لم يتمكن حسني مبارك من توريث تركته البائسة إلى ولده من الحياة الزوجية جمال، فورثها ابنه من الحياة العسكرية، وهاهو الابن القادم إلى السلطة مشياً فوق بحر يمور بالدماء و الأشلاء يستخدم بعضاً مما تشتمل عليه التركة من ألعاب ٠
كان نظام حسني مبارك يُمارس الرذيلة السياسية مع الكيان الصهيوني طوال الوقت في الخفاء، و أحيانا في العلن ، ثم يستخدم ورقة المصالحة الفلسطينية كمن يمسك بالمسبحة و يُكرها في مشهد ذائع الشهرة بأحد أفلام السينما المصرية القديمة٠
كان يشارك في خنق غزة بالحصار الإسرائيلي، وكلما طفحت ملفات الفساد و التعذيب في الداخل، سارع فيه بتركيب الوجه "القومي" البلاستيكي معلناً عن مبادرة مصرية لتحقيق المصالحة الفلسطينية و لا مانع من استقبال مبعوثين من حركات المقاومة أو إرسال أحد الجنرالات إلى غزّة و فتح المعبر٠
كان وزير خارجية مبارك يتوعد بكسر أرجل الفلسطينيين، ثم يحتفل مع تسيبي ليفني بانطلاق الهجوم على الشعب الفلسطيني في غزّة، ثم يظهر ممثل آخر في مسرح مبارك، فتحي سرور أو مفيد شهاب لتقديم فقرة عن دعم الشعب الفلسطيني الصامد و التباهي بما فعله محمد البلتاجي بعد الهجوم الصهيوني البحري على قافلة كسر الحصار القادمة من تركيا إلى غزّة٠
الآن: السيسي وقبل أن يصبح رئيساً رسمياً يستخدم تركة أبيه و يخرج من صندوق الألعاب ما يجعلك تضرب كفاً بكفٍ و أنت تشاهد تناقضات نظام قديم متجدد مصاب بانفصام في الشخصية، إذ تتحدث الأخبار شبه المؤكدة عن أن نظام الانقلاب الذي تفوق على أبيه في إظهار و تقديم القرابين للعدو الصهيوني، و إبراز كل من يلزم من أوراق لإثبات شخصيته القزمية المعادية لكل المقاومات العربية، يكرر الآن اللعب بورقةِ المصالحة الفلسطينية و يمد جسوراً مع حكومة حماس المقاومة.
لقد وضع إعلام السيسي منذ ما قبل الانقلاب كل المقاومات العربية في خانة الأعداء، ثم أصدر قضاء الانقلاب قراراً بإعلان "حماس" إرهابية و حظر وجودها في مصر، وطرد ممثليها، وبعد كل هذا الطنين والنقيق الصادر من وسائل إعلام تنتمي لمدرسة "العبط النموذجية القومية" و الخاصة ضد غزّة و حماس ، وصل الشطط ببعضها للمطالبة باحتلال غزّة و دكها دكاً.. بعد كل ذلك تأتي الأخبار أن نظام الانقلاب وبعد مماطلة امتدت تسعة أشهر جدد وثائق إقامة ممثلي حماس بالقاهرة، وفتح قنوات سرية للحصول على دور في مشهد مصالحة فلسطينية تجرى ترتيبات له الآن٠
إنها اللعبة السخيفة ذاتها.. محاولة إظهار وجه قومي و عروبي زائف لنظام ولد سفاحاً وابتساراً فوضعوه في حضًانة إسرائيلية ثم جاءوا له بالحليب المجفف من عواصم عربية اعتبرت مبارك حاكمها الأثير لمصر، وليس من المصادفات أن يأتي هذا التحول"الشيزوفرينياوي" في المواقف قبيل صعود الجنرال إلى الحكم ، عقب انتخابات كوميدية يجري التحضير لها، هي أشبه بنهائي بطولة لم تمر بمرحلة الدور نصف النهائي ولا ربع النهائي أو أدوار تمهيدية، بل هو نهائي "شيطاني" بين الفريق الأول و احتياطي الفريق الثاني في النادي ذاته٠
إن نظاما أقيمت الأفراح في "تل أبيب" ابتهاجاً بوصوله إلى السلطة انقلاباً لا يستقيم منطقاً ولا تاريخاً أن يكون طرفاً في إنجاز مصالحة فلسطينية هي مصلحة قومية ضرورية بالأساس