كلمة نقلها إلينا أحد الإخوة عن ربانى من ربانيّى هذه الأمة، أو كذلك نحسبه، والله حسيبه.
ونحن فى حسباننا هذا نعول على الظاهر كما وجهّنا نبينا صلى الله عليه وسلم، ونكل السرائر إلى الله، والتى لا يعلمها إلا هو.
وإذا كانت المظاهر لا تصدق دائما، فأهل الادعاء الماهرون يصلون فى بعض الأحيان إلى درجة مقنعة فى التمثيل والإيحاء بما ليس فيهم.
إلا أن هذه المظاهر تكون موحية أحيانا بما يقارب اليقين بما توحى به، وتكون الاستحالة حينها هى أن يكون ذلك ادعاء وتمثيلا.
والخلاصة فى المسألة أن أهل الادعاء والتمثيل من الممكن أن يخدعوك وأن تصدقهم، إلا أنك لا تستطيع أن تجزم جزما يقينينا حيالهم أنهم لا يدّعون.
أما أهل الصدق والحقيقة، فإنك تصدقهم، وتستطيع أن تجزم تجاههم أنهم أهل حقيقة صادقون.
والشاهد أن هذا الربانى الذى نحسبه، قال كلمة هى من زُبد الربانيين التى لا تأتى إلا من أمثالهم، فإن كان لأهل الفكر والثقافة مأثوراتهم وتعبيراتهم الموفقة القادمة من خلفياتهم الفكرية والثقافية، فإن الربانيين هؤلاء تكون لهم نظراتهم وتعبيراتهم ذات المسحة الربانية التى يمسحها عليها ربهم، الذى تعلقوا به وانتسبوا إليه.
حفرنا الخندق وننتظر الريح. كلمة موحية تلخص لنا الحال الذى نحن عليه الآن فى معركتنا الدائرة بيننا وبين أهل الباطل الانقلابى.
فهى معركة تشبه إلى حد كبير يقترب من التماثل معركة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع المشركين والكافرين فى غزوة الخندق.
ففى غزوة الخندق اجتمعت على النبى صلى الله عليه وسلم الجموع (الأحزاب)، ورمته عن قوس واحدة.
وفى معركتنا هذه اجتمعت علينا الجموع كلها (العسكر والداخلية والعلمانيون والفلول والقضاء والإعلام)، ورمونا عن قوس واحدة.
وفى غزوة الخندق جاءت الخيانة للنبى صلى الله عليه وسلم من حلفائه اليهود، من وراء ظهره.
وفى معركتنا هذه جاءتنا الخيانة من إخواننا من أبناء التيار الإسلامى (حزب النور)، الذى كان من المفروض أن يكون ظهيرنا وحامينا.
وفى غزوة الخندق يعلم النبى صلى الله عليه وسلم بخطر العدو ومقدرته، فيتخندق هو وأصحابه خلف خندق حفروه على أبواب المدينة.
وفى معركتنا هذه نتخندق نحن أمام هذا العدو الباطش خلف إيماننا وصبرنا وثباتنا.
وفى غزوة الخندق يكون المشهد فى أول المعركة، مشهد العدو المنتصر المحاصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى معركتنا هذه يكون المشهد من أول المعركة إلى الآن مشهد العدو الانقلابى المنتصر الذى انقلب علينا وعزلنا ثم قتلنا وسجننا.
وفى غزوة الخندق كان مشهد المؤمنين الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا بالله الظنون، كلٌ يكون ظنه على حسب درجة إيمانه ويقينه.
وفى معركتنا هذه تضيق علينا الأرض، وتضيق أنفسنا، ونظن بالله الظنون، كلٌ على حسب درجة إيمانه ويقينه.
وفى غزوة الخندق يجهد النبى صلى الله عليه وسلم وصحبه فى تلمس كل سبب، ليردوا به عنهم عدوان هؤلاء الأحزاب، فيحفرون الخندق، ويثبتون خلفه، فى شدة كبيرة، ومشهد من الثبات المبهر، فيؤدون بذلك ما عليهم، وينتظرون فعل الله ونصره.
وفى معركتنا هذه نثبت ثبات الجبال، ونصبر صبر الرجال، فلا نلين ولا نستكين، ويصبح المشهد مشهد ثبات مبهر، يعلم الأجيال على مدار التاريخ القادم، ثم نحن الآن فى انتظار فعل الله ونصره.
وهنا تأتى الخاتمة الأخيرة.
فى غزوة الخندق، يرى الله سبحانه وتعالى طغيان العدو ومقدرته، ويرى اجتهاد أهل الحق وثباتهم وصبرهم، فيكون نصر الله العاجل، فتأتى الريح على عدو الله وعدوهم، فتقلب القدور، وتطير الخدور، وترجف الصدور، فيولى الكافرون أدبارهم، فارين بأنفسهم لا يلوون على شىء.
وفى معركتنا هذه، يرى الله ثباتنا وصبرنا، ونحن أهل حق لا محالة، وعدونا أهل باطل، والصورة واضحة لا لبس فيها ولا غبش.
وهنا يكون انتظار الريح، وما هى منا ببعيد، ولا هى أولا ببعيدة على الله.
فيا ربنا حورب النبى وصحبه وحوربنا، وحوصر النبى وصحبه وحوصرنا، وجهد النبى وصحبه وجهدنا، وثبت النبى وصحبه وثبتنا، وصبر النبى وصحبه وصبرنا، وبغى العدو عليهم وكذلك بنا.
ثم بعثت الريح إليهم، فهلا لنا، فهلا لنا، فهلا لنا.-