استمعت إلى رئيس القضاء العسكري، اللواء مدحت رضوان، في أكثر من لقاء تليفزيوني وهو يشرح فيه المواد المثيرة للجدل، والتي تجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. من بين تلك الحالات التي تجيز مثل هذه المحاكمة، هو الاعتداء على أفراد القوات المسلحة، أثناء تأدية وظيفتهم.. وعلى رغم من واجهة المنطق الذي قدمه اللواء رضوان، إلا أن القاعدة المستقرة عالميا، هو أن القضاء العسكري مختص فقط في محاكمة العسكريين وحسب، وإذا كان مدنيا طرفا في خصومة مع المؤسسة العسكرية، فإنه يحاكم أمام قاضيه المدني الطبيعي. لا بد أن نشير هنا إلى أن المسألة تتعلق بالضمانات، وهي غير متوفرة في القضاء العسكري لخصوصيته.. إذ لا تتجاوز الجلسة الواحدة 20 دقيقة وبالكثير 40 دقيقة.. كما أنها تحاكم المدنيين بالجملة في الجلسة الواحدة، من ثلاثة إلى خمسة متهمين.. ناهيك عن "علاقة السلطة" داخل المؤسسة العسكرية، إذ يظل القاضي العسكري ضابطا يتلقى ـ بطبيعة الحال ـ الأوامر من الرتبة الأعلى.. وهي العلاقة التي تجعل استقلالية القضاء العسكري موضع تساؤلات ومخاوف حقيقية ومشروعة. في لقاءه الأخير مع لميس الحديدي، قال اللواء رضوان، إنه إذا حدثت مشاجرة بين "مدني" وعامل بنزينة "وطني" التابعة للجيش، فإن المدني يحال إلى المحكمة العسكرية.. وقس على ذلك إذا حدثت مشادة بين مدني وعسكري في فندق أو ناد أو شاطئ تابع للجيش. اللواء رضوان.. قال : إن العامل على بنزينة "وطني" مثل الجندي الذي على "الدبابة" .. وذلك في سياق تبريره لمحاكمة المدنيين حال تشاجروا مع "عسكري" في البنزينة.. وقال هذه خدمة وطنية نقدمها للشعب المصري. أولا هي خدمة غير مجانية يعني الشعب يسدد ثمنها.. وإذا كانت تكلفتها هي أن يرمى مدني في السجن الحربي، حال تشاجر مع عامل بنزينة "وطني".. فيمكن أن يقال لكم : الله الغني! وينسحب هذا الرأي أيضا على الفنادق والنوادي والشواطئ التابعة للقوات المسلحة.. لأن المواطن المدني لا يطلب خدماتها مجانيا.. ثم إنها إحدى تجليات الاقتصاد العسكري الذي يدر على المؤسسة مكاسب لا نعرف عنها شيئا. ثم يبقى الأمر الأهم.. وهي أن المؤسسة العسكرية هي التي "جاءت" إلى الحياة المدنية وزاحمتها بمشاريع اقتصادية.. ولم يذهب إليها المدنيون ولم يزاحموها في أي من مشاريعها.. وبالتالي ومنطقيا فإنه من الطبيعي أن ينزل العسكريون عند القانون المدني وليس العكس.. بمعني أن يتحاكم هو إلى قانوني أنا "المدني" وليس إلى قانونه هو "العسكري"
.