يحكى أن يا سادة يا كرام- وما يحلو الكلام, إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام- أنه فى أحد بيوت مصر, يسكن رجل سكران, وله كلب يطعمه ويسقيه ويربيه, ويعرف الكلب صاحبه من رائحة الفساد والخمر, وينتظره كل ليلة، وبمجرد أن يشم الرائحة المميزة يهدأ الكلب, ويأنس لوقع أقدام صاحبه ولا يزعجه, ثم مر ما قد مر من الزمان, وأتت الثورة, وامتلأ الميدان, واختلط الجميع ثم اشتبك الجميع, وحول الرجل بيته إلى محطة تليفزيون, يستقبل فيها أصدقاء الليل والمزاج, ثم اتفقوا على أن يسموا أنفسهم فرسان معبد النخبة المقدس, وأن يعلنوا أنهم هم الثورة, وأن الثورة هم.. وراحوا يطلقون قناتهم وجريدتهم لشتيمة كل مخالف, وللتفتيش فى العيوب, وأخذوا يكيلون الشتيمة والسباب والردح لأحد الأشخاص المحترمين, ممن اعتادوا الحفاظ على الهدوء والوضوء ورائحة المسك.. فقرر الرجل أن يزورهم ويسلم على من بالتليفزيون, ويقول لهم: أنا معكم صديق, ولكم بدرب الثورة رفيق, وبمجرد أن اقترب الرجل المحترم من البيت الذى صار فضائية, وشم الكلب رائحة المسك والطهارة, حتى ارتبك وقام وعوى وزاد فى النباح, وأوشك أن يهاجم الضيف, وأن يفتح جروحًا قديمة, وملفات لئيمة.. فوقف ضيف البرنامج الكريم يقول:
لو كنت أحمل خمرًا يوم زرتكمُ لم ينكر الكلبُ أنى صاحب الدارِ
لكن أتيتُ وريح المسك ينفحنى والعنبر الوردُ أُذكيه على النارِ
فأنكر الكلب ريحى حين أبصرنى وكان يعرف ريح الزِقِ والقارِ
ولكن صاحب الدار تنبه وخرج مسرعا وهدأ الكلب المسعور المعتاد على رائحة الخمر والفساد, ورحب بالضيف وقال: أهلا بك, نزلت صعبا, وحللت شغبا, وما رأيك فى السياحة, طيب ما تقول فى الأدب؟ وهل ستحرمون الغناء؟ وهل الرقص الشرقى ذلك الفن الراقى حرام أم حلال.. طيب هل نمنع شواطئ العراة؟ وكيف ستخاطبون إسرائيل, وكيف ستتعاملون مع ظاهرة الراقصات الروسيات اللواتى غزون ساحة الـ(هشك بشك), وهل ستقطعون الأيدى وتمنعون الخمر, وماذا عن الحشيش وليس فيه كالخمر نصٌ صريح, وهل البيرة من الخمور؟ وهل الهبل راكب الجمل ذكر أم أنثى؟
وراح الضيف الطاهر المحترم يجيب عن كل الأسئلة, ويزيد ويعيد ويمط شفتيه عند التحريم, ويرخى جفنيه عند التقريب, ويرفع صوته عند الغضب, وصاحب البيت والقناة والجريدة ورفاقه يضحكون, فى نشوة يتغامزون, ويقولون للناس: انظروا كيف قال ما قال؟.. وتأتى التعليقات سريعة الطلقات, والبذيئة والمقيتة والمكررة, تهاجم الضيف وتقول له: وقعت أم الهوى رماك, ورغما عنك سننتج (أولاد حارتنا) مسلسلا, بينما وحدى حاولت أن أرسل تعليقا رقيقا أو قاسيا, ملخصه: يا أيها الضيف المحترم فى كل الفضائيات, ضع شروطك, وأولها إسكات الكلب, وثانيها الحديث على شروطك أنت لا شروطهم".
انتهت القصة ولكنها فيما يبدو مستمرة.