لماذا تصر الحكومة المصرية على اتهام الإخوان المسلمين وتحميلهم مسؤولية أي عمل إرهابي، مع أن الجماعات الجهادية تعلن مسؤوليتها عنها؟
سؤال طرحه ديفيد بارنيت في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، وقدم عليه عددا من الإجابات.
بدأ بارنيت من آخر هجوم نفذ في 16 شباط/ فبراير الحالي عندما قام شخص بتفجير نفسه في حافلة سياح كانت تنتظر العبور من طابا المصرية إلى إسرائيل. وأدى الحادث لتمزيق الباص وقتل ثلاثة سياح من كوريا الجنوبية وسائق الحافلة.
ولم يكن هناك أدنى شك حول الفاعل ، لأن القائمين على الأمور في القاهرة يلقون دائما المسؤولية على جماعة الإخوان المسلمين.
فمنذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي; والحكومة المدعومة من الجيش، تصر على وقوف الإخوان المسلمين وراء العمليات الإرهابية التي زادت في كل أنحاء البلاد.
ويرى الكاتب أن هذا الزعم "كان المكون الرئيس في تبرير السلطة لحملات القمع المستمرة، فقد دعا قائد الجيش عبد الفتاح السيسي بعد انقلاب العام الماضي بفترة قصيرة إلى تظاهرات كبيرة من أجل منحه تفويضا لمواجهة "العنف والإرهاب"، وأعلنت الحكومة في 25 كانون الأول/ ديسمبر، اعتبار جماعة الإخوان المسلمين "منظمة إرهابية".
ويضيف الكاتب أن الحكومة تعتقل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين على زعم صلاتهم بالإرهاب. مشيرا إلى إعلان الحكومة في 9 شباط/ فبراير عن اعتقال أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين لتورطهم -كما تقول- بقتل خمسة من عناصر الشرطة في بلدة بني سويف في نهاية كانون الثاني/ يناير. وقدمت الحكومة لائحة اتهامات.
لكنْ في مصر اليوم فإنه "من الصعب فصل المزاعم عن الحملة المدفوعة سياسيا التي تقوم بها الحكومة ضد غريمها التقليدي" الإخوان المسلمين.
ويعلق الكاتب قائلا: "مما لا شك فيه، أن التهديد الإرهابي الحقيقي لمصر لا ينبع من الإخوان المسلمين، بل من الجماعة الجهادية، أنصار بيت المقدس، التي شنت في الأشهر الأخيرة وابلا من الهجمات في قاعدتها التقيليدية في شمال سيناء، ووسعت من رقعة هجماتها.
ورغم كل هذا، فإن الحكومة المصرية تبدو مهووسة بوضع الإخوان المسلمين وجماعة أنصار بيت المقدس في سلة واحدة.
فإعلان أن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية جاء بعد يوم واحد من الهجوم الذي نفذته أنصار بيت المقدس في مدينة المنصورة. ومع أن الجماعة هذه أعلنت مسؤوليتها عن الحادث وغيره، لكن الحكومة أصرت على تحميل الإخوان المسؤولية.
ولوحظت نفس الدينامية في تفجير طابا، حيث حملت وزارة الداخلية المصرية الإخوان المسؤولية، مع أن الفاعل أعلن عن نفسه وتحمل المسؤولية.
ويشير الكاتب إلى تكرار المسؤولين المصريين الحديث عن علاقة الإخوان المسلمين بأنصار بيت المقدس وكتيبة الفرقان (واحدة من الجماعات الجهادية)، وأن الإخوان -حسب مزاعم وزير الداخلية محمد إبراهيم الذي تعرض لمحاولة اغتيال في أيلول/ سبتمبر- قاموا بتمويل وتسليح أنصار بيت المقدس وتحالفوا معها.
فيما زعم مسؤولون آخرون أن القيادي البارز في الإخوان خيرت الشاطر، دفع لمحمد الظواهري، شقيق زعيم القاعدة أيمن الظواهري الملايين لشراء الأسلحة وتوزيعها على جهاديي سيناء "لكننا بانتظار الأدلة".
وكل ما قدم حتى الآن دعاية وفبركات؛ ففي كانون الثاني/ يناير، نشرت وزارة الداخلية شريط فيديو قالت إنه يثبت العلاقة بين الإخوان والجهاديين. وزعمت أن فيه اعترافات ليحيي منجي، التي ادعت أنه ابن أحد مسؤولي الإخوان المسلمين. وقال منجي إنه انضم للإخوان عام 2011 ولعب دورا في هجوم المنصورة، لكن والده نفى أن يكون هو نفسه عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، ونفت الأخيرة أي علاقة بهذا الشخص.
وحتى وإن كان الإخوان وعائلة منجي يغطون عليه، فإن اعترافات منجي لا تمثل الدليل القاطع كما يقول بارنيت، لأن انضمام عضو واحد من الإخوان المسلمين لأنصار بيت المقدس لا يعني أنها مملوكة للإخوان وتدار من قبلهم.
ويقول الكاتب: "لا شك أن بعض عناصر أنصار بيت المقدس كانوا في السابق أعضاء في الإخوان المسلمين، فأحمد وجيه الذي قتل في أيلول/ سبتمبر 2012 في مواجهات على الحدود مع إسرائيل، لم يخف علاقته بالإخوان المسلمين التي تركها لأنها لم تعلن الجهاد".
وفي شريط فيديو نشرته أنصار بيت المقدس عام 2013، ظهر وجيه وهو يقول: "كنت عضوا في الإخوان المسلمين ووثقت بقيادتها بالكامل، وتربيت على أيديهم عندما كنت شابا"، ولكنه دهش عندما تولى الإخوان الحكم لأنهم تخلوا عن مبادئهم وطريق الجهاد.
ولا يعرف بالتحديد حجم الإخوان المسلمين السابقين في أنصار بيت المقدس، لكن من الواضح أنها تحاول جذب العناصر التي تشعر بالخيبة والحنق على الوضع الحالي، كما في شريط الفيديو الذي نشر للانتحاري وليد بدر، ففيه دعا الإسلاميين التوقف عن اللعب "لماذا تتكاسلون عن المواجهة المسلحة، فالمنطق يقول إن الحديد لا يفله غير الحديد".
ولا يعرف الكثير عن عدد مقاتلي أنصار بيت المقدس، أو هويتهم وما هي الظروف والأرضية الاجتماعية التي جاءوا منها، "لكن هذا على ما لا يبدو لا يهم النظام في القاهرة الذي يواصل الدفع بزعمه من أن أنصار بيت المقدس إما موالية للإخوان أو انهما منظمة واحدة".
ويقول بارنيت، إن "تصريحات لا مسؤولة صدرت من مسؤولين في الإخوان حول أحداث العنف الأخيرة"، لكن "ما هو مؤكد هو عدم وجود دليل حقيقي وشامل يفصل تورط الإخوان في هجمات أنصار بيت المقدس وتمويله لها".
ويختم بالقول، إن الاتهامات الأخيرة رغم ما قيل عن مرسي وموقفه من الجهاديين في سيناء، وأنه أطلق سراح إسلاميين ودعوته للقتال في سوريا، تظل "متجذرة في السياسة لا الواقع".
وفي الحقيقة، فقد أثبت تحقيق مصري أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر بعد الإطاحة بحسني مبارك أطلق سراح إسلاميين أكثر مما فعل مرسي.
وكشف التحقيق عن كذب المسؤولين المصريين حول من قبض عليه من المشتبه بهم. ففي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2013، أعلن المسؤولون المصريون عن اعتقال نبيل المغربي الذي قال المسؤولون إنه مقرب من وليد بدر، وتم الإفراج عنه بعفو من مرسي. وفي الحقيقة، فقد تم الإفراج عن المغربي بموجب عفو أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حزيران/ يونيو 2011.
ويقول بارنيت إن الحكومة المصرية على ما يبدو مصممة على تشويه سمعة الإخوان المسلمين بربطها بأنصار بيت المقدس. وفي غياب أي دليل واضح; يثبت العلاقة فإن هذه السياسة بدأت تعطي نتائج عكسية من طريقين: الأول، أنها ساعدت في تعزيز الموقف الخارجي من النظام ومعاداته للديمقراطية، والثاني، أن الحكومة تقوم بدفع الكادر الصغير والمتشدد في الإخوان لاحتضان الجماعات الجهادية وتبني طريق العنف.
هذا يعني تصعيد وتعزيز الجماعات الجهادية، بدلا من القضاء عليها. وكل هذا بسبب إصرار الحكومة على ربط الإخوان بالعنف والإرهاب.