/>

كسب حازم أبو إسماعيل.. وخسر المتنطعون.. وربحت 'سي بي سي' ( القدس العربي)

هذا مقال لاستاذ سليم عزوز نشر في جريدة القدس العربي




سليم عزوز

ليس بالضرورة أن تكون من أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية في مصر، لتقر بأنه كان مفاجأة في ردوده، وفي قدرته على إفحام خصومه. وقد كتبت من قبل انه لم يأخذ عن والده الراحل الشيخ صلاح أبو إسماعيل، إلا أنه يتميز مثله ببسطة في الجسم، ولم أكن أعلم انه يشاركه في الحضور الطاغي، وسرعة البديهة، والقدرة على المواجهة، مع فارق بالطبع، فالوالد كان حاداً، وابنه هادئاً الى درجة إزعاج خصمه.
في الأسبوع الماضي شاهدت مقابلتين تلفزيونين مع الشيخ، الأولي كانت على قناة 'الحياة'، والثاني كانت على فضائية 'سي بي سي'، الأولى كانت تقليدية، والثانية كانت جديدة في الشكل والمعالجة، الأولى كانت مباراة في طرح الأسئلة والمقاطعة دون اهتمام بالحصول على إجابات، حيث يطرح المذيع سؤاله، وبعد العبارة الأولى للضيف، تخبطه زميلته المذيعة بسؤال على أم رأسه، وكأن رواتب من يقدمون البرامج في 'الحياة' تتحدد وفق عدد الأسئلة المطروحة، ولم يكن الأمر هكذا في الثانية!
وقد غادرت 'الحياة'، وأنا اهتف: فهمتكم.. فهمتكم، فقد تبين لي أن الهدف هو حصار الضيف وعصره، وعدم تمكينه من 'غواية المشاهدين'، وذهبت الى 'روتانا سينما مش ح تقدر تغمض عينيك'، وهي الفضائية المفضلة لدى الرئيس المخلوع حسني مبارك، التي كان يريح بمشاهدته أعصابه، والتي ملت حقيقة من الراحة!
خيري رمضان استضاف الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، وحرص على أن يأخذ برنامجه شكلاً مختلفاً، لا يتدخل فيه هو إلا للضرورة، وجيء بثلاثة ليحاورونه، كان أحدهم خبيراً اقتصادياً ليس معروفاً لدينا، والآخران من النجوم: أسامة الغزالي حرب والإعلامية فريدة الشوباشي، وقد بدا واضحاً أنهم لا يعرفون المرشح المحتمل جيداً، فقد بنوا موقفهم على انه شيخ، سيهتم بقوة حنجرته على اهتمامه بأهمية ما يقول وبمجرد استفزازه سيخرج عن شعوره، وقد يقول لهم ثكلتكم أمهاتكم، واغرب عن وجهي يا ابن العانس وإلا ضربتك بالدرة على قفاك، وبشكل يفقده الثقة والاعتبار، ويجعله أضحوكة بين الأمم.
ومشكلة حازم هو مع من جاءوا إليه بانطباعات مسبقة، وترقبوا صدقها، وقال لمحاوريه لا تعاملوني بهذه الانطباعات، وقد فوجئت به هادئاً عن طبع لا عن قصد، وقد كان الجلوس مع والده متعة لخفة الروح، وعذوبة الحديث، لكنه كان شخصاً آخر عندما يقف في مجلس الشعب، الذي كان عضواً فيه لأربع دورات متتالية، فشل النظام خلالها في إسقاطه، وعندما كانت الوجوه قد عنت لحسني مبارك فلم تكن تسمع إلا همساً، ووقف الإخوان ليؤيدونه لدورة جديدة، قال انه يحجب ثقته عنه لأربعة أسباب. لا يتسع المجال لذكرهم!
وفي المحكمة التي كانت تحاكم تنظيم 'الناجون من النار' ذهب إلى هناك شاهد رأي لا شاهد رؤية، وقال ان النظام الذي لا يحكم بما أنزل الله كافر، وأراد ممثل النيابة، الذي أصبح محافظاً بعد ذلك أن يحرجه، وقال له أنت تقصد ان النظام الذي يحكم في مصر الآن كافر؟.. فرد عليه من الآخر: سيادة المستشار أنا أقول لك إن حسني مبارك كافر.

هدوء المرشح الرئاسي

حازم ليس فيه من عنف أبيه وشدته، فيقول كل ما يريد قوله بهدوء، وكأني به يوم ان جاء أبناء دائرة الوالد منذ قرابة ربع قرن، يخبرونه ان حازم خطب في مسجد القرية، وان كثيرين يقولون: انه أفضل من أبيه.. قالوها بعفوية البسطاء، ولمعت عينا الوالد، لمعة الفرح.
يقولون إن الإنسان لا يحب أحداً أفضل منه إلا ابنه، ويمثل حسني مبارك الاستثناء لهذه القاعدة، فقد كان الرأي عندي مستقر على انه لا يحب أحداً أفضل منه ولا ابنه، ولهذا فقد كان داخلي يقين من أن التوريث لن يقع، ليس لأني كنت اعتقد أن هناك ثورة سوف تقوم، كما يحلو القول للبعض الآن لدرجة أن الجميع يعلنون أنهم قد تنبأوا بها، الى حد اعتقادي بأنني الوحيد الذي لم يتنبأ بالثورة، ولكن حب مبارك الزائد على الحد لنفسه سيجعله يؤجل مشروع التوريث ويتقدم هو للانتخابات، الى أن يموت، وإذا مات فان جمال كان سيستقل أول طائرة ويذهب الى أخواله في لندن، وكتبت مرة: انه لن ينتظر ان يأخذ العزاء فيه، وسيتركه لنا لندفنه في مقابر الصدقة.
نادى الشيخ الوالد على نجله فجاءه وعينه في الأرض خجلاً: أنت تنافسني في الدائرة يا حازم؟!.. ومن المؤكد انك سعيد بقول الناس انك تخطب أفضل من أبيك؟.. وكان لسان الفتى يلهث بعبارة واحدة: العفو يا بابا.. وقد كنت اشعر حينها انه اصغر مني، قبل ان اعلم مؤخراً انه يكبرني بخمس سنوات!
كبر حازم وابيضت لحيته وازداد سمنة، وظل على حيائه القديم، وهو الحياء الذي لازمه وهو يسدد لمحاوريه ما يفقدهم توازنهم فلا تدري ما إذا كان قال ما قال بحسن نية، أم انه قال ذلك مع سبق الإصرار والترصد، ولكي يصل إلى النتيجة التي ظهروا بها.
عندي رأي حتي تتوقف حدة حالة الاستقطاب السياسي في البلاد، يتمثل في ضرورة التعامل مع الثورة على أنها تجبّ ما قبلها، فلا يمكن للبلد ان يخسر كثيرا من كوادره المهمة، لمجرد ان أتيحت لهم الفرصة ان يكونوا مقربين من النظام السابق بدرجة او بأخري، بالقطع لو أتيحت لمن يقفون لهم 'على الواحدة' لما بددوها، ومن يتم النظر إليه الآن 'اعلامياً' على انه من رموز الثورة وهو عمرو حمزاوي، كان قد غادر لجنة السياسات لصاحبها جمال مبارك لأنه لم تتح له فرصة الصعود التي أتيحت لزميله محمد كمال.
ربما تكون هذه دعوة رومانسية، لا تتحملها اللحظة التاريخية التي تمر بها البلاد، لكن ربما يشفع لصاحبها انه كان من معارضي الحد الاقصى لنظام مبارك!
الخبير الإعلامي

لف الدكتور أسامة الغزالي حرب ودار في برنامج 'سي بي سي'، وشكر خيري رمضان على فكرة البرنامج، كأنه خبير في شؤون الإعلام ثم قال لمحاوره الشيخ ما معناه: من أنت؟.. أنت بلا تاريخ سياسي؟.. كيف تقول انك كاوباما، وليس صحيحاً انه لم يمارس السياسة قبل أن يكون رئيساً، فقد كان عضواً في الكونجرس قبل ذلك؟
بهدوء أعصاب قال الرجل ان من مارس العمل السياسي قبل الثورة هم الذين أتاح لهم النظام ذلك وهو لم تتح له الممارسة، ومثله في ذلك مثل والده الذي فرض عليه الحظر السياسي فلما رفع خاض الانتخابات، وقال الغزالي ان الحظر السياسي لم يحل دون نقد والده للرئيس جمال عبد الناصر، فقال المرشح المحتمل ان ما يعتبره ممارسة للعمل السياسي لوالده متحقق فيه فقد كان في الجامعة معارضاً لنظام السادات، ومعارضا لنظام مبارك وخاض الانتخابات البرلمانية مرتين وزورت ضده.
في الانتخابات التي أجريت في سنة 2005 خاضها الشيخ ضد الدكتورة أمال عثمان وكيلة المجلس وقد أعلن القاضي رئيس اللجنة الانتخابية نجاح حازم صلاح أبو إسماعيل، وأذاع التلفزيون المصري الرسمي هذه النتيجة، ثم بعد ساعة جيء بقاض آخر وأعلن النتيجة مرة ثانية بشكل مغاير، فقد نجحت أمال وسقط حازم أبو إسماعيل، وأذاع التلفزيون المصري النبأ الجديد بدون اعتذار، فقد كانت هذه إرادة سوزان مبارك!
الشيخ حازم قال ان خوض اوباما لانتخابات الكونجرس كان قبل سنة ونصف من نجاحه رئيساً، وقد خاض هو الانتخابات البرلمانية في سنة 1995 لأول مرة، وأنه لو كان مثلاً من الذين سمح لهم بممارسة السياسة كالدكتور أسامة الغزالي لتمكن من كتابة صفحة او صفحتين كسابقة أعمال، وفي الـ 'سي في' الخاص به، فالدكتور أسامة إذا سئل عن نشاطه السياسي قبل الثورة سيجد ما يقوله على العكس منه هو، فسيكتب انه كان عضواً في لجنة السياسات بالحزب الحاكم برئاسة جمال مبارك!
نظرت الى وجه أبو إسماعيل وهو يقول هذا فوجدته محايداً تماماً، فهل كان يقصد إحراجه؟!.. أم أنها كلمة هو قائلها والسلام؟!
لا استطيع الجزم حقيقة، لكن كل من سمعه قال أنها 'ملعوبة'، وجاء الدور على فريدة الشوباشي فرددت 'أكليشيهات محفوظة'، من كثرة تداولها حرضت المعنيين بها الى البحث عن إجابات لها.
قالت له كيف وهو الرئيس أن يتعامل مع 'الشهيد القبطي'، وهل سيميز بينه وبين 'الشهيد المسلم'؟!، وقبل ان يجيبها على سؤالها المتكرر في كتابات كثيرة، قال انه من قرائها، وانه يجد نفسه يتفق مع كل ما تكتبه عن الحرية والعدل ومواجهة الاستبداد ويختلف معها في القليل، وانه يشعر في كثير من الأحيان أنها تعبر عنه.
ثم راح يوضح لها الفارق بين 'شهيد العقيدة' و'شهيد الوطن'، فكل إنسان يحتكم الى عقيدته في أمر الشهادة، لكن إذا قامت حرب مع إسرائيل مثلاً فان كل من يحارب فيها من المصريين هم 'شهداء الوطن' وليس معقولا مثلاً أن يمنح 'الشهيد المسلم' نجمة سيناء، ويحجبها عن 'الشهيد المسيحي'.

التحول الديني

ثم أحدث لها صدمة عندما ذكر لها معلومة عنها ليست شائعة، وقد عرفتها قبل عامين من ابن خالها الناشط السياسي جمال أسعد عبد الملاك وهي أنها كانت مسيحية وأسلمت، وذكرها لي في إطار البرهنة على أن الأوضاع في مصر سابقاً لم تكن بهذه الحدة، في التعامل مع ملف المتحولين دينياً.
قال لها: حضرتك يا أستاذة فريدة كنت مسيحية ودخلت في الإسلام من زمان، فقالت له وهل أصبحت هذه 'عيبة الآن'، ورد بهدوء: ليست 'عيبة زمان' ولا 'عيبة الآن'. وبدا التوتر وقد سيطر على أداء الإعلامية الكبيرة، ومرة أخرى انظر في وجه حازم أبو إسماعيل فهل كان يستهدف الوصول الى هذه النتيجة؟.. ولم تكن ملامحه تشي بشيء!.
لكن ما قاله وهو لا يلقي له بالاً.. دفع محاوريه للنيل منه بأي طريقة.. فهل كان فعلاً لا يلقي له بالاً؟!
الدكتور أسامة سأله سؤالاً مستفزاً ليقلل من قدره: متي استقلت مصر؟!.. ورفض الرجل الإجابة، فهو ليس في امتحان لإتمام الشهادة الابتدائية، أما فريدة الشوباشي فقد افتعلت مشكلة عندما ذهبت لتصافحه وهي تعرف موقفه مسبقاً، فاعتذر لها في جو من الدعابة، لكنها تنادت ان اشهد أيها العالم على هذا الذي رفض ان يصافحها وهو موقف يعلن احتقاره للمرأة.
لقد أضاع قومنا باستخفافهم بالآخر فرصة لحوار جاد، ونالوا من فكرة جديدة لبرنامج لإقامة حوارات جادة مع المرشحين الجادين لمنصب رئيس الجمهورية، وذلك رداً على برامج المهاترات، التي تستضيف بعض 'العاهات المستديمة' بحجة أنهم مرشحون محتملون لمنصب رئيس الدولة ومنهم الجاهل واللص، للاستخفاف بالأمر مع ان هؤلاء ليسوا مرشحين لكن اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات قررت ان تحول الموقف إلى 'كوميديا سوداء'، بان سمحت لهم بسحب أوراق الترشيح وأصبح كل ساحب لاستمارة لا قيمة لها مرشحاً محتملاً حتى وان لم يتقدم بأوراقه، ربما لتسعد مبارك بما آلت إليه الأوضاع من بعده.
لن انتخب حازم أبو إسماعيل بطبيعة الحال، لكن لا يمكنني ان أنكر انه كسب في هذه الحلقة، واختلفت مع خيري رمضان من قبل لكن لا يمنعني هذا من الإشادة بسعيه للتجديد وإقامة حوار جاد يليق بقدر منصب رئيس جمهورية مصر العربية.
وفي المقابل خسر المتنطعون.

صحافي من مصر
azouz1966@gmail.com 




التعليقات
0 التعليقات