/>

عسكرة الليبرالية في مصر! محمود سلطان



من المفارقات المدهشة، أن يدافع الإسلاميون عن "الديمقراطية" وعن "سلطة الشعب" وعن "الدولة المدنية".. فيما ينافح الليبراليون واليساريون والعلمانيون جميعًا عن "دولة العسكر"، ويحرضون جنرالات الجيش على الديمقراطية وعلى سلطة الشعب ويدافعون عن دستور كتب باللون الكاكي!! يشتكون اليوم من "المحاكم العسكرية" فيما يطالبون بأن تظل الدبابات في الشوارع والجيش في السلطة!.. قمة التناقض بل المفارقة "النكتة": أن تكون "ليبراليًّا" ثم تبحث بدأبٍ عن كل سبل التدثر بالسترات العسكرية، والعيش تحت ظل النياشين والرتب الممتدة على أكتاف الجنرالات!! الموافقة على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية إهدار فج وصريح لـ""مدنية الدولة " وإنزال أي استفتاء لاحق منزلة "لعب العيال".. وبمعنى آخر اختطاف الثورة ووضعها في "كروش" و"جيوب" الحواة الجدد الذين امتطوا صهوتها، وتحولوا بـ"خفة يد" من الخدمة في "قصور مبارك" إلى ثوار يشغلون المنصات وشاشات التلفزيون يبدو المشهد في مصر اليوم، شديد الغرابة: إسلاميون "ديمقراطيون".. وليبراليون "عسكرتاريا"!.. إسلاميون يتوهج يومًا بعد يوم حماسهم لـ"الدولة المدنية".. وليبراليون وعلمانيون لا يتورعون في "تسريح" الأخيرة في سوق "الدعارة السياسية"! ما يحدث في مجتمع النخبة العلمانية اليوم، هو حقًّا "دعارة".. إذ تتشح الغالبية منهم بالعفاف الفكري، فيما يباع الشرف الأيديولوجي لكل من له "قوة مالية" أو "إعلامية" ويريد أن يشبع شهوة السلطة لديه.. أو أن يمتطي ظهور "البهائم" المستأجرة، ليبلغ غايته بـ"شوية فكة" لن تُنقص من خزائنه شيئًا. يبقى أن أشير هنا أن التطورات الأخيرة أجرت ما يشبه عملية فرز سياسي كبير للقوى والتيارات السياسية، ويبدو لي أنها رشحت قوة وحيدة لتتحمل مسئوليتها إزاء مستقبل مصر الديمقراطي. تضاريس المشهد لم تعد ملتبسة، بل باتت شديدة الوضوح، وتوزيع القوى على الخنادق والجبهات لم يعد معقدًا، ولم يعد السؤال مستفسرًا عن القوى المدنية والديمقراطية.. أو عن التيارات المعادية لأي حراك سياسي نحو مدنية الدولة واحترام الحقوق السياسية والمدنية للشعب المصري.. وإنما بات السؤال المشروع اليوم، هو عن مدى قدرة القوة التي رشحتها التطورات لقيادة المشروع الحضاري المصري بعد الثورة.. على أن تتحمل مسئوليتها، وأن يتحلى قادتها بصفات "رجل الدولة" المسئول؟
!

التعليقات
0 التعليقات