لم يجب الإسلاميون على سؤال "المشروع الإسلامي".. بمعنى ما هو هذا المشروع تفصيلا؟! قبل الربيع العربي، كان ثمة اتهامات بأن الإسلاميين بلا مشروع.. وهي الاتهامات التي كان من السهل وصفها بـ"المكايدة الأيديولوجية"، لأن الإسلاميين ـ في ذلك الوقت ـ كانوا خارج السلطة "جماعة مستضعفة"، وكان من الصعب اختبار "المشروع الإسلامي" الذي يتحدثون عنه. ومع ذلك لم يكن من الصعب، استشراف وعي الإسلاميين، بأدوات الدولة الحديثة، وما إذا كانوا يدركون الأبعاد الفاصلة بين "الدعوة" و"السياسة"، أو بين العمل الأهلي والنشاط السياسي. ففي بعض الدول التي سمح فيها للإسلاميين بالدخول في البرلمانات المنتخبة، مارس الإسلاميون العمل البرلماني بخبرات "الجمعيات الخيرية".. وتشابهت الدعايات في الدوائر التي يمثلها الإسلاميون في البرلمان، واقتصرت على تنظيم رحلات الحج والعمرة، وتنظيم دورات لحفظ القرآن الكريم، وكفالة الأيتام والأرامل وما شابه، فيما اختفى وعيهم بالبرلمان كـ"أداة تشريع" وليس "جمعية" ملحقة بإدارة مسجد في حي شعبي فقير. صحيح ـ إذن ـ بأنه كان من الصعب اختبار "المشروع الإسلامي"، قبل الربيع العربي، غير أن الإسلاميين ظلوا حاضرين نسبيا في قلب المشهد السياسي الحركي "البرلمانات"، وهي الممارسة التي خضعت للمراقبة والتدقيق، وتحليل مضمونها، ولم تكن في مجملها تبعث على التفاؤل، بشأن المستقبل حال وصولهم إلى السلطة. والحال أن المشروع الإسلامي، ظل "لافتة فضفاضة"، ولم يجب الإسلاميون على كثير من الأسئلة التي طرحت بشأنه، ربما لأن "مرحلة الاستضعاف" عادة ما ترتب الأولويات على النحو الذي يجعل "التنظير" ترفا للجماعات التي تتعرض للقمع والترويع الأمني، غير أن تفاصيل المشروع، كان يمثل تحديا يوميا، أمام تساؤلات القوى العلمانية واليسارية والليبرالية المناوئة للتيار الإسلامي، والتي تعتقد بأن هذا الأخير ليس لديه مشروع حقيقي، وإنما خطاب دعائي، لتوسيع القاعدة الشعبية الحاضنة له. كان من أخطاء الإعلان عن "مشروع" لا يعرف عنه الرأي العام شيئا، أن ترك انطباعا بأنه ليس مشروعا بالمعنى "المعرفي" الذي يعرفه السياسيون الاحترافيون، وإنما نوع من "الإحياء الديني" بتجلياته التاريخية "الخلافة".. ما أضاف المزيد من القلق والمخاوف والتوجس من الإسلاميين ونواياهم إزاء الحداثة السياسية. إذ يظل "الإحياء الديني" في المخيال العام ـ والعلماني كذلك ـ مختصرا في "الشريعة" والأخيرة مختزلة في "الحدود".. وهو ظلم كبير للخبرة السياسية الإسلامية، يُخفي فحواها الإنساني والحقوقي والقانوني بوصفها "حضارة رحمة" .. غير أن الإسلاميين المعاصريين ـ بلا وعي منهم ـ جعلوها "حضارة زجر". أضف إلى ذلك، أن "الإحياء" يرتبط بـ"التاريخ" وليس بالتجديد أو الإصلاح، ما جعل منه محاولة لاستنساخ "الخلافة".. وهو ليس افتراضا في الفراغ، فهناك أحزاب ـ مثل حزب التحرير ـ تتحدث صراحة عن "الخلافة" وتتكلم عن "ولاية مصر" و"ولاية الجزيرة" و"ولاية الشام".. وهكذا.. فيما بينت تجربة وجود الإسلاميين في الحكم بعد الربيع العربي، بأن الجماعات الأكثر اعتدالا، التي وصلت إلى السلطة، تحدثت أيضا عن نيتها في تأسيس دولة خلافة تكون عاصمتها "القدس" المحتلة!! كل ذلك.. أسس لوعي محلي وإقليمي ودولي، اعتقد بأن "المشروع الإسلامي" هو مشروع "صدامي".. يصطدم بـ"الدولة الوطنية" وهي في حماية قوى محلية علمانية مؤيدة بشكل كامل من الغرب، وكذلك مناهض لميراث الحرب العالمية الأولى اتفاقية "سايكس ـ بيكو"، وهي اتفاقية في حماية المجتمع الدولي والقوى الدولية التي تتحكم في صناعة القرار الدولي والإقليمي والمحلي أيضا.. ما خلف بيئة دولية ممتدة شرقا وغربا .. شمالا وجنوبا معادية للإسلاميين وترفض وصولهم إلى السلطة.. ولا تعبأ بقمعهم مهما كانت وحشيته. أنا لا أشك في عدالة قضية الإسلاميين ولا في نبل مشروعهم الأخلاقي.. ولكني أزعم بأن جزءا من محنتهم ربما يتعلق بوعيهم بمفهوم السنن الكونية والاجتماعية التي لا يمكن أن تستقيم حياة أمة إلا بالأخذ بها. فالمسألة تحتاج إلى المصارحة والكلام بوضوح ـ حتى لو كان صادما ـ بأن القضية تحتاج إلى مراجعة جادة وجسورة لـ"فقه الواقع" و"فقه الاولويات" ولفهم صحيح لسنة الله تعالى في خلقه. Almesryoonmahmod@gmail.com