما اقترحت الصين، يتلخص في تقديم عملة احتياطية جديدة".
وأختتم فريزر تصرحاتة مؤكداً ان هذه الحقائق تمثل تحولاً قوياً من نوع لم نشهده طيلة حياتنا. فقد بات تفوق الصين اقتصادياً على الولايات المتحدة ملموساً الآن، ولن يؤدي هذا إلى الحد من نفوذ أمريكا في الأسواق المالية فحسب، بل وسوف يحد أيضاً من قدرتها على استخدام القوة العسكرية.ولم تعد الحجة المضادة ـ أن أي عمليات بيع واسعة النطاق أو تقاعس من جانب الصين عن الاستمرار في شراء سندات الحكومة الأمريكية من شأنه أن يضر بالصين بقدر ما يضر بالولايات المتحدة ـ بالحجة الصالحة على الإطلاق.