/>

ديمقراطية الرصاص الحر المباشر...!؟.بقلم: السعيد الخميسى





تلجأ دول العالم الأول المتقدم – ولسنا منهم – عند اختيار الرؤوساء والنواب إلى التصويت الحر المباشر عبر صناديق الإنتخابات . أما فى دول عالم الترسو المتخلف- ونحن فى القلب منهم - فتلجأ تلك الدول لفرض تعيين الرؤساء والنواب بالرصاص الحر المباشر عبر صناديق الذخيرة.!؟. الفرق بين الصورة الأولى والثانية كالفرق تماما بين تراب الأرض ونجوم السماء . الفرق بين آليات الصورة الأولى والثانية كالفرق بين الشعوب التى صعدت لسطح القمر, والشعوب التى هبطت إلى الأرض السابعة وقد لفها النسيان والضرر . الفرق بينهما تماما كالفرق بين ظلام الليل الدامس وضوء النهار المشع الهامس . الفرق بين الصورتين كالفرق بين الخيال والحقيقة . الخيال الذى جعل المواطن فى الدول المتخلفة يظن أن الديمقراطية واحة خضراء فى دولنا , لكن مالبث أن جاءها واقترب منها فوجدها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا, ووجد عندها السجن والجلاد ينتظران..!؟. فلاديمقراطية ولايحزنون . أما الحقيقة فى الدول المتقدمة فهى واقع ملموس محسوس يعيشه المواطن لحظة بلحظة حيث لاتستطيع أى سلطة تزوير إرادته ومصادرة حريته.

* ظننا - وإن الظن لايغنى من الحق شيئا -  أن الديمقراطية هى الحل السحرى لكل مشاكلنا فانغمسنا فى وحل الخلافات السياسية نبحث عنها فى كل مكان لعلنا نعثر عليها أو نستدل على أقرب الطرق الموصلة إليها لتوفير المزيد من الجهد والتعب والعناء . فإذا بالقوم يقولون لنا ان الديمقراطية فى مسقط رأسها وفى محل إقامتها تعنى أن يحكم الشعب نفسه بنفسه , وأن الشعب حر فى اختيار من يمثله دون ضغوط او تهديد أو وعيد من جهة ما . فقلنا لهم كيف ذلك..؟ قالوا لنا : أن تحشد قوى الجماهير التصوتية عبر صناديق الانتخابات لتنتخب وتختار كل المسؤلين ابتداء من عضو المجلس القروى حتى رئيس الجمهورية . وبذلك يحكم الشعب نفسه بنفسه  ويكون سيدا لقراره السياسى .

* فلما آمنا بما آمنوا به من قبل رغم تحفظنا على الديمقراطية الغربية بصورتها الكلية ومافيها من تجاوزات , ومافيها من إلغاء لروح الدين ونصوصه وتعدى رأى الأغلبية على النص الدينى الصريح . فلو مثلا صوت مجلس النواب فى تلك الدول على اباحة الربا والزنا وفتح الخمارات والكباريهات وزواج المثلين لكان لزاما على الحكومة تنفيذ تلك القرارات بصرف النظر عن الحلال والحرام احتراما لرأى الأغلبية . ارتضينا تلك الديمقراطية وقلنا أنه فى بلاد المسلمين لن تصطدم الديمقراطية بنصوص الدين على أساس أنه لااجتهاد مع النص . فلو حرم الإسلام الربا والزنا والخمر والميسر وهو كذلك , فإن الأغلبية البرلمانية المسلمة لايمكن أن تضع تشريعا يصطدم بالنص الدينى .  رضينا بالديمقراطية المزعومة وآمنا بها حلا للخلافات السياسية وكى نحذو حذو تلك الدول لعلنا نضع حدا للخلافات السياسية والشقاقات الحزبية والتراشقات الفردية والنزاعات الأهلية والحمد لله رب العالمين .

* وبعد ثلاثين عاما من حكم غشوم ظلوم ديكتاتورى فردى سلطوى متحكم , منً الله على الشعب المصرى باندلاع ثورة يناير التى أسقطت رأس النظام وسجنت معظم أركانه وخلعت معظم أعمدته من أرض مصر. ثم كانت الخطوة التالية باجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وعمل دستورى مستفتى عليه من الشعب . كل ذلك بالتصويت الحر المباشر عبر صناديق الانتخابات الشفافة التى لم تمتد إليها يد الغش والتدليس والتزوير التى كانت من ذى قبل تبيت ليلتها فى تلك الصناديق عبر فتحة سرية لايراها إلا العالمون بواطن الأمور  , ولايراها أحد إلا عند فرز الاصوات التى كانت تأتى بنتيجة الخمس تسعات الشهيرة شهرة الاهرامات .  والحمد الله أتت نتيجة الانتخابات تعبر عن إرادة شعبية محترمة لايتطرق إليها شك ولايعدو عليها تلون . وقلنا ساعتها أن سفينة الديمقراطية وصلت إلى المياه المصرية تتمايل يمينا وشمالا فرحا وطربا وترقص على ألحان هدير الأمواج السياسية الجديدة فى وطنى.

* لكن للأسف جاءت الخيبة تخرج لسانها للشعب المصرى وهى راكبة جمل طويل العنق..!؟. جاءت الخيبة السياسية لتلغى إرادة الشعب المصرى بجرة سلاح وتدفن صناديق الانتخابات وسط البيداء , وتقول للسادة المواطنين أدخلوا مساكنكم لايحطمنكم السيسى وجنوده غير مأسوف عليكم . فلقد ماتت الديمقراطية وشيعت إلى مثواها الاخير ودفنت جثتها فى مقابر الذين ظلموا أنفسهم  ولاعزاء للمصريين . واستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير وجاءت صناديق الذخيرة الحية تملأ الشوارع والميادين وموجهة إلى صدور المصريين . ثم كانت الشعارات الثلاثة : من دخل بيت العسكر فهو آمن , ومن دخل الكنيسة فهو آمن , ومن استخرج كرنيه حزب النور فهو آمن . أما من احتمى بالمسجد فهو إما محروق أو مسجون أو مقتول . فلاحرمة لأحد بعد اليوم . ولاعرض لأحد بعد اليوم . ولامال ولاشرف ولاكرامة لمواطن بعد اليوم , إلا إذا كان من الراقصين على ألحان تسلم الأيادى..!؟.

* كانت الديمقراطية مجرد طيف خيال . كانت مجرد حلم نائم . كانت الديمقراطية غمامة صيف رأيناها وهى تمر مر السحاب . كانت الديمقراطية صنم عجوة فانقضوا عليه وأكلوه لما جاعوا , وهم دائما جوعى . كانت الديمقراطية دمية تتلهى بها تلك الشعوب , كالطفل الصغير الذى يتلهى بلعبته ودميته حتى لايبكى لحين عودة أمه من عملها . فإذا عادت نزعت منه دميته وأرضعته حتى يشبع وينام قرير العين . هكذا نزع منا العسكر دمية الديمقراطية وعاملنا وكأننا اطفال صغار مازلنا فى سن الرضاعة يبحث لنا عن الحليب الجاف حتى نشبع ونرتوى وننام على صدره ونسبح بحمده , ونضحك ونفرح بوجوده , ونبكى ونصرخ ونولول فى غيابه , هكذا يفعل أطفال الرضاعة مع أمهاتهم , وهكذا أرادوا بنا أن ننام ونغمض أعيننا فى حجر العسكر وننسى الديمقراطية لأنها رجس من عمل الشيطان , عليكم أن تجتنبوه أيها المصريون لعلكم تفلحون .

* نام الشعب المصرى على حلم الديمقراطية المزعومة واستيقظ على كابوس الديكتاتورية المفروضة . نام الشعب المصرى يحلم بحياة كريمة تصان فيها حريته , وتحفظ فيها كرامته ويحترم فيها عرضه وماله ونفسه ودينه . لكن  جلباب الامل كان كبيرا واسعا فضفاضا أكثر مما ينبغى , إذ جاءت ريح تصريحات العسكر بما لاتشتهيه سفن الشعب المصرى . إذ صرح كبيرهم قائد الانقلاب أن الديمقراطية جديدة على الشعب المصرى وأنتم أيها الأمريكان ديمقراطيتكم غير ديمقراطيتنا . وشعبكم غير شعبنا , وثقافتكم غير ثقافتنا وطريقكم غير طريقنا . حيث أن ثقافتنا قائمة حسب زعمه وظنه ان لاتشترى العبيد إلا والعصى معه .. إن العبيد لانجاس مناكيد . أرأيتم كيف تكون الثقافة فى دولنا وأوطاننا . إن صندوق الذخيرة يخرج لسانه للجميع وينذر بالبطشة الكبرى إذا تجرأ أى مواطن بالحديث عن الحرية وحقوق الإنسان , الزم بيتك وابكى على خطيئتك واعبد الله حتى يأتيك اليقين .

* إذا تحركت دماء الغيرة فى عروقك وخرجت فى المظاهرات فإن مصيرك الوقوف بين يدى قاضى الإعدامات الذى يوزع أحكام الإعدام على السادة المواطنين ببزخ وكرم كما توزع الحلوى فى مولد أبو حصيرة  وقراطيس اللب والترمس فى مولد السيد البدوى ...!؟. فماذ أنت فاعل..؟ وماذا انت قائل..؟ ماعليك إلا أن تستغفر الله العلى العظيم من رجس الديمقراطية وتغتسل سبع مرات منها إحداهن بتراب العسكر الذى يضمن لك الطهارة الكلية من أوثان الديمقراطية . وعش أخى المواطن كما عاش أباؤك وأجدادك لايسمعون عن الديمقراطية إلا فى الاذاعات الأجنبية فى السهرات الليلية  . وإذ أردت حياة أمنة مطمئنة يأتيك رزقك رغدا من كل مكان فما عليك إلا أن تطيل لحيتك وتقصر ثيابك وترتدى الجلباب البرهامى الأبيض الأنيق وتطيل مسبحتك وتتحدث فى أحكام الحيض والنفاث والفرق بين الحيض والاستحاضة وتملأ الارض علما ونورا..! ؟ مالنا ومال الديمقراطية..؟ مالنا ومال الحرية..؟ مالنا ومال الناس..؟ عش يومك ولاتفكر فى غدك واحمد الله أنك مازلت تتنفس الهواء وتشرب الماء. نم مطمئن البال مستريح الضمير فكل مشاكلنا حلها فى ألحان تسلم الأيادى..!؟.

التعليقات
0 التعليقات