/>

أنا وجلاد السجن الحربي صفوت الروبى شاهد عيان على أشخاص تاريخية من العسكر




فى مستهل عام 1990م كنت أقضى عقوبة السجن لمدة ستة أشهر حيث كنت أقوم بتأدية الخدمة العسكرية بالقوات المسلحة و تعرضت لمحاكمة عسكرية بمحكمة الهايكستب العسكرية وذلك على إثر اعتراضى على آداء بعض الضباط وصف الضباط فى حقى وحق جنود الوحدة العسكرية التي كنت اقضي بها فترة التجنيد حيث كنا نعامل بطريقة غير آدمية لا تتفق مع القانون العسكرى أو حقوق الإنسان فقضيت مدة ثلاث أشهر بسجن الوحدة العسكرية وثلاث اخرى بالسجن الحربي الجديد الموجود بمنطقة سجون أبو زعبل،، وليس السجن الحربي القديم والذي كان مقاماً بمدينة نصر وتم هدمه فى عهد الرئيس الراحل السادات وبعد قضائي ثلاث شهور بسجن الهايكستب العسكري انتقلت إلى السجن الحربي لقضاء بقية العقوبة.
تم ترحيلنا فى سيارة عسكرية من الهايكستب إلى السجن الحربي وفور نزولنا من السيارة أنا وبقية زملائي الذين كانوا مرحلين معي من سجن الهايكستب شاهدنا السجن الحربي وكأنه قلعة عسكرية ذات أسوار خرسانية سميكة ومرتفعة جداً وعليها أسلاك شائكة وأبراج يقف عليها مجندون يحملون الأسلحة النارية وما أثار انتباهنا هو وجود مجموعة كبيرة من الكلاب البوليسية كبيرة الحجم تقف على باب السجن الحديدي بصحبة بعض جنود السجن ثم فتح لنا باب السجن للدخول وكنا نرتدي البدل الزرقاء اللون والكاب الأزرق وفور دخولنا من الباب الحديدي الكبير نادى علينا احد الأشخاص و الذي كان يقف بجانب مبنى غرفة الإدارة والأمن وكان ضخم الجثة وطويل القامة وذوو شارب عريض ووجه عبوس ويرتدي بدلة رمادية اللون مدنية وليست عسكرية – وقال لنا بصوت جهورى أجش ارقدوا يا أولاد الكلب (أي إنبطحوا على الأرض)،، فرقد زملائي خوفاً على أنفسهم أما أنا فرفضت واعترضت عليه قائلاَ "نحن لسنا أولاد كلب أما الكلاب الحقيقية هى التي أتت بك إلى هنا فانهار الرجل وكان يحمل بيده كرباج (( سوط جلدى)) يستعمل للجلد وأتى ناحيتي لمحاولة ضربي بالسوط فشددت عصا أحد المجندين من يده لأدافع بها عن نفسي وعندئذ جاء أحد الضباط الذي كان يصحبنا فى رحلة الإنتقال من سجن الهايكستب مسرعاً حيث كان ينهي بعض الأوراق الخاصة بنا في إدارة السجن وأمسك العصا من يدي وهدأ من روع هذا الشخص الذى كان يستعد لضربي وكان الجنود على أهبة الإستعداد لسماع أوامره بالإنقضاض على ثم تحدث الضابط مع هذا الرجل بصوت غير مسموع (أي همس فى أذنه) ثم طلب الضابط من أحد الحراس أن يعزلوني مؤقتاً عن زملائي لحين إدخالي الزنزانة وفهمت بأن الضابط يخبره بأني لست سجيناً عادياً وأني سجين عسكري ولكن تهمتي سياسية وهي عدم إطاعة الأوامر العسكرية وأن المخابرات الحربية توصي بحبسي مع السجناء السياسيين بالسجن وجاءني الضابط وأخبرني أن هذا الرجل لا يعرف قضيتي والسبب الذي جئت من أجله فأكدت على ضابط سجن الهايكستب أنه إذا حاول هذا الشخص مرة ثانية ضربي أو سبي فلن أقف مكتوف اليد أمامه وسأسبه كما سبني وأضربه بكل ما أستطيع وأنني سبق الحكم على لإعتراضي على نفس هذا الأسلوب من المذلة . و الإهانة التي يتعرض لها جنود قواتنا المسلحة حيث تنتقص كرامتهم ثم يطلب منهم بعد ذلك أن يكونوا أحراراً ويدافعوا عن وطنهم ضد أي معتد خارجي فكيف تكسر كرامة الجندي في وطنه وفي وحدته العسكرية ثم يطلب منه بعد ذلك أن يذود عن كرامة وطنه وشعبه؟؟ فطمأنني الضابط بأنه أفهمه موقفي العسكري هو والإدارة وأن المخابرات الحربية توصى في ملفي وأوراقي بمعاملة خاصة ومحترمة لي حتى انتهاء فترة العقوبة ثم أخذني أحد الحراس إلى ساحة السجن ثم فتح أحد الزنازين وأدخلني فيها وبعد مرور نحو نصف ساعة تقريبا حضر بقية النزلاء وأدخلوهم إلى العنابر المختلفة داخل السجن وظللت وحدي بأحد الزنازين لمدة أسبوع إلى أن أدخلوني أحد عنابر الحالات الخاصة المجاورة لعنبر الضباط المحكوم عليهم عسكريا وكان بالزنزانة التي بجانبي السجين الشهير (( أيمن حسن )) وهو الجندي المصري الذي كان مجنداً بسلاح حرس الحدود وقام عام 1990 بقتل 21 ضابط وجندي إسرائيلي على الحدود المصرية وكان هذا الجندي من محافظة الشرقية وقام بهذا العمل رداً على مذبحة الحرم الإبراهيمي وذلك بعد عملية الجندي أيمن خاطر بقليل وكان أيمن في نفس عمري وكنت أقابله وقت الذروة في ساحة السجن هو وبعض ضباط السجن وكان دائماً يزور أيمن كثير من الشخصيات  العامة والقانونية التي كانت تهتم بقضيته ومنهم المرحوم المناضل كمال خالد المحامي الشهير بن محافظة دمياط  وبن قرية أولاد حمام ووقتها كان يوجد في عنبر الإعدام أحد الجنود المتهمين والمحكوم عليه بالإعدام في قضية (( هتك عرض فتاة العتبة)) الشهيرة وكان دائم الصراخ ليلاً حيث كان في انتظار تنفيذ الحكم عليه بالإعدام .
وفي إحدى الأيام وأنا كنت مقيم بزنزانتي طرق باب الزنزانة أحد الحراس وأخبرني أن هناك تجمع في ساحة السجن للنزلاء وطلب مني الاستعداد لذلك وكان ذلك قبل الفجر ثم فتح باب الزنازين وخرجنا جميعاً إلى الساحة وكان أحد النزلاء أعرفه من مركز منية النصر بمحافظة الدقهلية ومن قرية الدراكسة تحديداً وأذكر اسمه كان أحمد الشربيني وسبق وأن تقابلت معه في باحة السجن وبعد أن قام أحد الحراس بالنداء علينا لكي يذكر كل واحد منا رقم زنزانته ورقم كوده الخاص حيث كان يقف في ساحة السجن عميد اسمه (( مجدي الروبي )) وبجانبه الشخص الذي سبق وأن قابلته على بوابة السجن وكادت ان تحدث بيننا مشادة شديدة  وكان مجدي الروبي نسمع عنه بأنه قائد  السجن الحربي وكان شديد القسوة وبعد أن فرغت من ذكر رقم زنزانتي أدخلوني الزنزانة وبعد عشر دقائق سمعت صوت أحمد الشربيني زميلي في السجن يضرب بقسوة من الشخص الواقف بجانب قائد السجن وكان هذا الرجل يحمل بيده سوطاً أسوداً وكان يضرب النزيل أحمد الشربيني بكل قسوة بالكرباج وكان أحمد عضواً بالجماعة الإسلامية المصرية وكنت أدعو له من خلف باب الزنزانة أن يفرج الله عنه وعلمت بأنه كان به إصابات شديدة جراء الضرب بالسوط  على جسده من ذلك الرجل الذي كان يدعى (( عم صفوت الروبي )) وفي نهار أحد الأيام جاء أحد الحراس على  الزنزانة وكان مسيحي الديانة ومن الغريب أن معظم صف الضباط بالسجن والحرس كانوا مسيحي الديانة وكانوا لا يعرفون للرحمة سبيلاً وكانوا يسبون الدين ليل نهار ويضربون المساجين بالأسواط وطلب مني الحارس أن أذهب معه وأرافقه إلى مستشفى السجن الحربي والذي كان مجاوراً مباشرة للسجن ويفصلهما سور له باب وقلت له لماذا فأخبرني أنه توجد لي زيارة هناك برغم أن اليوم نفسه غير مسموح فيه بالزيارات وقلت في نفسي مالي ومال مستشفى السجن وتوجست خيفة بعض الشيء وظننت أنهم يريدون إدخالي المستشفى للتخلص مني أو تدبير مكيدة أو مصيبة لي ودخلنا المستشفى وصعدنا إلى الدور الثاني ومررنا بعدة غرف كان يعالج فيها بعض مرضى السجن من النزلاء وكان بعضهم يعاني من كسور العظام وأذكر منهم أحد النزلاء من قرية العبيدية بمحافظة دمياط وكان اسمه عبد الشافي حيث كان معي من وحدتي العسكرية وكان يوجد نزيل أخر من مدينة الروضة بمحافظة دمياظ واسمه عبد الرازق حسن حزه  ثم أوقفني الحارس عند باب أحد الغرف ودخل ثم استئذن وطلب مني الدخول وعند دخولي للغرفة رفعت بصري إلى أعلى لأفاجأ بمفاجأة غريبة وغير محسوبة ومتوقعة لأجد عمي رحمه الله وبصحبته أحد جيرانه الذي كنت أراه دائماً في بيته واسمه( نجم مشهور) ومعهم في نفس الغرفة الرجل الذي يدعى (( عم صفوت الروبي)) وأحد أطباء المستشفى من الضباط المجندين  و انتابني شعور بالدهشة وسرحت بفكري قليلاً وأنا أقف أمام باب الغرفة ثم ناداني (( صفوت )) قائلاً هو أنت الدمياطي الذي قابلته على باب السجن منذ أسابيع وكنت أنتوي ضربك  وطلب مني الدخول وقال لي عمي رحمه الله تعال يا حسام وسلم على عمك (( صفوت )) وعمك (( نجم )) ونجم هذا كان جاراً لعمي في السكن بمنطقة فيصل بالهرم وكنت لا أريد أن أضع يدي في يد هذا الصفوت أبداً وأمام إلحاح عمي تقدمت وسلمت عليه ووضعت يدي في يده سريعاً منعاً للحرج مع عمي وضيفه وأنا لا أفهم شيئاً عما يجري حولي فطلب عمي مني الجلوس هو ونجم المرافق له وأخبرني عمي بأن عمك نجم كان زميل لصفوت في السجن الحربي القديم أيام الستينات في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأثناء الجلسة التي امتدت لأكثر من ساعتين علمت بأن صفوت هذا هو (( صفوت الروبي )) الجلاد الشهير بالسجن الحربي القديم وأن نجم أيضاً هو (( نجم مشهور )) كان أحد جلادي السجن والذي حكم عليهم بأحكام مختلفة في قضايا التصحيح الشهيرة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات وأنهما شخصيات تاريخية معروفة وثار حولهما جدل كثير وقتها وأن صفوت الروبي تم الحكم عليه في قضايا التعذيب  بالمؤبد وكان يقضي بقية مدته الأخيرة  في السجن الحربي أما نجم مشهور  فقضى مدة من الحكم قليلة  لعدة  سنوات ثم خرج بعدها وكانت هذه القضايا المعروفة بقضايا التعذيب ونظرت بالمحكمة العسكرية وكان وقتها يحاكم أيضاً صلاح نصر رئيس المخابرات العامة إبان حكم عبد الناصر حيث تخلص الرئيس السادات من القيادات الناصرية في هذه المحاكمة في السبعينات من القرن المنصرم وزادت دهشتي عندما تذكرت بأنني سبق وأن قرأت عن صفوت الروبي ونجم مشهور في عدة كتب منها كتب الراحل الكاتب الإسلامي جابر رزق والذي كان يحكي عن التعذيب في عهد عبد الناصر وذكر اسمهما على لسان المرحومة زينب الغزالي القيادية الإخوانية والمرحوم الشهيد سيد قطب وذكر اسمه أيضاً المرحوم الشيخ كشك في كتابه قصة ايامي وزينب الغزالي في كتابها أيام من حياتي والشيخ يوسف القرضاوي وعرفت بأن صفوت الروبي يقيم بمستشفى السجن الحربي منذ سنوات والغرفة التي سبق وأن قابلته فيها كانت غرفة جيدة ومجهزة بجميع الكماليات من تلفزيون وتلفون أرضي وثلاجة وسرير وطقم صالون للضيافة وفيديو وكان يقوم على خدمة صفوت الروبي أحد الجنود المكلفين بخدمته ومرافقته وإذا كان هذا يتم في عهد الرئيس السابق حسني مبارك فما بالنا بحال الغرفة التي يقيم فيها الأن الرئيس المخلوع حسني مبارك؟؟ وعلمت بأن القوات المسلحة تولي صفوت الروبي اهتماماً خاصاً ويخرج من السحن أحيانا لعمل فحوصات طبية خاصة بالمستشفيات العسكرية ومقابلة أهله  وأن له ولد تم تعينه في القوات المسلحة كضابط واسمه شريف ووقتها كان شريف برتبة نقيب حسبما ذكر لي نجم مشهور ذلك أيضاً في نفس اللقاء بمستشفى السجن وتم تعين نجم مشهور في إحدى شركات الكهرباء المصرية كمسئول أمني تحت رعاية القوات المسلحة وذلك بعد خروجه من السجن وذكر صفوت أثناء حديثه معنا عن فترة التعذيب أيام السجن القديم في الستينيات وأكد لي بنفسه حدوث هذا التعذيب الذي سمعنا وقرأنا عنه وصفوت هذا جسد شخصيته نجيب محفوظ في رواية الكرنك
التي تحولت لفيلم سينمائي شخص يدعى ( فرج ) كان يستدعيه كمال الشناوي للاعتداء على سعاد حسني التي كانت تقوم بدور طالبة يسارية تعارض سياسة عبد الناصر وعندما أخبرت صفوت عن غضبي وانزعاجي من الضرب والتعذيب الذي لاقاه زميلي نزيل السجن أحمد الشربيني على يد صفوت الروبي قال لي يا حسام هذا ليس تعذيب إذا أردت أن تعرف التعذيب فاسأل الإخوان المسلمين عنه خاصة من كان في السجن الحربي القديم وعندما ذكرت اسم الشيخ يوسف البدري الداعية الإسلامي المعروف على لساني وسألني صفوت هل تعرفه قلت له نعم وأقابله بسكنه بالمعادي فقال صفوت أبلغه سلامي عند خروجك وعندما خرجت من السجن وقابلت يوسف البدري وأخبرته برسالة صفوت له تعجب وقال لى أما زال هذا الرجل حياً فقد فعل الكثير مع الإخوان داخل السجن وأكد لى ما كان يرويه لي صفوت عن الحقبة الكئيبة التي عاشها الإخوان فى الستينات .
وعندما سألت صفوت الروبى ألا تشعر بالذنب حيال ما اقترفته من تعذيب فى حق المصريين فجاءت إجابته بأنه عبد المأمور ولا يملك أن يخالف تعليمات قيادته حيث أن أوامر القوات المسلحة لا تحتمل المناقشة أو الرفض وأن المرحلة وقتها كانت تتطلب ذلك وعلى المسؤلين تحمل تبعات ذلك من الناحية الدينية والقانونية  وقال لي بأنه الآن يصلى ويقرآ القرآن داخل مسجد المستشفى و أثناء حديث عمى مع صفوت الروبى ونجم مشهور علمت بأن زملاء لصفوت ونجم تم الحكم عليهم وبعد انقضاء مدة العقوبة تم تعينهم كأفراد أمن فى سفارات مصر بالخارج ومواقع حساسة بالدولة أى أن القوات المسلحة لا تترك أبنائها حتى لو خرجوا من الخدمة وكانوا مدانين بقضايا تعذيب!! أو قتل ثوار كما فعلوا ذلك بعد ثورة 25 يناير 2011 حيث لم يتم محاكمة أي من العسكريين المتورطين في أحداث الثورة وما بعدها وكذلك الإهتمام البالغ بإقامة الرئيس المخلوع مبارك سواء في مستشفى شرم الشيخ الدولي أو المستشفى العالمي بطريق الاسماعيلية أو مستشفى سجن مزرعة طره في  وانتهى اللقاء الذي امتد لأكثر من ساعتين لأخرج منه بحقيقة تاريخية وهى صدق ما كتب وذكر عن التعذيب فى الستينات وأكده لى ما شاهدته بنفسي وعايشته داخل السجن الحربى حيث أصبحت شاهد عيان على أشخاص تاريخية.

التعليقات
0 التعليقات