/>

غاب القط.. العب يا "مفتى"!






حظر البابا الراحل شنودة الثالث طوال الأربعين عامًا الماضية، وحتى وفاته زيارة المسيحيين المصريين للقدس، وقوفًا ضد التطبيع ولعدم إعطاء شرعية أو غطاء يمكن إسرائيل من استمرار احتلالها للمدينة المقدسة.
كان موقفه فى الواقع دعمًا للمسلمين وللقضية الفلسطينية ورفضا للمحاولات الصهيونية الرامية لتهويد المدينة وهدم المسجد الأقصى.. يقابل ذلك الموقف فى الجهة الإسلامية فتاوى محرمة أو مانعة، أبرزها فتوى الدكتور يوسف القرضاوى.
صحيح أنه بعد وفاة البابا تجرأ بعض المسيحيين فزاروا القدس للاحتفال بعيد القيامة، لكنها تصرفات فردية لا تعبر عن تغير فى موقف الكنيسة التى أكدت أن الحظر مستمر، فيما رفض استقبالهم القس ميصائيل كاهن كنيسة القديسة هيلانة التى تمثل الجزء المصرى من كنيسة القيامة فى بيت لحم.
وقال القس "بناء على تعليمات الأنبا أبراهام مطران القدس والشرق الأدنى، لم نسمح لهم بالصلاة أو ممارسة طقس التناول، فتعليمات البابا شنودة ما زالت سارية".
زيارة مفتى الجمهورية الشيخ على جمعة للقدس أحدثت دويًا هائلا لأنها لا تعبر عن فرد، وإنما عن المؤسسة الدينية الرسمية الموازية لمؤسسة الكنيسة، حتى لو استثنينا الأزهر، الذى قال محمود عزب، المتحدث باسم شيخه، بأنه لم يعلم بأمر الزيارة مسبقًا، فمنصب المفتى يظل مرتبطا بالفتوى التى يأخذ بها المسلمون فى مصر، وقد جلس عليه طوال تاريخه علماء كبار لهم باع وقيمة عظمى.
بعض وسائل الإعلام نقلت عن شيخ الأزهر قوله إن المصلحة تحكم الزيارة، ولا يوجد فى الشرع ما يحرمها، وهو ربط لا أساس له، فالتحريم اجتهادى أقره علماء المسلمين وتعارفوا على أن زيارة المسجد الأقصى تحت الاحتلال تطبيع مع المحتل وإقرار بإدارته للأماكن المقدسة وقبول لها، فإذا طبعت المؤسسات الدينية الرسمية على النحو الذى سقط فيه مفتى مصر بزيارته الغريبة والمفاجئة، فهذا بمثابة إقرار أمام العالم بأن الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين مفتوحة للزائرين دون عوائق، ولذلك احتفلت إسرائيل احتفال المنتصر بزيارة على جمعة فى الوقت الذى منعت فيه الشيخ عكرمة صبرى، مفتى القدس من دخول مدينته.
مشكلة قيادات المؤسسة الرسمية الدينية الإسلامية أنها ظلت فى الثلاثين سنة الماضية تبنى تصرفاتها على الأمر "افعل" والنهى "لا تفعل" فافتقدت الرؤية السياسية المبنية على ما تعتقد أنه الحق والصحيح، وكانت دوما تنتظر التعليمات من "لاظوغلي"، والتى كان يصدرها إليهم أحيانا ضابط أمن دولة فى الفرع الدينى برتبة ملازم أول!
ولا يمكن أن ننسى الوثائق الخاصة بالمفتى التى تداولها الناس عقب اقتحام مبنى أمن الدولة، فى مدينة نصر، بعد سقوط نظام مبارك وجهاز أمنه الحديدى.
عندما تلاشت اهتمامات أمن الدولة المتحول إلى "الأمن الوطنى" بالتطبيع والمطبعين ولم تعد تهتم أو حتى تسمع عن المصريين الذين يزورون إسرائيل، شد مفتى مصر رحاله إلى القدس متذرعا بأنه لم يأخذ تأشيرة إسرائيلية، وهو قول ينافى الحقيقة فلا يمكنه هو أو غيره دخول الأراضى الفلسطينية المحتلة والقدس تحديدًا بدون إذن من إسرائيل وهو عبارة عن تأشيرة توضع على ورقة منفصلة عن جواز السفر، وإلا ما تم منع الشيخ عكرمة صبرى مع أنه مفتى القدس.
فى إسرائيل فرحة ما بعدها فرحة، وإعلامها يقول إن ثورة يناير فتحت باب التطبيع الدينى على مصراعيه، خصوصًا من طرف القيادات الدينية الإسلامية الكبرى.
ليشد الشيخ على جمعة رحاله ويخرج فورًا من دار الإفتاء، فقد سقط سقطة لا وقوف بعدها.

التعليقات
0 التعليقات