كامل الحب والاحترام والتقدير لقواتنا المسلحة المصرية الباسلة التي رفض أبطالها الشرفاء قمع ثورة الشعب المصري في 25 يناير، وانحازوا للمطالب الشعبية المشروعة بخلع النظام المفسد ومحاكمته، وحافظوا على مؤسسات الدولة المصرية من الانهيار، وأعلنوا زهدهم في السلطة ورغبتهم في تسليمها للمدنيين خلال 6 أشهر.
ونظرا للظروف والمؤامرات التي تتعرض لها ثورة شعبنا البطل ـ الذي ذاق طعم الحرية والعزة والكرامة وقدم الشهداء الأبرار الذين فضلوا الموت الكريم على العيش الذليل ـ ومع تقدير الشعب المصري لقواته المسلحة فإنني أخشى أن يطالب بعض العاطفيين أو المنتفعين بإطالة أمد العسكر في السلطة لأسباب ومبررات واهية.
أما المنتفعون ـ وهم قلة ـ فلا يجدي معهم نصح فهم يعرفون جريمتهم في حق شعبهم ولن يبالوا بما يحدث لوطننا في سبيل مصالحهم الضيقة.
ولكن لإخواننا العاطفيين حق النصح علينا حتى لا تغرق سفينة الوطن التي تقلنا جميعا، ونقول لهم : مع تقديرنا للموهبة الفذة لجراح القلب المصري العالمي مجدي يعقوب، هل يجوز لنا أن نطلب منه رسما هندسيا لناطحة سحاب مصرية ؟! ، الجواب بالطبع سيكون : لا ، وذلك لأن هذا ليس تخصصه، فقد برع في الطب لا الهندسة، وكذلك الجيش الوطني المصري مهمته حماية حدود الوطن من الأعداء لا تولي زمام الحياة السياسية.
وللتدليل على الكوارث التي تنتج عن تولي العسكر للحكم في أي بلد في العالم وليس مصر فقط، فإننا نسوق الأمثلة الآتية من قارات العالم المختلفة آسيا وأفريقيا وأوربا وأمريكا لعلنا نأخذ منها عبرة :
ـ حكم الجنرال سوهارتو إندونيسيا لمدة ثلاثين عاما بعد انقلاب عسكري في عام 1968م وحتى عام 1998م فأفقر شعبها ومزق أوصالها، ويكفي المقارنة بينها وبين جارتها ماليزيا المزدهرة اقتصاديا نتيجة تمتعها بالحكم الديمقراطي حتى نشعر بمدى جناية حكم العسكر على إندونيسيا.
ـ رزحت باكستان تحت الحكم العسكري لمدة 50 سنة ـ إلا فترات قليلة ـ منذ أول انقلاب عسكري بقيادة أيوب خان عام 1958م وحتى استقالة الجنرال برويز مشرف عام 2008م، ومازال شعبها يعاني الفقر ويمد يده للأصدقاء والأعداء، وانقسمت البلاد إلى شطرين بنجلاديش وباكستان بعد هزيمتها من جارتها الهند الدولة الديمقراطية التي تقدمت في مجالات عديدة كعلوم وصناعة الكمبيوتر والفضاء والسيارات وغيرها.
ـ على الرغم من أن زائير ثالثة دول القارة الإفريقية مساحةً، ويتوسطها نهر زائير بروافده العديدة، وعلى الرغم من وفرة الموارد الغذائية والمعدنية إلا أن الأوضاع المعيشية مزرية بل وكارثية نتيجة حكم الجنرال موبوتو سيسي سيكو لمدة 32 عاما من عام 1965م حتى سقط في عام 1997م، تمكن خلالها من تهريب 5 مليارات دولار أمريكي من المال العام إلى حسابه المصرفي الخاص في سويسرا.
ـ عانت تركيا من حكم العسكر المباشر وغير المباشر منذ عام 1923م، فزادت نسبة التضخم والدين الخارجي للدولة، وانخفضت قيمة العملة التركية، وفي عام 2002م ومع تسلم حزب الحرية والعدالة بزعامة رجب طيب أردوغان للحكم المدني بطريقة ديمقراطية عمل على تقليص نفوذ العسكر فصارت لتركيا مكانة دولية مرموقة وحقق اقتصادها طفرة كبيرة حتى صار ترتيبه اليوم يراوح بين المرتبتين 16 و17 عالمياً، والسادس أوروبياً.
ـ في عام 1964م أجبرت قوات عسكرية الرئيس البرازيلي على ترك منصبه، وأمسك الجنرالات بالحكم حتى عام 1985م عانى خلالها مواطنو البرازيل أشد المعاناة حتى أن أسطورة كرة القدم البرازيلي " بيليه " لم يسلم من تحقيقات الشرطة السياسية وكان يخضع للمراقبة، وصارت البرازيل مثقلة بالديون الخارجية ومعدلات التضخم والفقر الشديد والبطالة، فلما تحولت للديمقراطية صارت قطبا جنوبيا صاعدا لديه ثامن أقوي اقتصاد علي مستوي العالم.
وقد ذاقت مصر نفسها الأمرَّين من حكم العسكر طوال 60 عاما انتهت بثورة شعبية أطاحت بالديكتاتور حسني مبارك الذي أذل العباد وأفقر البلاد وأوصلها للحضيض في جميع المجالات، فهل يريد وطني عاقل تكرار المأساة ؟!!!