/>

أشرف النحاس يكتب: معالى الباشا



فشل..نعم فشل..هو لا يعرف عدد المرات التى حاول فيها وفشل...وهى لم تتشاجر معه...لم تعاتبه...كم تمنى أن تلومه ...أن تقول له شيئا... أو حتى ان تصرخ فيه لكنها لم تفعل.. احتملت وصبرت....فقط طلبت منه ان يذهب ليبحث عن علاج لكنه لا يستطيع ....كيف يفعل ذلك وهو من هو....ماذا لو عرف والده...ماذا لو عرف زملاؤه ... اى عار حل عليه...
ارتدى بدلته (السينيه)..وضع عطره الفرنسى الفاخر...ارتدى نظارته السوداء ربما ليوارى عجزه وربما ليختبىء من عيون العامة فهو كما كان يعلمه ابوه دوما يجب ان يظل على مسافات بينه وبين هولاء حتى يحافظ على مركزه وهيبته..ويركب سيارته الفارهة وهو شارد الذهن ولا يعرف كيف يتصرف فى هذه المصيبة...ويصل لمملكته الصغيرة حيث كل العاملين والموظفين يعملون على راحته يحمل له احدهم الحقيبة ويهلل له اخر (حمد الله على السلامة يا معالى الباشا)... يهرول اخر ليفسح له الطريق...ويمضى معالى الباشا بين الموظفين كانه اله من الهة الاغريق يسير بين عبيده المغلوبين على امرهم... تاتى له قهوته فى ميعادها...يدخل له المتهم الاول...يقرأ بعض البيانات عن المتهم رغم انه يعرفه من قبل........لكن المعلومة الاهم انه استاذ فى كلية الطب فى الامراض التناسلية...تراوح الفكرة عقل الباشا منذ اول مرة راى فيها هذا المتهم...المشكلة.كيف يضمن الا يفشى سره.... وهى فرصة فها هو استاذ من اكبر الاساتذة فى المجال ياتى هنا ويجلسا على انفراد دون ان يذهب لعيادة او يسجل اسمه فى كشوف المرضى...سأل بكل علاقاته عن هذا الاستاذ فعرف أنه من أمهر المتخصصين فى مجاله لكن كيف يحكى له وتتحول جلسة التحقيق الى جلسة علاجية...يدخل المتهم مقيدا فى اغلاله...يبدو الرجل كشاب صغير رغم سنه الكبير... ينظر الباشا للمتهم طويلا...يطرد الفكرة من راسه ويبدأ فى الاسئلة الروتينىية...وتعاوده الفكرة من جديد وتلح عليه فيأمر الكاتب بطريقته المتغطرسة المعهودة ان يخرج ويتركه مع المتهم..يستجمع الباشا شجاعته كم يكره هذه اللحظة التى يشعر فيها بالعجز والضعف ...يحاول ان يجد نقطة يبدأ منها الحوار.. يقوم الباشا من على مكتبه ويجلس على الكرسى المقابل للمتهم ....وهو يتكلم بلهجة متعالية ممزوجة بشىء من التودد (انت عارف يا دكتور ان قضيتك سياسية...والمفروض نجدد الحبس الاحتياطى....لكن انا ح اخرجك على مسؤليتى...فأنت استاذ جامعى ولا خوف من هروبك ) ويبتلع الباشا ريقه بصعوبة وكانه سيلقى نفسه من على سفح الجبل وهو يقول (بمناسبة انك استاذ جامعة كان لدى احد الاصدقاء لديه مشكلة كبيرة ) ويحكى الباشا للمتهم عن سره وهو يشعر وكأنه تعرى امام كل الخلق فيهدئه الطبيب ويعده بكتمان الامر فالموضوع بسيط مجرد مرض كأى مرض يصيب اى أحد فنحن بشر.... ويكتب له علاج ويؤكد له انه سيحل المشكلة تماما....ويأخذ الباشا ورقة العلاج الصغيرة وينظر فيها وكانها طوق النجاة التى ستنقذه مما هو فيه لكن فجأة يدخل السكرتير وهو يصرخ (يا معالى الباشا..يا معالى الباشا ) ويضع امامه ورقة مكتوب فيها بالاحمر( تجديد للمتهم الاول 30 يوم والباقى 15 )...يهرب الدم من وجه الباشا..ويشعر وكانه القى فى هوة سحيقة.....لم يستطع ان يضع عينه فى عينى الطبيب ويدس الورقة الصغيرة فى جيبه...ويجدد للمتهم ثلاثين يوما....الا ليته ما وعد الرجل بالافراج وليته ما كلمه من الاساس ترى ما هى صورته امامه الان وهل سيحكى لاحد عما حدث كانت هذه الهواجس تمزق راسه وهو فى سيارته الفارهة يشق شوارع وسط البلد بلا مبالاة...يركن سيارته صف ثانى فقد ورث هذه العادة عن والده القاضى الشهير ..يمشى الباشا منتصبا رافعا انفه للسماء حتى لربما تطال اسطح عمارات وسط البلد...يدخل صيدلية ويخرج من جيبه الورقة ويعطيها للصيدلى فينظر فيها باستغراب شديد..ويرد الورقة للباشا الذى لا يفهم ما يحدث لكنه يجدها الورقة المكتوب فيها بالاحمر (تجديد للمتهم الاول 30 يوم والباقى 15)...فينظر الباشا للصيدلى ويتذكر انه من توتره مزق ورقة العلاج ظنا منه انها هذه الورقة...ويطيل الباشا النظر للصيدلى..ثم يبدأ فى الضحك وتعلو ضحكاته ويعود لسيارته وهو يضحك بهستيريا فى نفس اللحظة التى يحاول عسكرى مستجد ان يضع مخالفة على سيارته لكن يدركه سايس المنطقة العجوز الذى يعرف الباشا وابوه...يفتح العسكرى الباب للباشا ويعطيه التحية ويمسح السايس السيارة مسرعا وتنطلق السيارة وهما يصرخان فى المارة بافتخار...(مع ا لسلامة يا معالى الباشا)

التعليقات
0 التعليقات