قال معهد كارنيجي للسلام الدولي، إن الأزهر لم يؤثر في الثورة بالشكل المرجو منه على الإطلاق لكن على العكس أثرت الثورة فيه بشكل كبير وأعادته إلى الصدارة مجددًا، واعتبر أن وسطية شيخ الأزهر ربما تكون أحد العوامل القوية التي تحقق الدور المنشود من الأزهر في الفترة القادمة.
وأضاف المعهد الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، إن الدين أصبح العامل الرئيسي في إدارة العملية السياسية في مصر بعد الثورة، خاصة وأن التيارات الإسلامية بمدارسها المختلفة أصبحت هي المتصدرة للمشهد السياسي برمته في مصر، وهو ما يضع في الاعتبار دور الأزهر كمؤسسة وسطية تنبع ضرورة تقويتها من المخاوف التي يرددها البعض من تصدر أحد التيارات الإسلامية للمشهد السياسي وفرض رؤيته السياسية على الجميع وهو ما سيلغي معه كل البدائل الأخرى التي يطرحها البعض كحل للتوافق بين بعضها البعض.
لكن على الرغم من المطالبات التي تخرج بين الحين والآخر من جانب الإسلاميين في مصر بضرورة استقلال الأزهر وجعله منبرا للإسلام الوسطي ومرجعية لكل المسلمين في العالم- كما يقول التقرير- إلا أن تلك الكيانات الإسلامية تتناحر فيما بينها ساعية إلى فرض رؤيتها الخاصة بالإسلام وأطروحاته السياسية والاقتصادية منحية الأزهر جانبا وهو ما يؤدي إلى إضعافه في النهاية.
وقال إنه على الرغم من أن الأزهر له علاقات جيدة مع الحركات الإسلامية وفي القلب منها "الإخوان المسلمون" الذين لهم أرث كبير في الأزهر حيث يوجد رجالات دين وعلماء وأساتذة بالأزهر بالإضافة إلى الطلاب الذين يدرسون بالأزهر يعتنقون الفكر الإخواني إلا أن بعض علماء الأزهر يعتبرون أن زيادة نفوذ "الإخوان" في المجتمع يلقي بظلاله بطبيعة الحال بشكل سيئ على هيبة الأزهر، ويرون أن ذلك يقلل من هيبة الأزهر في المجتمع بشكل عام.
التقرير- الذي أعده ناثان براون ويتناول ما إذا كان الأزهر قادرًا على الوقوف في وجه الليبرالية والعلمانية خلال الفترة القادمة- يعتبر أن الدولة هي المسئولة عن إهانة الأزهر وخاصة بعد إنشائها لدار الإفتاء كقوة دينية مناوئة للأزهر من جانب الدولة ساعية من خلاله إلى وجود قوة دينية تناطح مشيخة الأزهر وتكون بيد الدولة تحركها كيفما أرادت.
وعلى الرغم مما شاب دوره في السنوات الماضية من الضعف والوهن، إلا أن التقرير يؤكد أن الطلبة المنتسبين إلى الأزهر ينتابهم الفخر والعزة كونهم تابعون لمؤسسة يزيد تاريخها على الألف عام، وكذلك الأمر مع شيوخ الأزهر الذين يعتبرون أنفسهم رمزا للدين في العالم الإسلامي كله وليس في جامعة مصرية الأصل والمنشأ.
ويوضح أن الحرم الجامعي خلال فترة النظام السابق بقى بعيدا عن أجواء الثورة خاصة بعدما تولى أحمد الطيب رئاسة جامعة الأـزهر وسعيه إلى إثبات الولاء للنظام على الرغم من جملة التعديلات التي حاول استحداثها في إدارة الأزهر والمناهج التعليمية المختلفة في الجامعة.
ويرى أن الأزهر لم يؤثر في الثورة بالشكل المرجو منه على الإطلاق لكن على العكس أثرت الثورة في الأزهر بشكل كبير وأعادته إلى الصدارة مجددا، حيث شهدت الجامعة انتخابات ديمقراطية على عمادة الكليات في جامعة الأزهر وشهدت أروقة الجامعة أنشطة جيدة وفاعلة للتيارات السياسية الوسطية منها والمتشددة والسلفية.
وأشار إلى اللقاءات التي عقدها شيخ الأزهر مع رموز العمل الديني والسياسي بمصر بداية من الإخوان والسلفيين انتهاء بالكتاب الليبراليين واليساريين ومرورا بإصدار وثيقة الأزهر التي يسعى من خلالها إلى لم شمل الفرقاء السياسيين في مصر من أجل إعادة بناء مصر.
ويعتبر التقرير أن وسطية شيخ الأزهر ربما تكون أحد العوامل القوية التي تحقق الدور المنشود من الأزهر في الفترة القادمة، لكنه يؤكد على ضرورة وجود أمرين هامين من أجل تحقيق الريادة العالمية للأزهر, أولاها هو التقدير المناسب للمؤسسة من جانب المصريين المطلوب أن يحصل عليه الأزهر لكي يستعيد الثقة بنفسه, الأمر الآخر هو الاستقلال الفعلي والعملي لا النظري من أجل الانطلاق إلى تحقيق الريادة المنشودة.
في المقابل، يقول التقرير إن موقف الليبراليين يتسم بالتناقض تجاه دور الأزهر حيث يرفضون أي دور لأي مؤسسة إسلامية وخاصة إن كانت وسطية إلا إنهم يظنون – وبعض الظن إثم – أن تقوية مؤسسة الأزهر ربما يؤثر على ثقل القوى الإسلامية الأخرى مثل "الإخوان" وهو ما لا يوجد دليل على إمكانية حدوثه.
فيما ينتقد التقرير الدور الرقابي للأزهر، قائلا إن الأزهر الذي يتم تعيين شيخه من قبل الدولة ولا يتم فصله أو عزله إلا من جانب رئيس الجمهورية يمارس الرقابة الثقافية بشكل مستتر وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالفن أو الدراما.
ويصف الدور الذي يقوم به الأزهر بأنه أمر غامض ولا يمت لدوره بصلة، حيث يرى أن الرقابة على الإنتاج الثقافي لا يجب أن تكون تحت وطأة الأزهر أو أي مؤسسة دينية على الإطلاق.
وحول الوثيقة التي طرحها الأزهر، قال "كارنيجي" إنه ربما أن الدافع لطرحها من جانب الأزهر هو شعوره بأنه مكشوف سياسيا وهناك من ينتظر دوره على أحر من الجمر وبالتالي أسرع بتقديم تلك الوثيقة.
ويخلص التقرير في النهاية إلى أن الجميع في مصر يجمعون على ضرورة استقلالية الأزهر ودوره الريادي المنشود منه في الفترة المقبلة لكن هذا الإجماع ربما يكون سطحيا وليس جادا فالاختلاف قائم على من يسيطر على المؤسسة ويوجهها حسب أغراضه الخاصة لا أن يقوم بتحقيق استقلاليتها كما ينشد المصريون.