لا أحد فى مصر الآن يشعر بالآمان لا الشعب ولا عصابة الانقلاب..
نعيش فى زمن قال عنه أبو بكر الواسطى عليه رحمة الله: (ابتلينا بزمان ليس فيه آداب الإسلام ولا أخلاق الجاهلية ولا أحكام ذوى المروءة).
لا أحد الآن بعيدًا عن الاعتقال أو الاتهام.. من أقل مواطن إلى رئيس الجمهورية..
لا أحد فى مصر الآن يشعر بأنه يعيش فى طمأنينة وطن.. من الطالب الجامعى إلى أعظم وأنبل مستشار..
الكل بات يعيش تحت مقصلة الجور والإجرام وتلفيق الاتهامات، ولا استثناءات ولا خطوط حمراء ولا رادع من ضمير أو قانون!!
نعيش فترة استثنائية تعاظمت فيها خيلاء الخيانة وتساندت فيها عصابات السوء وبلغت درجات الوقاحة حدًا غير مسبوقـًا، فأصبحنا نشاهد العجب العجاب دون مقدمات أو مبررات أو مصوغات يقبلها العقل.. نعيش فى زمن "صدق أو لا تصدق" ، أو أغمض عينيك حتى لا ترى ما لا يمكن استيعابه!!
عصابة باغية ساندها السيف والميزان ـ السيف الخائن والميزان المختل ـ ويتكون أفردها من أنجس خلق الله.. أنجس حتى من الخنازير وأقذر من الكلاب وأحط من المومسات وأوسخ من فتحات المجارى.. عصابة اجتمعت لها كل أسباب الخسة والندالة والوضاعة، فلا قضاء ينتفض للعدل، ولا شرطة ترتعد من عواقب الإجرام، ولا جيش يتأثر بآلام شعبه فيحمى شرفه ويصون عرضه، ولا إعلام يفوق من غفلته ووكسته وعمالته ويقول كلمة حق يرضى بها الله، وديدان تجمعت من كل مؤسسات الدولة الفاسدة التى رعاها مبارك وترفض أن تترك الجسد الذى يسكن فيه أمل العالم كله دون أن تجهز عليه!
جرائم تلو جرائم، وفظائع تُنسى فظائع، ومظالم تفوق مظالم، وانحطاط فاق كل حد، وكل من شارك وأيد وفوض وساند وناصر الظلم لا يعرف طريق العودة ولا يفكر فى التوبة والعودة إلى الله.. مازال لدى الأجارم فائض من الإجرام، ومازال لديهم قدرة هائلة ومتنامية على البغى والضلال والسير فى الأوحال والعيش فى غيبوبة تزين لهم سوء الأعمال.. يقول تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا ـ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
أريد أن أصرخ فى وجه كل مجرم وعربيد وساقط وسكير ومنحل وأقول لهم وبأعلى صوت (يا أولاد الكلب) وليس فى ذلك جرم ولا عيب فإننى أكرمهم وأشرفهم حين أصفهم بالكلاب أولاد الكلاب، فالكلاب أوفى منهم وأعظم قدرًا ومكانة.. إن الفرق بين الإنسان والكلب أن الكلب لا يعض من يطعمه، وهؤلاء الأندال عقروا الأيادى التى أطعمتهم ورفعتهم وعلمتهم وأعطتهم المناصب والمراكز..!!
أستسمح أستاذى الدكتور محمد عباس فى استعارة عنوان لمقال شهير له نشرته جريدة الشعب منذ أكثر من عقد، وكانت الأحوال فيه أفضل بما لا يقاس من أحوالنا فى هذه الأيام، وعلى الرغم من ذلك لم أجد من بين الكلمات غير عنوان "يا أولاد الكلب" لأشفى بها غيظ صدرى وغليل قلبى، ولقد فكرت فى عنونة مقالى بأولاد الحرام لكنى متأكد أن أولاد الحرام لا يفعلوا ما فعله السيسى ومحمد ابراهام والطرطور والمخمور وشيخ المنسر وبابا العهد الأسود وكل من على شاكلة كل هؤلاء الأوغاد من القضاة والإعلاميين وقادة الجيش والشرطة الفاسدين... كل هذه الخواطر مرت على بالى فى لحظات عابرة مرت مريرة وثقيلة شاهدت فيها فيلم وثائقى بعنوان "تحت المنصة" عرضته قناة الجزيرة فى ذكرى مرور مائة يوم على مجزرة العصر.. شاهدت الفيلم بأعصاب ملتهبة خصوصًا تلك المشاهد الرهيبة التى واكبت فض الاعتصام والتى عاشها شرفاء رابعة ممن بقوا على قيد الحياة وهم يسابقون المجنزرات والنيران الزاحفة على الخيام التى تحوى جثث الشهداء فى محاولات مذهلة وجبارة لنقل الجثث قبل أن تجرفها الجرافات الغادرة والنيران الزاحفة بعزيمة وجهد لست أدرى من أين أتوا به بعد جهد يوم عصيب من الصراع مع قوات الجيش والشرطة ونقل المصابين وجثث القتلى... مشاهد لن تمحى من الذاكرة، وقبل أن تجف دموعى وتهدأ أعصابى استمعت إلى الأحكام الجائرة على الطلبة بالسجن سبعة عشر عامًا فى جريمة التظاهر ورفض الانقلاب، ثم الحكم على 21 من الفتيات القاصرات ضمن حركة 7 الصبح بالسجن أحد عشر عامًا وهم مكبلين بالحديد فى قاعة المحكمة أمام أهلهم وذويهم ثم الزج بهم فى سجون العاهرات وتجار المخدرات واللصوص والقتلة.. أعقب ذلك القبض على المستشار الجليل محمود الخضيرى .. ثم... ثم... ثم...
ظلمات بعضها فوق بعض فقدت فيها أعصابى وصوابى وعقلى ورشدى وقلت لابد من دعم الخيار المسلح فى مقاومة هؤلاء الطغاة الأندال، وهو خيار أرفضه وسأظل أرفضه لكننى اخترته مثلما يختار الشخص المحاصر بالنيران وهو فى الأدوار العليا حين يختار أن يلقى بنفسه من الشرفة دون تقدير أو تفكير حيث يهرب من الموت إلى الموت ولا يجد خيارًا آخر!!
تذكرت الطفل الذى يبكى موت أمه فى رابعة وهى ملقاة أمامه على الأرض لا تحرك ساكنـًا.. تذكرت الشهيد أبو عبيدة وهو يتلو الشهادة قبل استشهاده بيوم واحد لتكون شاهدة وناسفة لكل أكاذيب الإعلام المصرى فيما يخص منصة رابعة.. تذكرت السيدة التى راحت تكتب على ملابسها وجسدها الاسم والعنوان لحظة الهجوم على معتصمو رابعة كى يتعرف من يعيش بعدها على جثتها.. تذكرت صوت التائب الذى ظهر فى شريط الجزيرة "تحت المنصة" وهو يشكو إلى الله ذنوبه وتقصيره ويرجو رحمته ومغفرته.. تذكرت من يهتف إلى الله رافعًا يداه فى هستيريا من يشاهد الجثث والجرافات تجرفها والنيران تلتهمها.. تذكرت المساجد التى أحرقت على من فيها والمصاحف التى ارتوت صفحاتها من دماء الشهداء.. تذكرت "يا أولاد الكلب" حسرة الوالد ولوعة الوالدة على فراق الأبناء وسألت الله أن يريكم ذلك فى أولادكم أولاد الحرام.. تذكرت قهر الزوجة وحسرة الأبناء.. تذكرت الخراب الذى أحل بالبلاد.. تذكرت التنكيل بأشرف حاكم منذ عصر الخلفاء الراشدين وحبسه فى سجن انفراده ومنع أهله من زيارته.. تذكرت من أختطفوا من عملهم مثل النقيب المحترم السيد عبدالمجيد.. تذكرت من أختطفوا من المستشفيات وهم مرضى لا حول لهم ولا قوة.. تذكرت الدستور الذى جمد من أجل أن تكتب ليلى علوى والأنبا بولا ومخرج الشذوذ والسلمى "توتى" بدلاً منه.. تذكرت كل الاستحقاقات الانتخابية التى فرح بها الشعب وصرف عليها المليارات عندما ذهبت أدراج الرياح بأمر السيسى المجرم.. تذكرت من أعتقلوا من الشرفاء وأساتذة الجامعات.. تذكرت من أحيلوا إلى الصلاحية من القضاه الشرفاء.. تذكرت المستشار هشام جنينه وهو يخوض بمفرده معارك الفساد ضد وزير العدل الحالى ورئيس نادى القضاه.. تذكرت أغانى الساقطين والساقطات التى تمجد فى السيسى وجيش كامب ديفيد.. تذكرت خيانة الأقباط عن بكرة أبيهم بعد طول عشرتنا لهم وصفاء أخلاقنا معهم.. تذكرت الشيخ على جمعة ذو الرائحة النتنة والخبيث من القول.. تذكرت قول جورج إسحاق من أن 30 يونيو هو نهاية الإسلام فى مصر.. تذكرت تحركات تواضروس فى الداخل والخارج بغرض هدم مصر وقوله عن الدستور المزور "لابد أن نخبيه عن العين زى الحامل والجنين".. تذكرت المتحدث الرسمى جاذب السيدات.. وتذكرت حوار السيسى مع الساقطات وصور الممثلات وهم يعتلين الدبابات فى شوارع مصر.. تذكرت من كتبوا قرآن للسيسى وأضفوا عليه أوصاف الإله... تذكرت أشياء عديدة تفاعلت مع بعضها ثم أخرجت عنوان هذا المقال.