استمرت ظاهرة الهجوم الإعلامي على التيار الإسلامي، بلا تغير يذكر، منذ ما قبل الثورة إلى ما بعدها. والمشكلة الحقيقية ليست في وجود إعلام منحاز لاختيار سياسي بعينه، بقدر ما تكمن المشكلة في المنهج الإعلامي القائم على التشويه المتعمد للتيار الإسلامي، سواء كان تشويها جزئيا أو كليا. فوسائل الإعلام العلمانية، تحاول إعادة تفكيك صورة التيار الإسلامي، وتركيبها بصورة على غير حقيقته، أيا كانت تلك الحقيقة. مما ينتج عنه إذاعة صورة مشوهة وغير حقيقية عن التيار الإسلامي. وهذا المنهج، والذي استخدمه النظام السابق كثيرا أو دائما، يعتمد على فرضية أن وسائل الإعلام يمكنها أن تغير من حقيقة التيار الإسلامي لدى الناس، بالصورة التي تمكنها من تشويه صورته، وإبعاد مؤيديه عنه، مما يؤدي إلى تقليل القاعدة الشعبية المساندة له.
ومعنى هذا، أن بعض وسائل الإعلام تتصور أنها قادرة على خلق واقع غير دقيق، مما يجعل الناس تحكم على تيار من خلال هذا الواقع المتصور. وقد ترى بعض وسائل الإعلام أنها تقدم للقارئ أو المشاهد الصورة الحقيقية للتيار الإسلامي التي تغيب عنه، أو الصورة الحقيقية غير الظاهرة والتي لا يستطيع الناس الوصول لها، لذا تتصور أنها بذلك تفضح حقيقية التيار الإسلامي، بالصورة التي تمنعه من توسيع قاعدته الشعبية.
وكل هذه التصورات تقوم على فرضية خاطئة، وهي أن عامة الناس تستمد رؤيتها للواقع بالكامل من خلال وسائل الإعلام، وأن عامة الناس غير قادرين على معرفة الحقيقة بأنفسهم، وكأن التيار الإسلامي هو تيار قابع في مكان غير منظور، ولا يمكن للفرد العادي الاحتكاك المباشر به. في حين أن التيار الإسلامي هو تيار شعبي في الأساس، ولا وجود له إن لم يكن ملتحما بالناس، ولا يمكن له تكوين قاعدة شعبية من خلال وسائل الإعلام، بل يحتاج للاحتكاك الإنساني المباشر. لذا فالقاعدة الشعبية للتيار الإسلامي متشكلة من خلال التفاعل الاجتماعي، وأقوى روابطها تتمثل في شبكة العلاقات الاجتماعية، وهي المصدر الأول للمعرفة والحكم لدى عامة الناس. لذا فوسائل الإعلام العلماني تؤثر في الواقع على من لا يؤيد التيار الإسلامي ومن لا يعرفه، وليس على قاعدته الشعبية.
من هنا يتضح أن ما تقوم به وسائل الإعلام العلماني، يؤدي إلى تعميق مخاوف من يخاف من التيار الإسلامي، وتعميق الصورة المشوه عن التيار الإسلامي، لدى من لديه صورة مشوهه عنه، وبث صور مشوهه عنه لدى من لا يعرفه، وكل هذه الفئات ليست من القاعدة الشعبية المؤيدة للتيار الإسلامي، وغالبها من القاعدة الشعبية التي لن تؤيد التيار الإسلامي، وبعضها من القاعدة الشعبية التي يمكن أن تؤيد التيار الإسلامي، وهي الفئة التي تؤمن بمشروعه، ولكن لديها تخوف من التنظيمات والقيادات المعبرة عن هذا المشروع، أو ترى أن هذه التنظيمات والقيادات ليست معبرة عن المشروع الإسلامي الذي تؤمن به هذه الفئة، رغم أن الحقيقة غير ذلك.
وقد كان حصار النظام السابق للتيار الإسلامي، من العوامل الأساسية التي أدت إلى عدم تمكن التيار الإسلامي من الوصول إلى بعض الشرائح المؤهلة لقبول مشروعه في المجتمع. وهي نفس الشرائح التي أصبح لديها مخاوف من التيار الإسلامي بسبب إعلام النظام السابق والإعلام العلماني زمن النظام السابق، وهي ايضا نفس الشرائح تقريبا أو أقل، والتي لديها مخاوف من التيار الإسلامي بعد الثورة، بسبب حملات الهجوم التي يشنها الإعلام العلماني عليه. لأن كل الشرائح التي ترفض التيار الإسلامي وترفض المشروع الإسلامي، لم تتشكل بسبب الإعلام المعادي للتيار الإسلامي، بقدر ما تشكلت بسبب أسباب اجتماعية وثقافية، أو بسبب اختيارات اجتماعية وسياسية حياتية. لذا فإن ما يقوم به الإعلام العلماني من تعميق مخاوف هذه الشرائح غير المؤيدة للتيار الإسلامي، لا يضيف جديدا للخريطة المجتمعية والسياسية المصرية، بل يعمق فقط حالة الاستقطاب السياسي والمجتمعي والديني. ولكن الشرائح التي تدور حولها المعركة الحقيقية، هي الشرائح المؤهلة لتأييد التيار الإسلامي، والتي تشكل لديها خوف منه، وصورة مشوهة عنه، بسبب إعلام النظام السابق، والإعلام العلماني الذي شارك النظام السابق في تشويه التيار الإسلامي، وحل محله بعد الثورة. ولكن بعد الثورة لم يعد التيار الإسلامي محاصرا، فخطة حصاره التي عزلته عن شرائح من المجتمع، كانت خطة شديدة التعقيد والصرامة والقسوة، وقد سقطت مع الثورة. فأصبح التنافس متاحا على تلك الشرائح، وربما يفسر هذا سبب الهجوم الإعلامي العلماني الشرس، الذي يبدو أنه يدافع عن شرائح سيطر عليها وأبعدها عن التيار الإسلامي، ويخشى أن يفتقدها الآن.