وصف المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن همام سعيد قرار السلطات السعودية وضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب بأنه "خطأ سياسي"، وعبر عن استهجانه من القرار الذي يراه متسرعا، وتوقع التراجع عنه في فترة لاحقة.
واعتبر سعيد في حوار مع الجزيرة نت أن الطرف الذي كان يجب أن يوضع على قوائم الإرهاب هو من قام بالانقلاب العسكري في مصر، فيما نفى وجود أي مؤشرات على اتخاذ الأردن أي قرار مماثل بحق الجماعة.
وفي ما يلي نص الحوار:
كيف رأيتم قرار السعودية وضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب إلى جانب تنظيمات القاعدة وغيرها، وكيف ستتعاملون معه؟
- هذا القرار الذي يحكم على الإخوان بأنهم جماعة إرهابية مستهجن ومستغرب، فالنظام السعودي يتعامل مع الإخوان منذ خمسينيات القرن الماضي، والسعودية ظلت مفتوحة للإخوان وقياداتهم البارزة مثل الشيخ مناع قطان ومحمد محمود الصواف وعلي الطنطاوي ومحمد قطب وغيرهم كثير.
وعلى هذا المدى الطويل، ظلت الجماعة معتدلة تشكل ضمانة للإسلام بفكره الوسطي والذي يجمع ولا يفرق، فهل اكتشفت السعودية بعد ستين سنة من التعامل مع الإخوان المسلمين الذين انخرطوا في التعليم وفي كل المجالات أنهم إرهابيون؟ وبدل أن يوضع من قتل الآلاف في رابعة وغيرها واعتقل الآلاف وهو عبد الفتاح السيسي على قائمة الإرهاب يوضع الضحايا من الإخوان؟ كما أنهم لم يحكموا على الناس بالتكفير وادعاء الرسالات، فلا أدري ما هو الجديد الذي فعله الإخوان واقتضى أن يصدر مثل هذا القرار؟
ولكل ما سبق أنا أتصور أن هذا القرار خطأ سياسي، وأرجح أنهم سيتراجعون عنه، لأن الأصل في السعودية أن تكون موئلا للمسلمين المستضعفين أينما كانوا، وأن تكون متعاونة مع المسلمين الناصحين والدعاة الصادقين.
ثم هل يعقل أن يتخذ قرار كهذا ضد الإخوان الموجودين اليوم في كل بلد في العالم، والذين يشكلون المكون الأكبر لتيار الاعتدال الإسلامي، فكيف يوضع هؤلاء جميعا في سلة الإرهاب من أجل دعم الانقلاب في مصر؟
لماذا تضعون مصر وراء القرار السعودي، وما الذي يجعلكم تصفون القرار بالخاطئ، وما هي مبررات ترجيح فرضية التراجع عنه؟
- هذا القرار سببه الحالة المصرية، لأنها وصلت إلى أعلى درجات الثورة والتضييق على الانقلاب العسكري الذي استهلك عشرات المليارات التي دفعتها السعودية ودول في الخليج ولم تجدِ هذه المليارات نفعا، والسعودية للأسف تنظر إلى أن الإخوان هم من تسبب بهذه الخسارة والفشل السياسي، والحقيقة أن من سبب هذا الفشل هو الانقلاب نفسه، ومناصرة الانقلاب هو فشل سياسي، ودعم هذا الانقلاب سيبقى مثلبة في التاريخ.
والتفكير السوي يدل على أن هذه القرارات اتخذت على عجل دون تفكير بنتائجها، وبالتالي فإن العقلاء سيعودون عن هذه القرارات.
زجّكم كحركة إسلام سياسي في الزاوية ذاتها مع تنظيمات القاعدة هل هو رسالة تخويف للشعوب منكم، أم ربما رسالة ضغط على الغرب المصاب بفوبيا القاعدة؟
- من المؤسف أن الغرب والخارج حتى الآن يحتج على ما فعلته مصر عندما وصفت الإخوان بأنهم جماعة إرهابية، ولم تقبل الدول الأوروبية تصنيف الإخوان في مصر كحركة إرهابية، مما يدل أنه تصنيف مرفوض عالميا، أما إذا كانت الرسالة للصف الإخواني فهو يعرف نفسه جيدا، ويدرك أن هذه الدعوة راشدة وتقوم على احتضان المسلمين بالمودة والتقدير والحب، وأنها دعوة سلمية تنبذ العنف وتواجهه.
هل من رابط برأيكم بين هذا القرار وبين ما سبقه بأيام من قرار سعودي إماراتي بحريني بسحب السفراء من قطر، واتهام الأخيرة بعدة أمور من بينها دعم الإخوان المسلمين؟
- محور هذه الأمور جميعا الحالة المصرية، ما دام هناك فشل في موضوع الانقلاب بمصر وهناك خسائر فادحة دفعتها بعض دول الخليج ولم تحقق هذه الأموال الغاية المرجوة من ظهور هذا الانقلاب وسيطرته على الواقع في مصر، فهم الآن يبحثون عن كل من أسهم سواء بالتوعية أو بالإعلام أو بالسياسة ونسبوا إليه مسؤولية هذا الفشل ولا بد من محاسبته واتخاذ الإجراءات ضده.
ولكن قطر متهمة من هذه الدول بأنها تدعم الإخوان المسلمين، هل تدعمكم فعلا وأنت من قيادات الإخوان البارزة في المنطقة؟
- لا شك في أن قطر قامت منذ فجر الثورات العربية بجهد كبير سيذكره التاريخ في دعم حركة الشعوب من أجل الحرية والديمقراطية، وهذه حقيقة وجدناها في تونس ومصر وليبيا وسوريا وغيرها، ولكن جوابا عن السؤال قطر لا تقدم أي دعم للإخوان المسلمين، ومشكلتها مع البعض أنها منحازة لخيارات الشعوب فقط.
سبق القرار السعودي بأيام قرار قضائي مصري بتصنيف حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وهي جناح الإخوان المسلمين في فلسطين كحركة إرهابية، هل من سياق يربط بين هذه القرارات بنظركم؟
- هذا لا يختلف عن القرار السعودي، لأن المصريين عبر أكثر من عقدين تعاملوا مع حماس ولم يخطر على بالهم أن يصنفوا الحركة إرهابية، وهو موقف ناتج أيضا عن موقف انفعالي يريد أن يعاقب حماس لمجرد أنها ذات صلة بجماعة الإخوان المسلمين, ولأن حماس تحمل مشروعا مناقضا ومواجها للمشروع الصهيوني, لذلك كانت مستهدفة من الانقلاب العسكري الذي يتبنى الأجندة الصهيونية، والانقلاب حريص على تنفيذ كثير من السياسات الصهيونية، وما دامت حماس تشكل قوة ثقل فلسطيني وإسلامي وعربي في مواجهة هذا الكيان, ومطالبها برفع الحصار عن غزة، فإن الانقلاب العسكري يريد التخلص من هذا العبء، ولذلك جرى الحكم على حماس كحركة إرهابية.
وهذه السياسات في السعودية ومصر جاءت في ظل المفاوضات التي تريد إنهاء القضية الفلسطينية، والتسليم بيهودية إسرائيل والتخلي عن القدس والمسجد الأقصى وحق العودة، ولا نستغرب أن تكون هذه السياسات والانفعالات متسقة مع إنهاء ملف القضية الفلسطينية وتصفيتها، ونحن أمام منعطف تاريخي خطير فبدل أن تقف الأنظمة مجتمعة في وجه هذه التصفية وتهويد القدس والمسجد الأقصى ها هي تجرم الأطراف التي تواجه الكيان الصهيوني.
في الحالة المصرية، الإخوان المسلمون متهمون بالضلوع في أعمال إرهابية على الأرض، من تفجير وقتل، والسلطات هناك تقول إن لديها أدلة على ذلك، وإن القضية لم تعد مظاهرات سلمية ضد الانقلاب؟
- الإخوان في أدبياتهم وأفكارهم يعلنون صباح مساء أن حركتهم حركة سلمية، وقال فضيلة المرشد الشعار الشهير "سلميتنا أقوى من الرصاص"، أما الأمر الثاني فإذا كان الإخوان يقومون بأعمال عنف فما هي الأدلة على ذلك؟ وأين هم المتهمون الحقيقيون من الإخوان ممن قاموا بهذه الأفعال؟
هم لم يستطيعوا الكشف عن الفاعل الحقيقي لأي من التفجيرات التي أعلنت حتى الآن، وينسبونه إلى جماعة أنصار بيت المقدس، والانقلاب نفسه لم ينسبه للإخوان، ومن يُقتل الآن هم المتظاهرون، وهناك عشرون ألفا في السجون كلهم من المتظاهرين، الإخوان لا يمارسون العنف ولا يؤمنون به، بل هم ضحايا العنف والإرهاب.
لكن هناك مشايخ وعلماء في مصر وخارج مصر حمّلوا الإخوان المسؤولية، وصدرت فتاوى عدة تدينكم من أسماء معروفة في الأزهر وغيره؟
- هؤلاء مواقفهم هي ذاتها قبل الانقلاب، هم دائما يسيرون مع الحكام، والذين شايعوا حسني مبارك بالأمس هم الذين يشايعون السيسي اليوم، التاريخ واحد والمواقف واحدة ولم تتغير.
ولكن في كل هذا المشهد ألا يجد الإخوان في مراجعاتهم لمواقفهم أنهم ارتكبوا أخطاء في مصر وغيرها تستدعي منهم الاعتراف بذلك والمراجعة؟
- في مواجهة الدولة العميقة والمؤامرة الدولية حكم الدكتور محمد مرسي الرئيس الوحيد المنتخب لمدة عام حفل بالكثير من الإنجازات، وأخطاء الإخوان في هذا المشهد حسنات، عندما يقال إن الإخوان لم يستخدموا القوة في الإقصاء، أو تغيير القيادات العسكرية والأمنية، ولم يضيقوا الحريات والإعلام، يقال إنها أخطاء أدت لإقصائهم، وهذه الأخطاء هي فضائل لما فعله الإخوان، والمطلوب مراجعات لجميع نماذج الحكم التي تسلطت واستبدت وأفسدت.
هنا في الأردن هناك برود في العلاقة بينكم وبين الحكم، لماذا هذا البرود، وهل لمستم أي تأثيرات للقرارات المصرية والسعودية بشأن الإخوان عليكم هنا في الأردن؟
- نحن هنا لم نلمس أي شيء، والجماعة أصلا برشدها ومواقفها واستقامتها على هذا المنهج تقدم الضمانة لبقاء التعامل معها وفقا لمصالح الوطن المعتبرة.
ولكن ماذا عن حالة البرود وانقطاع الاتصالات بينكم وبين أصحاب القرار في المملكة؟
- لا توجد اتصالات مباشرة، ونحن دائما منفتحون على أي حوار.
ولكن تراجع حركة الشارع بعد الانقلاب في مصر، هل يندرج في إطار مراجعة مواقفكم في ضوء ما حدث بمصر؟
-لا علاقة للشأن المصري بالواقع على الأرض في الأردن، مجمل الأحداث في المنطقة -خاصة في سوريا- باتت أكثر ضغطا على الشارع لإعادة تموضعه، وهناك انشغال بملفات عدة مما وزع الجهود في كل هذه الملفات، لكن ملف الإصلاح ما زال على رأس أولويات الإخوان.
ألا تخشون من ضغوط على الأردن من حليفين رئيسيين له هما السعودية والإمارات لتغيير موقفه من جماعة الإخوان المسلمين؟
- نحن لا نخشى على شيء، ما الذي سنخشاه؟ هل سنخشى على دور الإخوان، هذه الأبنية والمقرات، الإخوان جماعة قائمة ومنبثة في هذا الشعب الطيب، كما هي في بقية الشعوب، وقوة الإخوان ذاتية وداخلية، والإخوان لم يظلموا أحدا ولم ينهبوا أموال البلد وليس لديهم ما يخسرونه، والحقيقة لا يوجد عندنا أي هاجس أو تخوف من أي إجراء، والسبب أن الإخوان في الأردن حالة وطنية مجتمعية لا يمكن عزلها، ومن يعزلها يعزل نفسه، ولا يمكن إزالة جماعة موجودة في كل بلدة وعشيرة وحي.
وأضرب مثلا حيا ما يحدث في مصر التي أعلنت فيها الجماعة حركة إرهابية، فهل قضى هذا الإعلان على الجماعة أم وسع من دائرتها وكبر من حجم عملها وقواها.
الأحكام الظالمة تمنح الحالة الشعبية القوة والزخم للاستمرار، ولو تركوا الإخوان ولم يحكموا عليهم بالإرهاب وتم التعامل معهم بشكل سلمي لربما كانت مهمتهم أسهل من المعالجات الأمنية القاسية، ولكن التعامل الفج مع الإخوان زاد من قوتهم وحضورهم في الشارع المصري وغير المصري.
أخيرا، أنتم انخرطتم في تحالف شعبي يناهض خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وهناك موقف رسمي أردني يرفض أي حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن، هل من تلاقي بينكم في هذا الملف؟
- برنامج ثبات الأردن في مواجهة الضغوط نحن أكبر الداعمين له، لأننا ندافع عن الأردن وفلسطين وهي قضية إسلامية ووطنية بامتياز، ونحن نرفض خطة كيري لتصفية القضية الفلسطينية أو تهديد الأردن واقعا ومستقبلا.
نحن نعتبر أن القضية الفلسطينية وصلت منحنى حرجا، وأنها تحتاج لإعادة الوعي في الأمة مرة أخرى وأن يقف كل من في قلبه إيمان وموقف مع الأردن وشعبه ومع الشعب الفلسطيني ومع المقاومة.