آفة المخبول ...!!
لا أدري على وجه التحديد، الهلع المفرط الذي أصاب، ما يسمّى ترفًا بالــ"النخبة"- والمصطلح منهم براء!- مدَّعيّ الحق العلماني والعقلاني، الذين أداروا ظهورهم لإرادة الشعب، وكانوا هم أنفسهم، ومازالوا حجر عثرة أمام أشواقه نحو الحرية، والعيش الكريم - من الإسلام : دينًا وتاريخًا ، وثقافة، وكلما اقترب موعد الانتخابات، ازداد سُعارهم هجومًا محمومًا، غير مبرر، سوى المزيد من وضوح "التفسير المالي" لمواقفهم .. هاجم؛ تقبض !.. اشتم؛ تؤجر فورًا ! وما يلفت النظر حقًا، أن مراكز هذه الحملة، وأطرافها، هي من فلول النظام البائد، أو من تآمروا معهم بليل الذين موّلوا، ودعموا، وروّجوا، وهندّسوا لظهور هذه الوجوه البائسة في المشهد الإعلامي صباحَ مساءَ. وقد لا تعادل هذه الحملة الشرسة لفلول النظام، ومعاونيه ضد كل ما هو وطني، ومخلص مخالف لرأيهم، دجلاً وكذبًا وافتراءً، أية حملات أمنية سابقة قبل الثورة- التي كانت غالبًا، ما ترافقها حينها تعاطف شعبي ضد إرهاب الدولة المنظّم.. أما الجديد في الحملة المتواصلة على كل ما هو وطني وإسلامي، هو تحلُّق وتجمُّع تحالف أشباه المثقفين الفاسدين، المفسدين الجدد، وتوظيف الإعلام الخاص، رأس حربة في أية موجة وطنية، يرونها صاعدة..!
المخطط الفاشل، الذي يقوده ويشارك فيه المتآمرون، والطائفيون، لــ(إسقاط الدولة) أو إحداث (الفوضى)، عبر تمزيق النسيج الوطني، باستخدام ملفات شتى: (الأقليات)؛ أو (الفتنة الطائفية)؛ (تفخيخ العلاقة بين الجيش والشعب)؛ أو التحريض على(الملف الاقتصادي)والتشكيك في دوره وأدائه، والترويج للامتناع عن الاستثمار فيه، أو حتى تمويله أوتقديم المعونات، تمهيدًا لفتح الباب على مصراعيه لــ(ثورة الجياع) لن تكتمل فصوله، بإذن الله، ومصر قادرة على تجاوز كل مخططات الخائنين، بالمعلومات والوسائل(الفضائيات)، والبلطجة، والممولين من كبار رجال الأعمال الفاسدين المعروفين للجميع، وردّ كيدهم إلى نحورهم جميعًا.
ابتلينا على آخر الزمن بمن تضخمت ذواتهم، بدرجة استعصت على العلاج؛ وانتفخت كروشهم، بفضل المال الطائفي المشبوه، حتى كادت أن تنفجر، أحدهم يفخر بعمله(سيناريست)، مهنته التي لم يضف إليها شيئًا سوى تقديم فن أكثر ضحالة وهبوطًا، بقدر سطوع وانتعاش الدراما التركية! ولا أدري لماذا هجر هذه المهنة، بمواخيرها وغوازيها واستبدلها بالتي هي أدنى، ليطل علينا بثياب الواعظين! ومسوح المفتين في الأمور الشرعية؟!؛ لينضم إلى جوقة المتفيقهين في الدين، بزعم أن دين الله لم يجعل بين المسلم وكتاب الله حاجزًا، أيًا كان، وأنه يؤمن أن الله سيسأله عن فهمه لكتابه وسنة نبيه، لا عن فهم هذا الشيخ أو ذاك الواعظ حسبما ذكر!! وهنا يثور السؤال: إذا كان الأمر كذلك، فماذا عن أهل الذكر الذين وصفهم بذلك رب العزة في كتابه العظيم، وورثة الأنبياء كما وصفهم بذلك رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم..، والأكيد أن الفهّامة يجهل الحكمة من ملازمة العلماء والأخذ عنهم، ولا وسائل طلب العلم، وسبيل التلقي عن الأساتذة، والمثاقفة للشيوخ؛ وحسبه، مَنْ مثله شرفًا ملازمة أشباهه، وأقرانه! ويبدو أن مقالاً، للأستاذ فهمي هويدي، الذي ضمّنه أحد كتبه (القرآن والسلطان، قد راق للعلامة، وحاز إعجابه ومن هنا التقط الفكرة، وأخذ يروّج لها كأنه جاء بما لم تستطعه الأوائل! عن حكم دخول أهل الكتاب، والكفّار الجنة، ومتناولاً عدل الله ورحمته، بأسلوب غير لائق، حتى اعترضه أحد العلماء، الذي غار لدينه، ونعته بــ(المخبول)..! ولو أنه أجهد نفسه بالبحث والتقصي عن تلك المسألة؛ لأتاه الخبر اليقين من نتاج العلماء، الذين لا يعجبونه ولا يأخذ عنهم إعجابًا بالنفس واستكبارًا..! أما إذا حاول الالتفاف، على آرائه الشاذة، متعللاً باجتهاده، في ذلك، فيحق لنا أن نسأله، وهل أحطتَ سيادتك علمًا، بشروط الاجتهاد، التي يكاد يجمع عليها العلماء، في المجتهدين: أن يكون عالماً بوجود الرب وما يجب له سبحانه من صفات الكمال وما يمتنع عليه من صفات النقص والعيب وأن يكون مصدقاً بالرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به المشرع ليكون فيما يسنده من الأقوال والأحكام محققاً؛ وعالمًا بنصوص الكتاب والسنة التي لها تعلق بما يجتهد فيه من الأحكام وإن لم يكن حافظًا لها؛ وعالمًا بمسائل الإِجماع والخلاف؛ لئلا يعمل ويفتى بخلاف ما وقع الإِجماع عليه؛ وعالمًا بالناسخ؛ لئلا يعمل ويفتى بالمنسوخ؛ وعارفًا بما يصلح للاحتجاج به من الأحاديث وما لا يصلح؛ وعالماً بالقدر اللازم لفهم الكلام من اللغة والنحو؛ وعلى علم بأصول الفقه لأن هذا الفن هو الدعامة التي يعتمد عليها المجتهد؟!
آفة المخبول والرويبضة، الجهل المركّب؛ فقد خلط بين فهمه القاصر للدين وبين المطلوب منه لأداء دوره ككومبارس فاشل في مسرحية إعلام الفتنة، مشهد النهاية فيها مآله معروف العواقب..!
همسة:
يَظُنُّ الغَمْرُ أنَّ الكُتُبَ تَهْـدِي*** أَخَـا فَهــْـمٍ لإدراكِ الــــعـــلـومِ
وما يَدْرِي الْجَهولُ بأنَّ فيهـا *** غوامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الْفَهـِيـمِ
إذا رُمْتَ العلومَ بغيـرِ شيـخٍ *** ضَلَلْتَ عن الصراطِ المستقيـمِ
وتَلْتَبِسُ الأمورُ عليـك حتـى *** تصيرَ أَضَلَّ من ( تُومَا الحكيمِ )