الكلام عن أن مصر فى خطر يحتاج إلى تحرير وتفكيك، ليس فقط من ناحية مضمون الخطر وإنما أيضا من جهة مصدره. وهذا الذى أدعو إليه يكتسب أهميته من أن مصطلح «الخطر» بات يتردد على ألسنة كثيرين من المسئولين ومن والاهم.
وقد أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى لقائه مع الإعلاميين أول من أمس «السبت 9/8». ذلك أننى أفهم الخطر بحسبانه كل عارض سلبى جسيم، يسبب ضررا بالغا لمصالح الكيان أو وجوده. وأفرق فى هذا الحالة بين خطر يهدد النظام وآخر يهدد الدولة. وهى تفرقة مهمة لأن خطابنا الشائع يعتبر تهديد النظام بمثابة إسقاط للدولة، مع أن ذلك غير صحيح على الإطلاق، وقد تتابعت على مصر أنظمة عدة فى حين ظلت الدولة ثابتة كما هى. بل إننا أحيانا نختزل الوطن والدولة فى الزعيم، ونعتبر أى نقد أو معارضة له، هجوما على النظام ودعوة لإسقاط الدولة، وتلك أيضا مغالطة أخرى تشيع حالة من الإرهاب الفكرى تدعو لقمع المعارضين وإسكات أصواتهم.
تشجعنا تلك المقدمة على طرح ثلاثة أسئلة جوهرية فى عملية التحرير والتفكيك، هى: إلى أى مدى تعتبر التحديات التى تواجهها مصر بحسبانها أخطارا تهددها؟، وعلى فرض وجودها فهل تهدد تلك الأخطار النظام القائم فى مصر أم الدولة المصرية؟ أما السؤال الثالث فهو: هل تلك الأخطار المفترضة خارجية أم داخلية؟
حين يفكر المرء فى السؤال الأول فقد تتراءى له تحديات ترقى إلى مستوى الأخطار. منها مثلا التداعيات المترتبة على بناء سد النهضة الإثيوبى التى من شأنها التأثير على حصة مصر من المياه، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى إماتة الزراعة على ما يذكر أغلب الخبراء، منها أيضا تفاقم الأزمة الاقتصادية بالقدر الذى يؤدى إلى إفلاس البلد ويفوق قدرة الناس على الاحتمال ــ منها ثالثا الانفجار السكانى إذا لم يتم التعامل معه بحكمة ورؤية. منها كذلك تصاعد مؤشرات التجاذب الداخلى بما يدفع البلد إلى مشارف الحرب الأهلية.. إلخ.
لا أظن أن الرئيس فى حديثه كان يقصد شيئا مما ذكرت، أو على الأقل فإن سياق حديثه لم يوفر لنا القرائن التى تسمح لنا بأن نعتبر أن تلك الملفات كانت فى خلفية حديثه عن الخطر ولكن شواهد الحال وسياقات الحوار دلت على أن الرئيس كان يقصد مجموعة المشكلات التى لاحت فى الأفق السياسى فى داخل مصر أو من جيرانها ومحيطها العربى ــ وربما بعض الضغوط الخارجية أيضا.
لن أحتاج إلى التفصيل فى الإجابة عن السؤال الثانى، لأن الدولة المصرية أثبت وأعرق من أن تتأثر بأية رياح تهب عليها أو أية سهام توجه إليها، بالتالى فإننا نصبح بصدد تحديات تواجه النظام المصرى بالدرجة الأولى. صحيح أن الدولة تقلص دورها ووزنها وخرجت من معادلة التأثير فى المنطقة فى عهد الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك، إلا أن ذلك كان بسبب السياسات التى اتبعاها، بما استصحبته من تبعية للخارج، وانكفاء على الداخل ولم يكن بسبب أية أخطار خارجية استهدفت مصر.
هل هذه الأخطار المفترضة أو المشكلات خارجية أم داخلية؟ هذا هو السؤال الثالث الذى طرحته وإجابتى عنه كالتالى: فى التقييم الموضوعى فإن الباحث لا يكاد يجد خطرا أو تحديا خارجيا يهدد مصر النظام أو الدولة. هناك مشكلات وخلافات صحيح، ولكنها ليست فى مستوى الخطر أو التهديد الوجودى، فالحدود مع إسرائيل، العدو التاريخى مؤمنة أو صارت كذلك، بحيث إن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب باتت أفضل منها بين القاهرة وبعض عواصم الدول العربية والمجاورة، ولا توجد خلافات حدودية تذكر مع السودان، حتى ملف مثلث حلايب يظل موضوعا خلافيا لا يمثل خطرا أو تحديا. والفوضى الحاصلة فى ليبيا بكل عناوينها لا تمثل تهديدا لمصر من أى باب، والأوضاع ليست هادئة فى سيناء حقا، لكنها تحت السيطرة وتظل مصدرا للقلق وليست مصدرا للخطر. وكل الضجيج الذى يحدثه التنظيم الدولى للإخوان أو المنظمات الحقوقية الدولية، أو الاختلاف فى وجهات النظر مع واشنطن، أو حتى التجاذبات الحاصلة مع تركيا وقطر وإيران بدرجة أو بأخرى، وحتى القلق الحاصل من تقدم «داعش» فى العراق وسوريا، ذلك كله يتعذر وصفه بأنه أخطار تهدد مصر. وكل ما يقال عن مؤامرات فى الخارج هو ما اختلافات تم التهويل فيها أو سيناريوهات جرى اختراعها وتسويقها فى وسائل الإعلام لسبب أو آخر.
هذا التحليل والاستعراض يعنى أنه إذا كان هناك قلق حقيقى أو حتى خطر يهدد الاستقرار بمصر فى الأجل المنظور فمصدره مشكلات الداخل والسياسات المتبعة للتعامل معها، أتحدث تحديدا عن مشكلات الاستقطاب والإقصاء والسياسات الأمنية والاعتقالات العشوائية التى طالت الآلاف والمحاكمات غير العادلة والسياسات الاقتصادية التى ضاعفت من معاناة الفقراء والطبقة المتوسطة، والقوانين والإجراءات التى قيدت حرية التعبير وقمعت المتظاهرين السلميين.
إن حصوننا ليست مهددة من الخارج، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. والحديث عن أخطار قادمة من تلك الوجهة هو إما استسلام للوهم أو استنفار أريد به صرف الأنظار عن الأخطار الحقيقة التى ينبغى أن نتصدى لها، الأمر الذى يسوغ لى أن أقول إن التهديد الحقيقى لحصوننا له مصدر أساسى واحد هو الداخل. وإذا أردنا أن نتصدى له حقا فينبغى أن نتفرس فى وجوهنا جيدا أمام مرآة الحقيقة وأن نتحرى مواقع أقدامنا، قبل أن نتلفت حولنا كى نتلمسه فى الفضاء الخارجى.
f
وقد أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى لقائه مع الإعلاميين أول من أمس «السبت 9/8». ذلك أننى أفهم الخطر بحسبانه كل عارض سلبى جسيم، يسبب ضررا بالغا لمصالح الكيان أو وجوده. وأفرق فى هذا الحالة بين خطر يهدد النظام وآخر يهدد الدولة. وهى تفرقة مهمة لأن خطابنا الشائع يعتبر تهديد النظام بمثابة إسقاط للدولة، مع أن ذلك غير صحيح على الإطلاق، وقد تتابعت على مصر أنظمة عدة فى حين ظلت الدولة ثابتة كما هى. بل إننا أحيانا نختزل الوطن والدولة فى الزعيم، ونعتبر أى نقد أو معارضة له، هجوما على النظام ودعوة لإسقاط الدولة، وتلك أيضا مغالطة أخرى تشيع حالة من الإرهاب الفكرى تدعو لقمع المعارضين وإسكات أصواتهم.
تشجعنا تلك المقدمة على طرح ثلاثة أسئلة جوهرية فى عملية التحرير والتفكيك، هى: إلى أى مدى تعتبر التحديات التى تواجهها مصر بحسبانها أخطارا تهددها؟، وعلى فرض وجودها فهل تهدد تلك الأخطار النظام القائم فى مصر أم الدولة المصرية؟ أما السؤال الثالث فهو: هل تلك الأخطار المفترضة خارجية أم داخلية؟
حين يفكر المرء فى السؤال الأول فقد تتراءى له تحديات ترقى إلى مستوى الأخطار. منها مثلا التداعيات المترتبة على بناء سد النهضة الإثيوبى التى من شأنها التأثير على حصة مصر من المياه، الأمر الذى يمكن أن يؤدى إلى إماتة الزراعة على ما يذكر أغلب الخبراء، منها أيضا تفاقم الأزمة الاقتصادية بالقدر الذى يؤدى إلى إفلاس البلد ويفوق قدرة الناس على الاحتمال ــ منها ثالثا الانفجار السكانى إذا لم يتم التعامل معه بحكمة ورؤية. منها كذلك تصاعد مؤشرات التجاذب الداخلى بما يدفع البلد إلى مشارف الحرب الأهلية.. إلخ.
لا أظن أن الرئيس فى حديثه كان يقصد شيئا مما ذكرت، أو على الأقل فإن سياق حديثه لم يوفر لنا القرائن التى تسمح لنا بأن نعتبر أن تلك الملفات كانت فى خلفية حديثه عن الخطر ولكن شواهد الحال وسياقات الحوار دلت على أن الرئيس كان يقصد مجموعة المشكلات التى لاحت فى الأفق السياسى فى داخل مصر أو من جيرانها ومحيطها العربى ــ وربما بعض الضغوط الخارجية أيضا.
لن أحتاج إلى التفصيل فى الإجابة عن السؤال الثانى، لأن الدولة المصرية أثبت وأعرق من أن تتأثر بأية رياح تهب عليها أو أية سهام توجه إليها، بالتالى فإننا نصبح بصدد تحديات تواجه النظام المصرى بالدرجة الأولى. صحيح أن الدولة تقلص دورها ووزنها وخرجت من معادلة التأثير فى المنطقة فى عهد الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك، إلا أن ذلك كان بسبب السياسات التى اتبعاها، بما استصحبته من تبعية للخارج، وانكفاء على الداخل ولم يكن بسبب أية أخطار خارجية استهدفت مصر.
هل هذه الأخطار المفترضة أو المشكلات خارجية أم داخلية؟ هذا هو السؤال الثالث الذى طرحته وإجابتى عنه كالتالى: فى التقييم الموضوعى فإن الباحث لا يكاد يجد خطرا أو تحديا خارجيا يهدد مصر النظام أو الدولة. هناك مشكلات وخلافات صحيح، ولكنها ليست فى مستوى الخطر أو التهديد الوجودى، فالحدود مع إسرائيل، العدو التاريخى مؤمنة أو صارت كذلك، بحيث إن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب باتت أفضل منها بين القاهرة وبعض عواصم الدول العربية والمجاورة، ولا توجد خلافات حدودية تذكر مع السودان، حتى ملف مثلث حلايب يظل موضوعا خلافيا لا يمثل خطرا أو تحديا. والفوضى الحاصلة فى ليبيا بكل عناوينها لا تمثل تهديدا لمصر من أى باب، والأوضاع ليست هادئة فى سيناء حقا، لكنها تحت السيطرة وتظل مصدرا للقلق وليست مصدرا للخطر. وكل الضجيج الذى يحدثه التنظيم الدولى للإخوان أو المنظمات الحقوقية الدولية، أو الاختلاف فى وجهات النظر مع واشنطن، أو حتى التجاذبات الحاصلة مع تركيا وقطر وإيران بدرجة أو بأخرى، وحتى القلق الحاصل من تقدم «داعش» فى العراق وسوريا، ذلك كله يتعذر وصفه بأنه أخطار تهدد مصر. وكل ما يقال عن مؤامرات فى الخارج هو ما اختلافات تم التهويل فيها أو سيناريوهات جرى اختراعها وتسويقها فى وسائل الإعلام لسبب أو آخر.
هذا التحليل والاستعراض يعنى أنه إذا كان هناك قلق حقيقى أو حتى خطر يهدد الاستقرار بمصر فى الأجل المنظور فمصدره مشكلات الداخل والسياسات المتبعة للتعامل معها، أتحدث تحديدا عن مشكلات الاستقطاب والإقصاء والسياسات الأمنية والاعتقالات العشوائية التى طالت الآلاف والمحاكمات غير العادلة والسياسات الاقتصادية التى ضاعفت من معاناة الفقراء والطبقة المتوسطة، والقوانين والإجراءات التى قيدت حرية التعبير وقمعت المتظاهرين السلميين.
إن حصوننا ليست مهددة من الخارج، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. والحديث عن أخطار قادمة من تلك الوجهة هو إما استسلام للوهم أو استنفار أريد به صرف الأنظار عن الأخطار الحقيقة التى ينبغى أن نتصدى لها، الأمر الذى يسوغ لى أن أقول إن التهديد الحقيقى لحصوننا له مصدر أساسى واحد هو الداخل. وإذا أردنا أن نتصدى له حقا فينبغى أن نتفرس فى وجوهنا جيدا أمام مرآة الحقيقة وأن نتحرى مواقع أقدامنا، قبل أن نتلفت حولنا كى نتلمسه فى الفضاء الخارجى.
f