شفت
الوثائق الحكومية الفيدرالية الامريكية عن درب الاموال الامريكية التي
اغدقت على بعض معارضي الرئيس المنتخب، محمد مرسي، بهدف الضغط لعزله ومساعدة
الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق عبد الفتاح السيسي.
أعلن الرئيس باراك أوباما مؤخرا ان الولايات المتحدة لا
تنحاز إلى أي من الجانبين في الأزمة المصرية فيما يتعلق بالانقلاب العسكري
الذي أطاح بالرئيس مرسي.
لكن بمراجعة العشرات من تلك الوثائق الامريكية يتضح أن
واشنطن قامت بتمويل كبار شخصيات المعارضة المصرية الذين دعوا لإسقاط الرئيس
محمد مرسي، كما أظهرت الوثائق أن الولايات المتحدة قد وجهت التمويل - من
خلال برنامج وزارة الخارجية لتعزيز الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط -
لدعم النشطاء والسياسيين الذين ساهموا في إيقاظ الفتنة وزيادة الاضطرابات
في مصر، بعد الاطاحة بالمخلوع مبارك خلال ثورة يناير.
وأشار تحقيق نشره موقع الجزيرة الإليكتروني باللغة
الإنجليزية إلى أن برنامج وزارة الخارجية الأمريكية، الذي أطلق عليه
مسئولون أمريكيون مبادرة "مساعدة الديمقراطية"، هو جزء من مجهودات إدارة
أوباما لمحاولة وقف تراجع العلمانيين المواليين لواشنطن، ويهدف إلى استعادة
النفوذ في بلدان الربيع العربي التي شهدت صعود الإسلاميين، الذين يعارضون
إلى حد كبير مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة.
وأظهرت الوثائق أن التمويل الأمريكي يشمل ضابط الشرطة المنفي
الذي تآمر على قلب نظام مرسي بالقوة، وسياسي مناهض للاسلاميين الذي تولى
إغلاق المساجد واعتقال الدعاة، فضلا عن زمرة من السياسيين المعارضين الذين
ضغطوا من أجل الاطاحة بالرئيس مرسي باعتباره أول رئيس منتخب ديمقراطيا في
مصر.
1. عمر عفيفي سليمان، أحد النشطاء الممولين أمريكيا للإطاحة بالرئيس مرسي
كشفت المعلومات التي تم الحصول عليها وفقا لقانون حرية
المعلومات، والمقابلات، والسجلات العامة أن برنامج "مساعدة الديمقراطية"
الأمريكي قد انتهك القانون المصري الذي يحظر التمويل السياسي الأجنبي، كما
أنه خرق للوائح الأمريكية التي تحظر استخدام أموال دافعي الضرائب لتمويل
السياسيين الأجانب، أو تمويل أنشطة تخريبية تستهدف الحكومات المنتخبة
ديمقراطيا.
وأظهرت وثائق مكتب التحقيقات الفيدرالي أن هناك منظمات
أمريكية كـ (مكتب شؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان ومبادرة الشراكة الشرق
أوسطية والوكالة الأمريكية للتنمية، ومقرها واشنطن، وفريدام هاووس ) تقوم
بتمويل مجموعات معارضة في مصر، لا سيما كبار أعضاء الأحزاب السياسية
المناهضة لمرسي.
في الوقت نفسه، كشفت قاعدة البيانات لمبادرة الشراكة الشرق
أوسطية - التي أطلقتها إدارة جورج بوش عام 2002 في محاولة للتأثير على
السياسة في الشرق الأوسط في أعقاب هجمات 11 سبتمبر – أنه قد تم صرف حوالي
900 مليون دولار على مشاريع الديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة.
ونجحت المعونة الأمريكية التي تقدر بنحو 1.4 بليون دولار
سنويا للشرق الأوسط، في تخصيص ما يقرب من 390 مليون دولار لتعزيز
الديمقراطية ثم القضاء عليها في المنطقة.
وأشار موقع الجزيرة إلى قول ستيفن مكينيرني، المدير التنفيذي
لPOMED، أن واشنطن قد أنفقت 65 مليون دولار عام 2011 و25 مليون عام 2012
على مدعي الديمقراطية، مضيفا انه يتوقع صرف مبالغ مماثلة هذا العام.
وكشفت الوثائق أنه تم صرف 120 ألف دولار على الأقل على مدى عدة سنوات على عمر عفيفي للتحريض على العنف في مصر.
خدم العقيد عمر عفيفي سليمان كأحد ابرز ضباط الشرطة سيئ
السمعة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان - وبدأ تلقي الأموال الأمريكية عام 2008
لمدة أربع سنوات على الأقل.
خلال ذلك الوقت، كان سليمان وأتباعه يستهدفون حكومة مبارك،
وقد تابع سليمان في وقت لاحق نفس التكتيكات ضد المجلس العسكري الذي حل محل
مبارك بعد الإطاحة به، ولكن كان أكبر من حاربه سليمان هو نظام مرسي
والإخوان.
وحكم على سليمان، الذي لجأ للولايات المتحدة، بالحبس خمس
سنوات غيابيا لدوره في التحريض على العنف عام 2011 ضد سفارتي إسرائيل و
السعودية.
كما يستخدم عفيفي وسائل الاعلام الاجتماعية لتشجيع هجمات
عنيفة ضد المسؤولين المصريين، وذلك وفقا لوثائق المحكمة واستعراض لقاءاته
مع وسائل الاعلام الاجتماعية.
وكشفت وثائق داخلية أمريكية أن منظمة نيد قد دفعت عشرات
الآلاف من الدولارات لعفيفي من خلال منظمة أسسها هو تسمى (حقوق الشعب)،
ومقرها فولز تشيرش بولاية فيرجينيا.
وفي مقابلة مع برنامج الإبلاغ للتحقيق بجامعة كاليفورنيا في
بيركلي، اعترف عفيفي على مضض بأنه حصل على تمويل من الحكومة الامريكية من
الصندوق الوطني للديمقراطية، لكن قال إن ذلك لم يكن كافيا، فهو ما يعادل
2000 دولار أو 2500 دولار شهريا"، قال. "هل تعتقد أن هذا أكثر من اللازم؟
مضيفا "أوباما يريد أن يعطينا الفتات، ونحن لن نقبل ذلك".
ومن جانبه، ادعى موقع منظمة NED إن سليمان يدعو لعدم العنف،
وتعمل مجموعته فقط على الرد الفوري على المشورة القانونية من خلال الخطوط
الساخنة والرسائل الفورية، وغيرها من أدوات الشبكات الاجتماعية".
ومع ذلك، فبالنظر للمقابلات مع وسائل الإعلام المصرية،
ومقاطع الفيديو المنشورة باليوتيوب، فإن عفيفي كان يشجع ويحرض على الإطاحة
بحكومة مرسي والإخوان باستخدام القوة والعنف.
قال سليمان لمتابعيه على صفحته الشخصية بموقع التواصل
الاجتماعي فيسبوك – داعيا اياهم لشل حركة الإخوان وحكومة مرسي - في يونيو
الماضي "لابد من تعجيزهم و تحطيم عظامهم"، ومن ثم أعد معارضو مرسي مسيرات
ضخمة في الشوارع ضد الحكومة، فيما استخدم الانقلابيون الممولون أمريكيا في
مصر تلك المظاهرات ذريعة لتبرير انقلابهم يوم 3 يوليو، مدعين بأن ذلك هو
الشعب، وهذا في الحقيقة ليس هو الشعب كله، حيث خرج الملايين المؤيدين لمرسي
في عدة ميادين بمصر مطالبين بعودته وعودة الشرعية التي هي من حقهم. .
وفي أواخر مايو أصدر سليمان تعليماته بـ "قطع رؤوس هؤلاء الذين يسيطرون على الطاقة والمياه ومرافق الغاز."
وعمل سليمان على إزالة العديد من بعض كبار الشخصيات الإعلامية بعد أن استشعرت السلطات في مصر تعليماته التخريبية لهم.
كما اعطى تعليمات لمتابعيه على الفيسبوك برش الطرق بمزيج من زيت السيارات والغاز كي لا تتمكن السيارات من السير.
وعلى شريط فيديو يوتيوب، ظهر سليمان متورطا في محاولة فاشلة
في ديسمبر الماضي لاقتحام قصر الاتحادية بالمسدسات وقنابل المولوتوف
للاطاحة بمرسي.
قال مسئول بالسفارة المصرية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته
لأنه كان غير مخول بالحديث الى وسائل الاعلام ""نحن نعرف انه يحصل على دعم
من بعض الجماعات في الولايات المتحدة، لكننا لا نعرف انه يحصل على دعم من
الحكومة الأمريكية ذاتها. وهذا يشكل أنباء خطيرة".
تمويل معارضين آخرين لمرسي
هناك بعض المعارضين لمرسي والمستفيدين من التمويل الأمريكي و
الذين دعوا إلى عزله بالقوة ومنها، جبهة الإنقاذ الوطني التي دعمت حملات
احتجاج في الشوارع وتحويلها الى عنف ضد الحكومة المنتخبة.
فيما حرضت إسراء عبد الفتاح الناشطين لمحاصرة المساجد
والدعاة والشخصيات الدينية الذين دعموا الدستور المقترح وذلك قبل طرحه
للاستفتاء العام، واستمر حصار المساجد منذ ذلك الحين، مما أدى إلى العديد
من الاشتباكات راح ضحيتها الكثير ممن يدافعون عنها.
وتظهر وثائق الاتحاد الفيدرالي أن منظمة إسراء غير الحكومية،
(الأكاديمية المصرية الديمقراطية)، كانت من بين مجموعات الدول الأخرى التي
تم تمويلها من برنامج "مساعدة الديمقراطية"، حيث تلقت المنظمة 75000 $ عام
2011.
ومن جانبه، قال سعد الدين إبراهيم، وهو معارض مصري أمريكي
لنظام مرسي "أخبرتنا الولايات المتحدة أنها إذا رأت احتجاجات كبيرة في
الشوارع ضد مرسي لمدة أسبوع، فسوف تعيد النظر في سياستها الحالية تجاه
النظام والإخوان".
واجتهدت عبد الفتاح وأخذت تجوب شوارع مصر لحشد الدعم لحزبها
حزب الدستور، الذي يتزعمه محمد البرادعي، الشخصية الأكثر بروزا في جبهة
الإنقاذ. وقالت انها قدمت الدعم الكامل لاستيلاء الجيش على السلطة، وحثت
الغرب على ألا يعترف بأن هذا يعد انقلابا.
وصرحت إسراء لبعض الصحف قبل الانقلاب العسكري ضد الرئيس مرسي بعدة أسابيع "أن 30 يونيو هو آخر يوم في عهد مرسي".
كما يثير ارسال أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لبعض الأغنياء المصريين تساؤلات حول ضياع برنامج الديمقراطية في مصر.
في الوقت نفسه، يعد مايكل منير ضيف متكرر على قنوات
التلفزيون التي طالما عارضت الرئيس مرسي. وهو مواطن مصري حاصل على الجنسية
الأمريكية ويتلقى تمويلا أمريكيا من خلال منظمة غير حكومية. كما يتلقى
منير تمويلا من نجيب ساويرس الذي يعد واحدا من أكثر الأقباط المعارضين
للإسلاميين في مصر.
وقام بتأسيس منظمة منير الملياردير القبطي نجيب ساويرس، وهو
أكثر الشخصيات المعارضة لنظام مرسي وكذلك طارق حجي، مسؤول تنفيذي بصناعة
النفط، وصلاح دياب، شريك هاليبرتون في مصر، وأسامة الغزالي حرب، وهو سياسي
له جذور في نظام مبارك وله اتصالاته بالسفارة الامريكية.
ساعد منير في حشد الأقلية القبطية الأرثوذكسية في البلاد
والتي تضم خمسة ملايين مسيحي يعارضون مرسي والمشروع الإسلامي، وحرضهم على
النزول الى الشوارع في مظاهرات 30 يونيو.
وأكدت الوثائق الحكومية الأمريكية أن منظمة منير قد تلقت
873.355$ في 2011، فيما تلقى محمد عصمت السادات عضو حزب الإصلاح والتنمية
دعما ماليا من الولايات المتحدة من خلال رابطته السادات للتنمية
الاجتماعية.
وأظهرت قاعدة البيانات للاتحاد الفيدرالي الأمريكي أن
السادات تلقى 84445 $ من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية "للعمل مع الشباب في
مرحلة ما بعد الثورة".
كان السادات عضوا في لجنة التنسيق المنظمة لمظاهرات 30
المناهضة لمرسي. ومنذ عام 2008، جمع السادات 265،176 $ من الولايات
المتحدة، معلنا أنه سيرشح نفسه في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
أما فيما يتعلق بمجزرة الحرس الجمهوري التي ارتكبها بعض جنود
القوات المسلحة، دافع السادات عن استخدام القوة من قبل الجيش والقى باللوم
على جماعة الإخوان المسلمين، قائلا انهم كانوا يستخدمون النساء والأطفال
كدروع بشرية.
ومن جانبهم، قال بعض الساسة المدعومين من الولايات المتحدة أن واشنطن شجعتهم ضمنيا للتحريض على الاحتجاجات ضد مرسي.
كما يعد مركز إبراهيم ابن خلدون بالقاهرة من أكبر المراكز
التي تتلقى تمويلا أميركيا، وهو أحد أكبر المستفيدين من التمويل للترويج
للديمقراطية المزيفة. وجاءت تصريحاته لاثارة مشاعر الرأي العام ضد مرسي
بأمر من واشنطن.
برنامج الدفاع عن الديمقراطية
ومن جانبها، دافعت وزارة الخارجية الأمريكية وخبراء أمريكيون
بالشرق الأوسط بشدة عن تمويل السياسيين والنشطاء المناهضين لحكومة مرسي من
خلال المنظمات غير الحكومية.
وقال بعض الخبراء إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون مسئولة عن الأنشطة التي تقوم بها جماعات لا تقع تحت سيطرتها.
ومن جانبها، صرحت ميشيل ديون، إحدى خبراء المجلس الأطلسي
للأبحاث، والتي حكم على زوجها بالسجن 5 سنوات لدوره في التمويل السياسي في
مصر بأن"المشهد السياسي أصبح ساخن جدا وديناميكي".
|