هل حان قطاف رؤوس الفتنة ..؟!
ما حصل على صعيد الإعلام المصري، والخاص منه تحديدًا ما بعد الثورة؛ يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك، أننا نعيش عصر المراهقة الإعلامية، بكل متطلباتها، وآثارها المدمّرة، يواكبها بالتوازي، مراهقة سياسية، تتمثّل في توالد عدد من اتحادات وائتلافات الثورة التي تكاثرت كالأرانب، والعدد في الليمون ! تعايشت عليها البرامج الحوارية، وأضافت إليها البهارات اللازمة، والعناوين المثيرة، التي تلوي أعناق الحقائق على الأرض ليّا؛ وتعرضها لحالة من الإغراق الشديد ماليًا ومهنيًا، وفي الوقت نفسه، زادت من لهيب الشارع، وتخيَّلوا كمَّ العناوين المثيرة، لإعلام هادم وصادم، يضخّم من السلبيات، ويوغل في التشاؤم، وينذر بعواقب وخيمة، بدلاً من أن يكون أكثر مهنيةً، وموضوعية، وشفافيةً ومصداقيةً، دونما التزام بميثاق الشرف الإعلامي أو ما يسمَّى بالأخلاقيات، وتلك بمثابة الفريضة الغائبة!
وإذا فحصنا عينة عشوائية لبعض التناول الإعلامي المكتوب والمرئي منه خصوصًا؛ نجد أنه من غير المقبول ولا المعقول، أن نقرأ خبرًا ما، أو نشاهد حدثًا ما، أو قصة خبرية عن الموضوع ذاته بخمسة أو سبعة تناولات ومضامين متنوعة، بحسب كل وسيلة إعلامية، مقروءة أو مرئية..، وبحسب المناورات السياسية نفسها! بعيدًا عن الأسس المرعية، والواعية والمنطقية ما قد يؤدي إلى تشويش على فكر المتلقين/ المواطنين وإحداث نتائج غير سوية وآثار وخيمة، تأتي على صحة الناس نفسيًا واجتماعيًا، واقتصاديًا أيضًا، وهو ما حذّر منه د. أحمد عكاشة، من انعدام وجود أمان المعلومات والإعلام، قد يصيب صحة المواطن النفسية ويمرضها، مثل غياب أمن الشرطة !.. حتى اعتبر البعض أن الانفلات الإعلامي؛ بات أكثر خطورة من الانفلات الأمني في الوقت ، الراهن، باعتبار أن تلك الفرضيات لها دلالاتها من الناحية النفسية، لاسيما فيما يتعلق بالأمل..! مع التسليم المطلق أن حرية الرأي وحرية التعبير لا تعنيان، في أي زمان أو مكان، الانفلات الإعلامي، أو الفوضى، أو إسقاط أجندات خاصة على الواقع المُعاش..؛ فالإعلام حتى في الدول ذات الديمقراطيات السحيقة، له ضوابط، ومواثيق شرف، تحكم العمل الإعلامي دون وجود قانون، أو رقيب، أو حتى جنرال؛ لأن الرقيب الذاتي لدى كل إعلامي، ولدى كل مؤسسة، لها معاييرها المهنية والأخلاقية..! ..
ولعل ما ساعد على هذا الانفلات الإعلامي، عدم وجود مجلس أعلى للإعلام، من شأنه الإشراف على سوق الإعلام وتقويم أدائه دوريًا، بالإضافة إلى تعمُّد كل الفضائيات الخاصة عدم الإفصاح عن ملكيتها وتمويلها؛ كضمانة لحقوق المجتمع المصري، جنبًا إلى جنب مع الحفاظ على الحريات؛ فضلاً عن انطلاق هذه الفضائيات من مشاريع سياسية ومصالح داخلية وخارجية، تضخ أموالاً غير بريئة بهدف التأثير على الرأي العام ..! ولا نريد أن نغفل تأثير الارتباك الحاصل في الجهاز الإعلامي الرسمي، منذ تفجّرت الثورة، وما صاحبها من ممارسات سلبية، ذكرناها سابقًا.
في ظل هذا الوضع المتردي للإعلام الخاص في مصر، افتعل أحد رؤوس إعلام الفتنة، تمثيلية غاية في الإتقان، شاركه البطولة قناته، في تناغم شديد، على طريقة: شيلني وأشيلك! في إحدى فقرات بيانه، العاطفي بنكهة البطولة، يقول: "وإن وقفتي كمواطن يخشى على وطنه لا حدود لها، لكن وقفتي اليوم كإعلامي تدعوني إلى رصد تدهور ملحوظ في حرية الإعلام المهني في مقابل تهاون ملحوظ مع الإسفاف "الإعلامي". هذا التدهور وذلك التهاون نابعان من اعتقاد من بيده الأمر أن الإعلام يمكن أن ينفى واقعًا موجوداً أو أن يخلق واقعًا لا وجود له. تلك هي المشكلة الرئيسية، وذلك هو السياق الأوسع الذي لا أريد أن أكون جزءًا منه".
وتداخلت القناة البطلة هي الأخرى، من جانبها لإتمام التمثيلية، فوصفته "بالإعلامي الحر في مواجهة من يأبى للإعلامي أن يكون حرًا، ولا ضغوط تستطيع السيطرة على قناتنا إعلاميًا(!!) وقالت القناة فى بيانها: إيمانًا من القناة، بدور الإعلام الحر، والذي تتخذه منهجًا في محتواها، وأمام موقف الإعلامي الذي أوضحه في بيانه الصحفي، فإن القناة، تحترم وتتفهم وتؤيد موقفه ووجهة نظره في الرسالة التي يحاول أن يوصلها للجمهور بتعليق برنامجه إلى أجل غير مسمى، وهى أن هناك تدهورًا ملحوظًا في حرية الإعلام المهني في مقابل تهاون ملحوظ مع الإسفاف "الإعلامي"!! ...ولعل الراصد لبرامجه وبرامج غيره، استضافة أصحاب الرأي الواحد؛ لإقامة حفلة على شرف التوجّه المراد تصفيته.. نعم.. إسفاف إعلامي بدرجة امتياز!
رصد الإعلامي، تدهورًا ملحوظًا في حرية الإعلام المهني، التي اشتكى منها القاصي والداني حتى وصلت إلى انفلات، يفوق الانفلات الأمني ! ومع ذلك لم تسعه هذه الفوضى، ليضرب أمن الوطن في مقتل هو ورفاقه، الذين يجمعهم راعٍ واحد يسوقهم أنى شاء في وسائله الإعلامية المتنوعة ! والقناة نفسها شاركته الاعتراف هي الأخرى بأن هناك تدهورًا ملحوظًا في حرية الإعلام المهني، في مقابل تهاون ملحوظ مع الإسفاف "الإعلامي"! غير أن البيانين: الإعلامي والقناة، لم يذكرا على وجه الدقة الجهة التي منعت بسلامته من عقد الحلقة موضوع البيان، الذي كان يزمع فيه استضافة، اثنين من أصحاب الصوت العالي؛ لتقويم حديث عضوي المجلس العسكري الذي أذيع مساء الأربعاء على قناتي دريم والتحرير..، أحدهما ضيف، كان أحد المحاورين، ما يدعو إلى الشك والريبة.. كيف لمذيع أو صحافي تلفزيوني، يقوم بإجراء مقابلة ما، ثم يذهب اليوم الثاني لقناة أخرى ليقوَّم حلقته ؟! وإلا ستكون حفلة على شرف عضوي المجلس، خاصة، والحكم الانتقالي بشكل عام.
وإذا كان البيانان يلمحّان، بإشارات خفية إلى المجلس العسكري دون توضيح، فإن الأخير لم يأمر بإلغاء الحلقة، ولم يسع إلى إلغائها على الأقل حتى الآن، وكذا بيان القناة التي ردّت وطبّلت هي الأخرى لم تلغ الحلقة؛ إذن تعالوا نبحث عن العفاريت التي ألغتها، وأوحت لمقدمها والقناة بصياغة مثل هذه التمثيلية الخائبة والمملة ..! خاصة وأن إعلام المارينز ما زال يؤدي دوره باقتدار، ويهاجم الجميع ليل نهار في صحافته المكتوبة صباحًا وبرامجه الحوارية في قنواته الفضائية المشبوهة ليلاً ..، ومع ذلك لم نشهد إلغاءً لبرنامج منه، أو إيقاف فضائية، منها، حتى أن أحدهم قد تطاول على شخصية قيادية وسيادية ولم يُمَس بسوء !
يبدو أن مثل هذه البيانات الفشنك التي يدّعي أصحابها بطولة زائفة، سنشهد منها الكثير في الأيام المقبلة بعد حالة الإفلاس التي انتابت هؤلاء المتأقبطين، إيذانًا بانتهاء عصر رؤوس إعلام الفتنة..! بعد أن شرعت النيابة العسكرية في إجراء تحقيق موسّع مع كل المتورطين في أحداث ماسبيرو؛ فبدأ المسكين يتحسّس نفسه، وبرنامجه؛ ليصيغ هذه المأساة بالاشتراك مع قناته، وهما اللذين ساعدا على التحريض، ضمن جوقة كذابي الزفة، في الوصول إلى هذا المشهد الدامي والأكثر مأساوية خلال الشهور التسعة الماضية، سيما وأنه تاريخ البعض معروف مع بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية، ولحسن حظهم، أو سوء حظهم، أن كل شيء موثّق الآن صوت وصورة !
همسة:
تقول: هذا مُجاج النحل، تمدحه **** وإن تشأ قلتَ: ذا قيء الزنابير!
مدحًا وذمًا وما جاوزت وصفهما **** والحق قد يعتريه سوء تعبير!
https://twitter.com/#!/heshamyousu