/>

ديباجة الدستور بفلم د محمد عدس



يعتقد بعض السُّذّج أنه يمكنهم أن يخدعوا الناس إذا وضعوا لافتة على صندوق قمامة مكتوبا عليها "أجود أنواع عسل النحل".. فهذه اللافتة لن تخدع أحدًا حتى الحيوانات الضالة من القطط والكلاب.. التى لا تحب العسل ولا تقترب منه.. ولكنها -برغم اللافتة المضلِّلة- ستهجم على صندوق القمامة لتستخلص منه طعامها من العظم وفضلات الموائد.. ذلك لأن الكلاب والقطط تهتدى إلى طعامها بحاسة شمّ نافذة ولا تعبأ باللافتات المكتوبة التى قد تضلل القارئين من بنى آدم ..

وتطبيقًا على صندوق القمامة الذى صنعته عصابة الخمسين.. وسمّته "دستور ٢٠١٣" هناك ديباجة كتبها شاعر، يُراد إلصاقها على هذا الصندوق لتحسين صورته .. ولكنهم أخفقوا حتى فى هذه الديباجة.. التى تكشف عن جهل كاتبها بالتاريخ.. وعن تحيزه لمن أسندوا إليه هذه المهمة؛ إذ يكتب عن ٣٠ يونية باعتباره ثورة .. كما تكشف عن مبالغات فجّة لا تليق بدستور دولة تحترم نفسها وتحترم العالم من حولها؛ مثل قوله "مصر تاج على رأس أفريقيا".. هذه الديباجة التعيسة أشبه بموضوع إنشاء فى كراسة تلميذ مراهق..

لن أخوض فى الكلام عن الدستور لأنه -كما ذكرت- صندوق قمامة لا يستحق الاهتمام .. وسأشير فقط إلى عبارة واحدة فقط فى الديباجة كفيلة بإسقاطها:

فى إطار مبالغات كاتبها عن آبائنا العظام من قدماء المصريين يقول: "تطلعت أبصارهم للسماوات، قبل أن تتّصل السماء بالأرض" .. إنه يروّج هنا لفرية تاريخية طالما احتجّ بها العلمانيون والملاحدة وهي أن فكرة الإله الواحد التى تفخر بها الأديان السماوية.. كانت إختراعًا مصريًّا قديما سبق جميع الأديان .. هذه الفرية يدحضها الواقع لأن التوحيد قديم قدم آدم ونوح عليهما السلام وقبل أن توجد حضارة أو ديانة فى مصر.. بل قبل أن توجد مصر نفسها..

ومن الناحية التاريخية أثبت الباحثون أن ديانة التوحيد المنسوبة لإخناتون سبقها فى مصر أنبياء ورسل موحّدون تركوا آثارًا مكتوبة عن دينهم؛ ولكن قام الكهنة بتحريف هذه الديانات فيما بعد وأحلوا محلها الأوثان.. وهذا ما حدث لأديان سماوية كثيرة؛ فقد حوّل الكهنة دين إبراهيم وإسماعيل إلى عبادة وثنية حول الكعبة.. وكذلك فعل كهنة مصر فى رسالة النبي "إدريس" فلم يبق منها إلا إسمًا محرَّفًا هو "أوزوريس" وبقايا مكبوته من كتاباته.. وقعت فى يد الملك إخناتون.. وقد بحث هذا الموضوع وألّف فيه كُتّاب كبار من أمثال الدكتور عبد الصبور شاهين..

ولكن كاتب اليباجة لا يمكن أن يرتفع إلى مستوى البحث المضنى عن الحقيقة وإنما يستهويه شائعات الملاحدة ومفترياتهم.. يستريح إليها.. و يخدع بها الجُهَّال من أمثاله.. وفى الختام أقول لكاتب الديباجة -مقاول السوء- ولمن أسند إليه المقاولة من الانقلابيين: إن السماء لم تنقطع صلتها بالأرض لحظة واحدة من لحظات عمر الإنسان منذ خلقه الله وكرّمه على سائر مخلوقاته.. وبعث إليه الرسل والأنبياء لهدايته.. وتسديد خطاه فى طريق حياته الدنيا .. المحفوفة بالشهوات والغوايات.. فلا تستخفّ نفسك وتستخفّ عقول الناس بهذا الهراء.. فلا يوجد مكان لديباجتك ودستورهم أفضل من صندوق القمامة.

التعليقات
0 التعليقات