السلطان ابن عروس
...خائفٌ, لو قلت إنى مللت من السياسة, أن تملونى, وتتركونى وحيدا أعانى هجرة القراء, وأحبكم كما أحب نفسى, وأكاد أشك فى بعض التعليقات لأنها تلمس حسى, وكنا قديما نعتبر الجمعة عيدا, فهو يوم الحرية, فما رأيكم- رشد سعيكم- لو(قَبِلْنا) شطر الصعيد.. والصعيد غليظ المنظر, حكيم الجوهر, ويقول الصعيدى: "أنا باوَحِّد اللى خلق الناس/ خلق مسلمين ونصارى/ وناس نامت على فَرش وِكْناس/وناس ع المعايش حيارى".. ويوم الجمعة أنت مدعو للتغيير والتغير, وترك السياسة لأهل البلطجة, والبلطجة للسياسيين, والتمويل لعبد المعز وعبد المعز لعصام سلطان, واستخدام قدميك اللتين لا تعملان بالبنزين والسولار, والنظر فى تعجب إلى طوابير محطات البنزين فى بلد منتج للنفط, ومُصدِرٍ للغاز, وعجبي. وأمس الأول قالوا إنه عيد الأم, مع أن كل نظرة إلى أمى عيد وتجديد ومحبة وعبادة, ومن بين نساء الدنيا وحدها أمك, تحمل همك, كما قال ابن عروس, وتزيح عنك جبال الضيق بكلمة, ومن أمى تعلمت كلامه, وابن عروس شاعر صعلوك اختزن الحكمة المصرية وشربها ونضحت على لسانه, ساحر فتح بابا من كشف الحكمة وسجله باسمه, فصار سلطان حكماء الشعب, ومن جبال الصعيد جاء إلينا حاملا عقله سيفا فى بيت شعر ومخبأ لنا ضجة رقص الحروف واضطراب الصورة على دق الدفوف, وتربيعات من الحكى العجيب.
لو نظر رموز النظام السابق لابن عروس لربما نفعهم قبل أيامهم النحسات التى لم تُقبل فيها المصالحة, ولعلموا آخرة الظالمين السوداء:"ولابد من يوم معلوم/تترد فيه المظالم/أبيض على كل مظلوم/وأسود على كل ظالم".. قالها ابن عروس يوم كان حكامها مماليك شاردين وعابرين قيود الرق, وقائمين على أمر أم الدنيا وسيدة البلاد والتاريخ والجغرافيا.. كانت المحروسة فى الربع الأول من القرن الثامن عشر يتقاسم السيطرة عليها رجلان قويان محمد بك أبو الدهب من شمالها وحتى المنيا, ثم شيخ العرب همام حاكم الصعيد, وبينهما مصريون ينطق بلسانهم ابن عروس.
يقول الشاعر:"الليـل مـا هـو قصير/ إلا على اللى يـنامـه/ والشخـص مادام فقير/ما حد يسمـع كلامه... فَرَطت قِلعِى ما جانيش ريح/وعاودت ع البَر ناوى/ ياما ناس زيِّنا مجاريح/لكين صابرة ع البلاوى....سكت الهَوى والناموس طار/ والسبع طاطا بعينه/ خليه دا النومِ أستار/لما الكلب ياخد يومينه...أوعاك تقول للندل يا عم/ولو كان على التخت راكب/ولا حد خالى من الهم/حتى قلوع المراكب...جانى طبيبى مع العصر/ وف إيده ماسك عصاية/ اتارى طبيبى قليل أصل/من خصمى جابلى الوصاية"
ابن عروس قيمة مصرية وبعد الثورة يجب نفض التراب من على وجه مصر, لاستنهاض الهمة, فعلو هذه الأمة, كما كتب الدكتور إسماعيل المقدم مرهون بعلو الهمة, والتاريخ هو عرض وشرف وأرض خصبة لزرع الهمة, وخذ عندك قبل الختام:"ما يرقد الليل مغبون/ولا يقرب النار دافى/وما يطعمك شهد مكنون/إلا صديقك(موافى)"