نقطة ومن أول السطر
"اتنقطت".. أي أصابتني نقطة شعرت معها بالدوار في عقلي وبأن هناك من لا يريحه سوى عودتنا لأول السطر. عودة إلى ثلاثة عقود من حكم مبارك، عندما لم يكن هناك قانون يبكي علينا، ولا رجال في قلوبهم رحمة نشكو إليهم.
العدل أساس الملك. ولا عدل بدون قانون يطبق على الجميع. ولا قانون بدون قضاة يبرئون أو يدينون ويقدرون حجم العقاب.
ما نشر أمس عن إضراب الناشط السلفي مفتاح محمد فضل الشهير بالشيخ أبو يحيي، هو سطر أسود من تاريخنا.. في أوله اسما خالد سعيد وسيد بلال اللذان اغتالهما زبانية الاسكندرية من أمن الدولة.
أن يتم وضع الشيخ أبو يحيي في أول ذلك السطر يعني العودة إلى تاريخ مرير، يسجن فيه الأشخاص بانطباعات آخرين عنهم. وتغلق عليهم الزنازين بقرارت إدارية مجاملة ومضغوط عليها، يهرب أصحابها من الصداع بوضع الأبرياء في المعتقلات.
في دولة القانون لا يجب أن يظلم أبو يحيي ولا مرقص. لا فرق بين علاء وجمال مبارك، وبين متهم من عامة الناس.. العدل أن نساوي بين الجميع وألا ننزع حرية أحد بدون إدانة بحكم قضائي.
إلى الآن لم يدن أبو يحيي في التهمة الموجهة إليه باشعال فتنة كنيسة إمبابة. ويبدو "أمن الدولة" حاضرا في عملية التنكيل به، وهي أمارة دامغة على أن هذا الجهاز المرعب ما زال حياً في مؤسسات الدولة. أصابه مرض خلال ثورة يناير لكنه لم يمت وما زال ينهش بأصابعه جسد المجتمع.
بدأ أبو يحيي إضرابا يوم الثلاثاء بعد اخضاعه لدورة "دوخيني يا ليمونة". فقد تم نقله إلى سجن مزرعة طرة المخصص للمحبوسين احتياطيا ثم إلى ليمان طرة المخصص للمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، فإلى سجن الاستقبال داخل غرفة انفرادية بدون دورة مياه ومغلقة عليه من تاريخ إيداعه، وبجواره زنزانتان فيهما شخصان "مختلان عقلياً"، مما أدى إلى عدم راحته بسبب أصواتهما الصاخبة ليلاً ونهاراً.
وحسب ما نشر أمس في بعض المواقع الالكترونية اعتبر الشيخ أبو يحيى، ذلك محاولة لاغتياله نفسياً داخل محبسه بسجن طره، وتقدم ببلاغ لمحكمة أمن الدولة العليا طوارئ، اشتكى فيه من سوء معاملته فى السجن، موضحاً أنه تعرض للضرب والإهانة من ضباط السجن بعد اعتراضه على قيام أحد المخبرين ببيع المخدرات للمساجين.
ما زال هناك ضباط يضربون ويهينون وضحايا لهم؟!..
إنها آفة قانون الطوارئ، فهو أكسجين جهاز أمن الدولة ويده الحديدية. عندما التقى محامي "أبويحيي" أحمد سيف الإسلام بمأمور السجن وقال له إن هناك متعاطفين كثرا معه وقد يعتصمون أمام السجن، رد عليه بغطرسة "مش مهم.. قانون الطوارئ اتفعل وحنلمهم كلهم"!
أبو يحيي هو أحد ضحايا قانون الطوارئ في السابق، وأول ضحاياه بعد التفعيل، فبمجرد الإعلان عن ذلك اقتحمت قوة من مصلحة السجون زنزانته وقيدته وعصبت عينيه وساقته إلى سجن الليمان المخصص للصادرة ضدهم أحكام نهائية.
تفعيل قانون الطوارئ لم يجلب الأمن لمصر. لم يخف بلطجية ولا مجرمين. لم يوقف المظاهرات ولم يمنع أحداث ماسبيرو. لكنه في الواقع قبلة حياة لجهاز مرعب لا عمل له سوى مطاردة من هم على شاكلة أبو يحيي وخالد سعيد وسيد بلال..
عندما يعيش بلد بقانون طوارئ يصير ناسه أمواتا، فجوف الأرض خير لهم من ظهرها.