ما يحدث في أسوان على مدار الأيام الثلاثة الأخيرة خطير للغاية ، وصحيح أن عدد الضحايا مؤلم جدا وخطير في حد ذاته ، ولكني أتصور أن دلالة الحدث أشد خطورة من نتائجه المعلنة حتى الآن ، والأخبار التي ترد حتى كتابة هذه السطور تفيد بأن عدد القتلى زاد خمسة أشخاص اليوم بعد تجدد الاشتباكات ، وبعد الرحلة المباركة لرئيس مجلس الوزراء مصحوبا بوزير الداخلية ، تفجرت الأحداث في اليوم التالي للزيارة ، بمعنى أن لا قيمة لمن ذهبوا ، لا رئيس الوزراء ولا وزير الداخلية ، والحقيقة أن أحداث أسوان ليست استثناءا مما يحدث في مصر الآن ، ربما حجم الضحايا لفت الانتباه بقوة لما يحدث هناك ، ولكن هناك مناطق أخرى في عموم مصر ، من الصعيد للدلتا تعرف مثل هذه الأحداث في الأشهر الماضية بصورة متكررة ، وهناك واقعة حدثت على أطراف العاصمة ذاتها قبل أسابيع بين قريتين من قرى الجيزة واستخدمت فيها أسلحة ثقيلة ، ولكن لأن ألطاف الله حفظت البلاد من الدماء والقتل فمرت بسلام . تعجل المتحدث باسم القوات المسلحة أمس واتهم الإخوان المسلمين بالتورط في تلك الأحداث ، بدعوى أن مدرسا إخوانيا حرض الطرفين على بعضهما البعض ، وهذا ـ إن صح ـ يعني أن الحالة في البلد رخوة جدا أو ملتهبة وسريعة الاشتعال وأصبحت مؤهلة للاستجابة لأي صوت مهما كان تافها لتقوم فيها الحروب الأهلية الطاحنة ، هذا إن صح الاتهام ، وهذا نذير شؤم على البلد ويعني أن خطر الحروب الأهلية الصغيرة ليس بعيدا عنها ، ولكن رئيس الوزراء بعد زيارته طلب تشكيل لجنة تقصي حقائق للوقوف على أسباب ما جرى هناك وتحديد المتهمين ، وهذا يعني أن إطلاق الاتهامات لهذا أو ذاك مبكرا كان خطأ وغير صحيح ، وهناك اتهامات نشرت في بعض الصحف والمواقع تصل إلى حد الإسفاف والتدني مثل اتهام المهندس خيرت الشاطر عضو مكتب ارشاد الإخوان المسجون منذ عدة أشهر بالتورط في أحداث أسوان ، غير أن بعض الإشارات التي يمكن أن تفهم في بيان المتحدث العسكري ، وما تسرب من أخبار أخرى أقل موثوقية من أن هناك خلفيات سياسية بشكل جزئي وراء الأحداث في أسوان ، من شأنها أن تضفي أبعادا أكثر خطورة ، إذ تردد أن الهلالية من المؤيدين لمرسي وأنصار الشرعية وأن الدابودية من المؤيدين للسيسي ، فلو صح ذلك فإنه سيجرنا إلى تأمل سيناريوهات كابوسية يمكن أن تحدث في مصر خلال المرحلة المقبلة على خلفية الانقسام السياسي بعد الإطاحة بمرسي ، خاصة مع انتشار السلاح في أيدي العائلات والأفراد على نطاق واسع ، أضف إلى ذلك تسريبات إعلامية وحقوقية عن انتماء قيادات أمنية وسياسية رفيعة إلى هذه العائلة أو تلك القبيلة ، بما يعني أن جسم الدولة نفسه مخترق ومتورط في تلك المواجهات . أيضا ما حدث ويحدث في أسوان يعطي انطباعا بأن الدولة المصرية في أضعف حالاتها ، وأن أجهزتها ومؤسساتها أهون من أن تسيطر على أطراف البلاد وتمنع الاشتباكات المسلحة بين القبائل والعائلات ، أو أن الدولة مستنزفة في صراعها السياسي مع أنصار مرسي مما يجعلها غير قادرة على استيعاب هذا التهديد الاجتماعي الخطير ، وهناك إجماع من الشهادات التي أدلى بها شهود عيان في الأحداث أن الدولة غائبة ، والشرطة غير موجودة أو تتفرج على الأحداث من بعيد لبعيد ، وأن محافظ أسوان استغاث بالقوات المسلحة التي أرسلت طائراتها تزمجر فوق المدينة وضواحيها قبل أن تختفي لتعود المعارك من جديد ، ومن مساخر الأحداث أن المحافظ حاول أن يصل إلى موقع الأحداث لمقابلة الأطراف فيها فطرقع الرصاص فوق رأسه فعاد مذعورا إلى مكتبه . عندما يعيش الوطن أجواء مشحونة بالعنف المفرط واسترخاص الدم ، وحالة العدالة فيه ليست على ما يرام ، والقانون يفرضه من يحمل السلاح وليس من يحمل الحق ، فإنه من الطبيعي أن ينتشر العنف في أي لحظة وأي مكان لأهون الأسباب ولأي شرر مهما كان صغيرا أو تافها ، نسأل الله اللطف بمصر وشعبها . almesryoongamal@gmail.com twitter: @GamalSultan1