منذ انقلاب الثالث من يوليو، تشهد مصر تنامي دكتاتورية عسكرية جديدة يقودها المشير عبد الفتاح السيسي.
ويكشف إعلان السيسي مؤخرا ترشحه للانتخابات الرئاسية عن محاولة عنيدة من الجيش المصري لتعزيز سلطته ووأد آمال المصريين في الحصول على ديمقراطية حقيقية.
وطيلة الشهور القليلة الماضية، يعمل الإعلام المصري ومؤسسات الدولة بشراسة من أجل فسح المجال أمام رئاسة السيسي من خلال التعريض بمنافسيه السياسيين وتشويههم.
وعلى مدى العقود الستة الماضية، زرع الجيش المصري ضباطه وجنرالته في جلّ أوجه الحياة المدنية بدءا من مصانع المعكرونة والشوربة وانتهاء ببناء ملاعب كرة القدم والجسور والبنى التحتية.
وبهذه السياسة نجح الجيش في توسيع سيطرته ومراقبته دواليب الدولة. وكان من تداعيات "عسكرة" مؤسسات الدولة المصرية، والتي تعززت خلال حكم مبارك الذي دلّل بكيفية منهجية كبار الضباط، ضعفت المؤسسات العمومية، وأنشئت طبقة سياسية ضعيفة ومتشرذمة تدعم حاليا استلام الجيش للسلطة.
الحلفاء الخليجيون
ويعتقد السيسي أنّ الدعم الإقليمي الذي يتلقاه أساسا من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اللتين تأملان إجهاض الربيع العربي، أنه بإمكانه القضاء على الغضب المتنامي والإحباط بين أوساط الشباب المصري ولاسيما الإسلاميين الذين يتظاهرون يوميا تقريبا.
وبضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد المصري، تعتقد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أنه بإمكانهما امتلاك الجيش المصري واستخدامه كحصان طروادة لإقصاء الإسلاميين. وتريان في السيسي المنقذ، ليس فقط من الإسلاميين وإنما أكثر أهمية من ذلك التهديد الماثل بوضوح ألا وهو الديمقراطية . ولذلك فإنه ليس أمرا مفاجئا أن كليهما، السيسي والخليج، يتقاسمان نفس الذهنية الشمولية والسلوك. ولذلك فهم في أمس الحاجة إلى إعادة نفس أسلوب نظام حكم مبارك بوجه جديد.
وللمفاجأة، أو من دون مفاجأة، بقيت المجموعة الدولية تشاهد، وكأن عيونها مغمضة، إنتاج دكتاتورية جديدة في مصر من دون أن تفعل شيئا لمنع مثل هذا السيناريو.
الاستقرار مقابل الديمقراطية
أكثر من ذلك، ورغم تسجيل عدة انتهاكات لحقوق الإنسان وقتل مدنيين في غياب العدالة والمحاسبة، لم يقم المجتمع بأي شيء لمنع مثل هذه العمليات القمعية.
وفشل كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على نحو بائس في الضغط على الجيش للنأي بنفسه عن السياسة والعودة إلى ثكناته.
وحتى إدارة أوباما فقد كانت محل انتقادات واسعة بسبب سياساتها إزاء الطغمة المصرية، ويبدو وزير الخارجية جون كيري مصمما على عدم إثارة غضب المسؤولين المصريين. ولم يرحب فقط "بخارطة الطريق" التي فرضها العسكريون وإنما اعتبر أيضا أنّ "المصريين يتابعون الطريق الصحيح."
وعلى ما يبدو فإنّ سياسة الولايات المتحدة بشأن مصر مازال يقودها وهم "عريق" وتبرير مظلل مفاده يتعلق بثنائية إما الاستقرار أو الديمقراطية-.
ويعتقد الساسة الأمريكيون أنّ الجيش المصري هو القوة الوحيدة القادرة على الحفاظ على الاستقرار والأمن. ولكن ينبغي فقط النظر في تجربة الشهور الثمانية الماضية لنعرف أنّ التبرير ليس سوى أسطورة. وببساطة فإنّ مستوى العنف والقتل والإصابات الحالي يعدّ غير مسبوق في تاريخ البلاد الحديث.
ومثال ذلك أنّ شبه جزيرة سيناء، التي تمسح 6 بالمائة من الأراضي المصرية، تبدو تقريبا خارج سيطرة الحكومة المركزية. ورغم الحملة الأمنية الصارمة هناك فإنّ المسلحين الإسلاميين مازالوا يمثلون تهديدا خطيرا لأمن مصر القومي.
وأكثر من ذلك، فإنّ وزارة الداخلية فشلت في تأمين منشآتها وعرباتها كما أنها تعاني للحفاظ على أمن موظفيها الذين باتوا أهدافا للمسلحين الإسلاميين.
انفجار اجتماعي
ولن تكون رئاسة السيسي المرجحة بقوة، قادرة على جلب الاستقرار والأمن للبلاد. ففي الواقع فإنه أصبح جزءا من المشكلة وليس حلا لها- .
ورغم أنه حصل على دعم شعبي مهم بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي، إلا أنه لا توجد ضمانات على أن "السيسيمانيا" ستستمر عندما يصبح رئيسا. فقد أثبتت السنوات الثلاث الماضية مدى تقلب مزاج المصريين والذي يمكن أن ينتقل من النقيض إلى النقيض بسرعة وقد يتم ذلك مع السيسي إذا لم يسرع بإيجاد حلول جذرية للاقتصاد المريض والمشاكل الاجتماعية. فمصر قريبة جدا من انفجار اجتماعي سببه البطالة والفقر والفساد.
وأكثر من ذلك، فإنّ مصر تشهد أكبر موجة إضرابات عمالية منذ يناير/كانون الثاني 2011. ومن دون سياسة اقتصادية متماسكة، لن تكون رئاسة السيسي قادرة على التقليل من مخاوف مصريين يرون في المشير جمال عبد الناصر الجديد.
ومن المؤكد أن حلفاء السيسي الخليجيين سيستمرون في توفير الدعم وعلى الأقل لفترة. وهذه الأموال يمكنها أن توفر له بعض الوقت ولكنها لن تجلب الاستقرار بالتأكيد.
ولقد أظهر التاريخ أن إقصاء الإسلاميين، لم يفض سوى إلى مزيد من التشدد وعدم الاستقرار. وليست تجارب السبعينيات والثمانينيات في كل من سوريا والجزائر ومصر وباكستان، إلا أمثلة واضحة على ذلك.
ومن المرجح أن تكون رئاسة السيسي عاملا مهما في عدم الاستقرار وعدم الأمن في المنطقة ومن المرجح أن تتسبب في ظهور مزيد من المتشددين والمتطرفين. ولذلك فمن المهم أن لا يمنح المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أي مصداقية للانتخابات المزيفة التي ستؤدي به إلى الرئاسة.