الثلاثاء 25 أكتوبر 2011
رغم
انفعالي الشديد بها، ووفرة معلوماتي عن خباياها؛ كنت قاسيا على نفسي حين
منعتها من الكتابة أو التعليق على أحداث ماسبيرو الدامية، لعل ما حملني
على هذا الاختيار، حتى اللحظة، هي مشاعر داخلية، وربما أمنية، في أن تكون
الأحداث، بأقل من هذه الخسة، أو من هذا الهول، لكنها للأسف الشديد كانت
أخطر مما توقعت، بل وأفظع مما رآه الناس على شاشات التلفاز.
خيوط
الحدث، التي تجمعت قبل وقوعه بشهور، كانت، بلا شك، تغذي سقف التوقعات،
تحت وقع تحركات التحالف الليبرالي الصليبي المتطرف قبل بدء الانتخابات،
لاسيما بعد أن أرسلت أمريكا دعمًا قويًّا للتيار الليبرالي الصليبي
المتطرف، ممثلا في « آنا باتريسون»، سفيرة جهنم التي لا تعرف قواميسها الدبلوماسية غير الدسائس والانقلابات والحروب الأهلية، حتى إنها « قامت» باغتيال السيناتور بول ولستون، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، لمجرد « معارضته للسياسة الأمريكية في كولومبيا -كما تشير وثائق « ويكيلكس» المسربة ».
«
وعندما تولت السفارة بباكستان، قبل شهرين فقط من اغتيال رئيسة الوزراء
الباكستانية بي نظير بوتو التي طلبت منها خطيًّا المساعدة في إجراء تقييم
للأمن وحمايتها؛ لأنها كانت تخشى على حياتها، لكن باتريسون أوصت الإدارة
الأمريكية بعدم التعاون معها لإجبارها على التعاون مع برويز مشرف صاحب
الانقلاب العسكري في البلاد» وانتهت حياة بنظير لأنها رفضت خطة « باتريسون».
وهي أيضا أول من أضفى الحصانة الدولية على مرتزقة « بلاك ووتر» من المحاكمة على ما يقترفونه من جرائم في الدول الأخرى.
«
وكشفت وثيقة أخرى مسربة أن «آنا باترسون» عندما كانت سفيرة بلادها في
كولومبيا وباكستان قامت بتجنيد بعض الأشخاص العاملين بوسائل الإعلام
الأجنبية بتلك الدول في وكالة الاستخبارات الأمريكية بهدف تنفيذ انفجارات
وأعمال شغب في هذه البلاد، فضلا عن عمل توترات دبلوماسية وتنفيذ عدة
اغتيالات لشخصيات مهمة».
ولذلك تعرف «آنا باترسون» في الأوساط الدبلوماسية بلقب سفيرة جهنم ،بينما تكتفي الإدارة الأمريكية بوصفها بسفيرة المهام الصعبة!
ولهذا يمكننا
أن نصف ما يحدث الآن بأنه حرب بين السفارة الأمريكية وحلفائها من الأقباط
الأرثوذوكس والليبراليين من جانب، وبين مصر الثورة التي تسعى للانعتاق من
نير التبعية والاسترقاق.
وتخطط
سفيرة جهنم وحلفائها لإحتواء العملية الديمقراطية والسيطرة على الحراك
الثوري بحيث يفضى الأمر في نهايته إلى إدارة مصرية أمريكية الهوى وتنتهى
الثورة المصرية إلى مجرد إنتقال الكرة من مبارك إلى لاعب أخر في نفس الفريق
الأمريكي .
ومنذ أشهر قليلة؛ علمت بوقوع شقاق في صفوف التيار الليبرالي، وانقسامه إلى فريقين:
«فريق متطرف»، يقوده حزب ساويرس وبعض أحزاب فلول الوطني، ممن يطلقون على أنفسهم اسم « الكتلة المصرية»،
وهؤلاء يرون، في أغلبهم، أنه لا يمكن السماح بفوز الإسلاميين في
الانتخابات بأغلبية مريحة، وأن بقاء العسكر في الحكم أولى وأفضل من
انتخابات وحكومة مدنية يتواجد فيها الإسلاميون بشكل مؤثر.
« وفريق آخر»، يتزعمه عدد من السياسيين المخضرمين أمثال عمرو حمزاوي ([1])
يرى أن فشل الإسلاميين السياسي هو وحده القادر على تدمير شعبيتهم،
وإجهاض المشروع الإسلامي. وبما أن الفارق بين تطلعات الشعب، من أول حكومة
منتخبة بعد الثورة، وبين قدرة هذه الحكومة فعليًّا على إحداث طفرة يشعر
بها الناس، كبير جدًّا، فلن تستطيع أية حكومة قادمة إرضاء الشعب، أو إنجاز
تغيير حقيقي يشعر به الناس، ولهذا يعتبر هذا الفريق، أن فوز الإسلاميين،
في هذه الانتخابات، يشكل دافعا لإسقاط المشروع الإسلامي كليًّة، وإثبات
فشله أمام الشعب المصري المتعلق به، وأن الفرصة متاحة كذلك لتقوية التيار
الليبرالي، المرفوض شعبيًّا، وتوسيع قاعدته الجماهيرية.
وقبل
جريمة ماسبيرو بأسابيع؛ هاتفني أحد الأصدقاء وأخبرني أنه شاهد، بحكم عمله
وموقعه، اجتماعا سريًّا، استمر حتى بزوغ الفجر، جمع الملياردير المتطرف،
نجيب ساويرس مع يؤانس، سكرتير شنودة، في أحد أحياء القاهرة، وبصورة أريد
لها أن تكون سرية،
بعدها علمت أيضًا، أن اجتماعات عدة عقدت، بين سياسيين ورجال دين محسوبين على الكنيسة، وبين عناصر نافذة من تكتل « الكتلة المصرية»، التي ضمت عدة أحزاب يسيطر عليها نجيب ساويرس وفلول الحزب الوطني، والتي تضم، أيضًا، عناصر متطرفة من التيار الليبرالي.
هذه الاجتماعات أسفرت عن عدة نتائج، كان من أهمها،:
· مناشدة أسامة الغزالي حرب([2])،
ربيب الحزب الوطني والعراب السياسي لجمال مبارك ورئيس حزب الجبهة
الليبرالي السابق، المجلس العسكري تأجيل الانتخابات لمدة عامين، على الأقل،
مقابل بقاء المجلس في السلطة المطلقة، طوال هذين العامين؛
· ومناشدة
حزب ساويرس "المصريين الأحرار" المتكررة للمجلس العسكري بفرض وثيقة مبادئ
فوق دستورية، إجباريًّا، دون الرجوع للشعب، أو الأحزاب، أو الائتلافات
السياسية.
لكن
أخطر ما نوقش، في هذه الاجتماعات، كان الخطة البديلة، في حال إجراء
الانتخابات، وفوز الإسلاميين بأغلبية مريحة، تضمن لهم حرية التحرك
السياسي..
فوز
الإسلاميين يعني كابوسًا مفزعًا لكل هؤلاء، فهو سيمثل نهاية العصر الذهبي
للكنيسة، الذي تضخم فيه دورها، ومصالحها، على حساب المجتمع، بكل أطيافه،
بمن فيهم النصارى أنفسهم، الذين تعانتهم الكنيسة وتعاندهم، في أبسط حقوقهم
الإنسانية وأهمها .. أن يكون لأحدهم زوجا وأطفالا وأسرة!!
فوز
الإسلاميين بأغلبية مريحة، يعني، أيضًا، إعطاء الفرصة لهم، لأول مرة، منذ
أكثر من مائتي عام، لإظهار قدرتهم، وتأكيد وطنيتهم، وجدارتهم، في إدارة
شئون البلاد، بما يحقق لها التقدم، ويحفظ لها كرامتها، ويعز لها دينها. وهي
مكاسب تكفي لمسح الفلسفة الليبرالية من قاموس الحياة السياسية المصرية؛
لاسيما وأنها قامت بالأساس على فرضية ظالمة حاولت أن تثبت بموجبها، عبثا،
أطروحة زعمت طويلا: « إن التقدم والدين ضدان لا يجتمعان ولا يتفقان».
يبدو أن الخطة البديلة لمواجهة فوز الإسلاميين؛ كانت خطة كتابية؛ نسبها كتابهم المقدس لأحد أبطاله المسمى، « شمشون الجبار»، الذي يظن البعض أنه شخصية وهمية، ولكنه في الحقيقة أحد أبطال الإيمان في الكنيسة,
وأسطورة « شمشون» في « الكتاب المقدس» تقول:
إن شمشون اليهودي حين تغلب عليه الفلسطينيون الأشرار وحرموه من مصدر قوته
وفقد كل شيء قرر الانتقام من الجميع، وانتظر حتى اجتمع الفلسطينيون في أحد
أعيادهم، فقام بهدم المعبد عليه وعلى الفلسطينيين، مؤسسًا المثل الشهير: « عليَّ وعلى أعدائي».
الانتخابات
ستجري على ثلاث مراحل، وهو ما يتيح لضباع الكنيسة، وذئاب الليبرالية، أن
تتلمس، في ضوء نتائج المرحلة الأولى، ما ستكون عليه النتيجة النهائية التي
ستسفر عنها نتائج الانتخابات، وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه مبارك حين رضخ
لضغوط إصلاحية خارجية، فقرر إجراء انتخابات نصف نزيهة، تضمن عدم اعتراض
دولي على تصعيد جمال للرئاسة، وقتها لعب مبارك نفس اللعبة.. انتخابات على
مراحل تكون نتيجة المرحلة الأولى فيها مرعبة للغرب، بالقدر الذي يجبرهم
على التوسل لمبارك، أن يتدخل بطريقته المعهودة لإقصاء الإسلاميين عنها وقد
كان.
وليس
لدى التحالف الليبرالي الصليبي المتطرف سوى أن يطلق ثعالبه ليحرق البلد،
ويجبر الجيش على إلغاء الانتخابات، والبقاء في السلطة لمدة طويلة، تسمح له
ولأمريكا بإعادة ترتيب المشهد السياسي المصري، بعد الإعداد لمكيدة تلقي
بالإسلاميين، مجددا، في الزنازين وباحات المعتقلات، أو على الأقل تبعدهم عن
الحياة السياسية تمامًا.
التحالف الليبرالي الصليبي، خطط، ونفذ بروفته المصغرة، واختبرها في « ماسبيرو»، أملا في تحصين نقاط ضعفه، والوقوف على عناصر القوة لديه، ومن ثم تسخين المشهد .. فهل وصلت الرسالة إلى المجلس العسكري؟
هل
أدرك المجلس العسكري جدية الرسالة التي حرص هذا التحالف الإرهابي على
إرسالها له، ممهورة بدماء أربعة وستين جنديًّا مصريًّا، ذبحهم الأقباط على
ضفاف النيل، وأمام ماسبيرو ([3])؟
لا
أعلم .. لكن ما أعلمه، جيدًا الآن، أن المجتمع بأسره، وليس المجلس
العسكري فقط أصابه الذهول من قوة هذا التحالف، الذي استطاع تجييش كل
الفضائيات الإعلامية ضد الجيش، وجعل من بلطجية « ماسبيروا» شهداءً وثوارًا وضحايا!!!
الهواجس،
وصلت بي، أن توقعت تحرك العناصر الشريرة، في وزارة الداخلية وأيتام جهاز
أمن الدولة المنحل، لدعم مؤامرة التحالف الليبرالي الصليبي، ولم يكن
مفاجئًا أن يغير المجلس العسكري لهجته بعد المؤتمر الصحفي، الذي عرض فيه
الحقائق كاملة، بل وحاول امتصاص الغضبة الإعلامية عليه، وبدلاً من أن يقاد
سفاحو الكنيسة، وخبثاء الليبراليين وبلطجية 6 أبريل، إلى المحاكمة، هرول
المسئولون كالعادة إلى مقر شنودة يقدمون الاعتذار والتعازي طالبين الصفح
من « قداسته».
أما
الإسلاميون، وهم في الحقيقة جوهر الصراع ومحوره الآن، فقد تميز موقفهم،
للأسف، بقلة الوعي، بل وبالسذاجة أحيانًا .. سذاجة دفعت بعضهم للخروج
لحماية ظهور المعتدين الأقباط، وتأمين الكنائس، التي انطلق منها السفاحون
ليذبحوا جنود الجيش أمام « ماسبيرو»..
أما البعض الآخر فقد بالغ في تصور المؤامرة، فزعم أن ما حدث هو مسرحية بين الجيش والأقباط والليبراليين لتأجيل الانتخابات!!
وبينما
يقف المجلس العسكري، وأنا لست متعاطفًا معه، الآن وحده أمام الضغوط
الخارجية، والمؤامرات الداخلية، لإقصاء الإسلاميين عن الحياة السياسية،
وتسليم زمامها للتيار الليبرالي والصليبي المدعوم من الغرب و « إسرائيل».
هكذا
يبقى الإسلاميون، للأسف، وكالعادة، دون مستوى الأحداث الخطيرة بأزمان،
رغم أنهم محور هذا الصراع. فإلى متى سيظل الإسلاميون خارج دائرة الفعل
التاريخي؟ وإلى متى سيظلون مستمتعين بمشهد المتفرجين على خاتمة قد تلهب
السياط فيها جلودهم من جديد؟
راجع للأهمية: « الإسلاميون في ظلمة الاغتراب مرة أخرى»