في مشهد يعيد إلى الأذهان العصر الملكي وما قبل الإنقلاب العسكري في 23 يوليو 1952 ، إحتفل المشير عبد الفتاح السيسي بتنصيب نفسه على عرش مصر متجاهلا كونه رئيسا منتخبا وليس ملكا متوجا !!.
مراسم الإحتفال لم تشهدها مصر منذ عهد الخديوي إسماعيل إبان احتفالات افتتاح قناة السويس ، وكادت أن تندثر في دول العالم حتى مع الملوك والسلاطين .
الخديوي إسماعيل الذي إشتهر بالبذخ في الإنفاق من خزينة الدولة وورط مصر في ديون فادحة قادت مصر بالنهاية إلى الوقوع تحت قبضة المستعمر البريطاني ، وقد عرف عنه إسرافه في الإنفاق على تشييد وتجميل القصور ، ما لا يحصى من الملايين، فقد بلغت النقوش والرسوم في قصور الجيزة والجزيرة وعابدين مليوني جنيه ونيفاً، وبلغت تكاليف الستارة الواحدة ألف جنيه، أما الطنافس والأرائك والأبسطة والتحف والطرف والأواني الفاخرة، فلا يتصور العقل مبلغ ما تكلفته من ملايين الجنيهات .
دعا الخديوى أباطرة وملوك العالم وقريناتهم لحضور حفل الافتتاح والذي تم في 16 نوفمبر 1869، وقد كان حفلا أسطوريا ووصلت الحفلة إلى مستوى فاق ما نسمعه عن حكايات ألف ليلة وليلة.
كان طبيعيًا أن تكون البداية هي الاهتمام بزى العسكر وخاصة العاملين بالجوازات والصحة لأنهم في طليعة المستقبليين للملوك كما روعى الاهتمام بنظافة المدينة، وتم حث التجار على توريد الخضروات واللحوم والأسماك كبيرة الحجم لبورسعيد لمواجهة الطلبات المتزايدة كما روعى إحضار الثلج من القاهرة كذلك جهز عدد من السفن لإحضار المدعوين من الإسكندرية الي بورسعيد.
وفى أوائل نوفمبر 1869 أخطر ديليسبس محافظة بورسعيد بأن الخديوى أذن في بدء إعداد الزينات وعلى الفور تم إخلاء الشوارع وترتيب العساكر اللازمين لحفظ الأمن وامتلأت بورسعيد بالمدعوين، وكان الخديوى قد طلب من مديرى الأقاليم أن يحضروا عدداً من الأهالي بنسائهم وأطفالهم لحضور حفل الافتتاح فانتشروا على خط القناة من فلاحين ونوبيين وعربان بملابسهم التقليدية حتى أن الإمبراطورة أوجيني أبرقت إلى الإمبراطور نابليون الثالث بأن الاحتفال كان فخماً وأنها لم ترى مثله في حياتها ومما زاد الأمر أبهة اصطفاف الجيش والأسطول المصري في ميناء بورسعيد بالإضافة لفيالقه على ضفاف القناة.
وأقيمت 3 منصات خضراء مكسوة بالحرير خصصت الكبرى للملوك والأمراء، والثانية إلى اليمين لرجال الدين الإسلامي ومنهم الشيخ مصطفى العروسى والشيخ إبراهيم السقا، والثالثة إلى اليسار وخصصت لرجال الدين المسيحي، وجلس بالمنصة الكبرى الخديوى إسماعيل ومسيو دى لسبس والإمبراطورة أوجيني إمبراطورة فرنسا وفرنسوا جوزيف إمبراطور النمسا وملك المجر وولى عهد بروسيا والأمير هنرى شقيق ملك هولندا وسفيرا إنجلترا وروسيا بالآستانة والأمير محمد توفيق ولى العهد والأمير طوسون نجل محمد سعيد باشا وشريف باشا ونوبار باشا والأمير عبد القادر الجزائري، وقد بلغ عدد المدعوين من ذوى الحيثيات الرفيعة زهاء ستة ألاف مدعواً، وحتى يوم 15 نوفمبر كان قد تم استدعاء خمسمائة طباخ من مرسيليا وجنوة وتريستا.
واصطف العسكر عند رصيف النزول لحفظ الأمن ومنع الازدحام وكانت المراكب الحربية قد اصطفت على شكل نصف قوس داخل ميناء بورسعيد في منظر بديع، وبعد أن تناول الجميع الغذاء على نفقة الخديوى صدحت الموسيقى بالغناء وبعزف النشيد الوطني وتلا الشيخ إبراهيم كلمة تبريك وقام الحبار من الدين المسيحي وأنشدوا نشيد الشكر اللاتيني.
وفى المساء مدت الموائد وبها شتى أنواع الأطعمة والمشروبات وانطلقت الألعاب النارية والتي تم استيرادها خصيصاً لهذا الغرض وتلألأت بورسعيد بالأضواء وأنغام الموسيقي.
تناقض السيسي من دعوات التقشف إلى التبذير
المشير السيسي بدأ عهده هو الآخر بالإسراف في النفقات وهو الأمر الذي يتنافى كليا مع ما كان يطالب به الشعب من اللجوء للتقشف قبل أن يفوز بالإنتخابات الرئاسية ؛ حيث بلغت تكلفة تجميل طريق الكورنيش، من أمام مبنى ماسبيرو إلى المحكمة الدستورية العليا، والطرق والشوارع المؤدية إلى ميدان قصر القبة 10 ملايين جنيه، احتفالاً بتنصيبه رئيسا ، فيما تسببت العطلة التي منحها الرئيس للمؤسسات الحكومية اليوم الأحد ، في خسائر إقتصادية قدرت بنحو 2 مليار جنيه .. ناهيك عن تكاليف حفل التنصيب وإستقبال الوفود الأجنبية والشخصيات الإعتبارية القادمة للتهنئة والإحتفالات في الميادين .
وشهد حفل تنصيب السيسي حضور ٢٤ ملك ورئيس ومبعوث عربي وإسلامي، و٢٤ رئيس وممثل عن أفريقيا و٨ دوليين، بالإَضافة إلى الوفود المحلية ورجال السياسية والإعلام.
كما حضرت وفود محلية لأداء اليمن من قيادات الكنيسة والأزهر ورؤساء المحكمة الدستورية, وأيضا وفود من الأحزاب السياسية، فيما لم تحضر أى وفود دولية لأداء اليمن.
وشارك فى الاحتفالية التى أقيمت فى قصر الاتحادية من الجانب العربي والإسلامي كل من جلالة ملك البحرين، وجلالة ملك الأردن، وسمو أمير دولة الكويت، ورئيس دولة فلسطين، ورئيس جمهورية الصومال، وسمو ولي عهد المملكة العربية السعودية، وسمو ولي عهد إمارة أبو ظبي، ومبعوث شخصي لجلالة سلطان عُمان، ونواب رؤساء جمهوريات العراق، و جزر القمر، والسودان وجنوب السودان، ورئيس مجلس النواب اللبناني، ورئيس المجلس الوطني الشعبي بالجزائر، ونائب أول رئيس المؤتمر الوطني العام الليبي، ووزراء خارجية دولة الامارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان، وموريتانيا، وتونس، والمملكة المغربية، ووزير الشئون الإسلامية والأوقاف بجمهورية جيبوتي، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، ومدير الشئون السياسية والإعلام والديوان باتحاد المغرب العربي.
ومن الجانب الإفريقي، السادة رؤساء جمهوريات غينيا الاِستوائية، وتشاد واريتريا ومالي، والسيد نائب رئيس جمهورية السودان، والسيد نائب رئيس جمهورية جنوب السودان، ورئيسا وزراء سوازيلاند وليبيريا، ورئيس مجلس النواب في الجابون، والسادة وزراء خارجية السنغال وإثيوبيا ونيجيريا ومدغشقر وغينيا بيساو وأنجولا وبوروندي وجامبيا وتنزانيا وأوغندا والكونجو الديمقراطية وبنين، ووزير شئون رئاسة الجمهورية الجنوب إفريقي، ووزير الزراعة التوجولي ممثلا عن السيد رئيس الجمهورية، فضلا عن رئيس برلمان عموم إفريقيا، ومفوضة الشئون السياسية بالاتحاد الافريقي، ممثلةً عن رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، والسكرتير العام لتجمع الكوميسا.
وعلى المستوى الدولي، شارك كل من رئيس جمهورية قبرص، ورئيس البرلمان الروسي، ونائب رئيس الوزراء ووزير خارجية اليونان (التي تم توجيه الدعوة إليها، على الصعيد الثنائي وبوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي)، ورئيس الاتحاد البرلماني الدولي، ووكيل سكرتير عام الأمم المتحدة، ووزير الصناعة والتكنولوجيا المعلوماتية الصيني، ونائب وزير خارجية إيران لشئون الشرق الأوسط، ومستشار وزير الخارجية الأمريكي ممثلاً عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
إنتقادات سياسية
ومن جانبه استنكر الدكتور أيمن نور، مؤسس حزب غد الثورة، حفل تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي، قائلا :"لم يسبق لرئيس أو حتى ملك مصري، دعوة مئات الرؤساء والملوك لحضور تنصيبه، إلا عندما فعلها الخديوي إبان احتفالات افتتاح قناة السويس "
وتسائل نور عبر حسابه الشخصي علي موقع التواصل الاجتماعي"تويتر" مساء أمس السبت، "منذ متى يتم تنصيب الرؤساء المنتخبون، أليست حفلات الجلوس و التنصيب للملوك؟، لا أفهم معنى كلمة حفل تنصيب في ظل نظام جمهوري ذاكرتي لا تسعفني في العثور على حاله مشابها في أي جمهورية من تلك التي نعرف مواقعها على الخريطة حتي الأنظمة الملكية والسلطانية التي لا تأتي عبر إنتخابات مباشره معظمها تجاوز هذه المظاهر وباتت تكتفي بمراسم محلية،ومنح بعض العطايا للشعوب".
وأضاف "كم كلفت هذه الدعوات والإقامات الفاخرة لممثلي الدول الأجنبية،والأمن،الهدايا والإحتفالات وهل هذا يتفق مع دعوى السيسي للشعب المصري بالتقشف،
حتي في أمريكا حفل استلام الرئيس للسلطة شعبيا جماهيريا محليا، حفلا رسميا لرؤساء الدول الأجنبية ؟ ".
وتابع :"عندما تولى ناصر الرئاسة خلفاً لنجيب، لم يقيم حفلاً للتنصيب، ولم يفعلها السادات، ولم يفعلها مبارك خلال خمسة مرات تولى فيها مقاليد الرئاسة"، مشيراً إلي أن الرقم الأول في خسائر يوم التنصيب هو2 مليار جنيه، تكلفة ليوم إجازة غير مبرر تم منحه للقطاع العام والدولة، يتحملها الاقتصاد المصري والموازنة".
وأشار نور إلي أن "السيسي يدعو الناس للتفرغ للعمل والإنتاج والتقشف، و أعطي الناس إجازة لإنتخابه، وأعطاهم إجازة -غير مبررة - لتنصيبه، خسائرنا في اليومين 4مليار، كان الأجدى أن تكون الدعوات للمؤتمر الذي أعلن عنه ملك السعودية "لأصدقاء مصر" المانحين، على الأقل هناك أمل في مردود هذا الأنفاق الكبير وغير المبرر".
.. كل تلك الأمور تثير تساؤلات عدة حول طبيعة السياسات الإقتصادية التي يعتزم الرئيس الجديد أن ينتهجها ومخاوف من الإيقاع بمصر في براثن الديون .