وصف أحمد خلف -الباحث بمركز الحضارة للدراسات السياسية- الحالة التي بات عليها القضاء الآن هي حالة بالغة الخطورة، تؤكد أننا أمام هيئة تخلت عن أبسط قواعد العدالة، حتى الصورية منها، فحين تقدم القضايا على هيئة معينة، بغض النظر عن صحة هذا التقديم ومدى عدالته، فإننا ننتظر من الهيئة القضائية أن تصدر أحكاما متوازنة حتى وإن كانت ظالمة، فننتظر مثلا عقوبة أغلظ لقضايا القتل وأقل لما دونها، ولكننا نجد عين الذي يحكم تتفاوت في النظر بين المتقاضين أمامه، وعلى حد قول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا
فإذا كان ينظر بعين الرضا لمتهم أمامه، نال منه البراءة أو حكما مخففا، أو معيبا يقبل الطعن فيه بسهولة، لا سيما إن كان هذا المتهم قاتلا للثوار منتهكا لحقوق المواطنين.
وأضاف في تصريح خاص لـ"الحرية والعدالة" وإذا كان ينظر بعين السخط، فإنه يعتبر ما لا يُعْتَبَرُ قانونا كتحريات الشرطة دون شهود أو أدلة، وكروايات تافهة لا يمكن تصديقها، وكوثائق غريبة لا يعقل أن يتخذها أحد دليلا على شيء، ولكنها تصلح عند من يحكم بعين السخط، لا سيما إن كان المحكوم عليه من رافضي الانقلاب أو من الثائرين والرافضين للظلم والقمع والفساد والاستبداد سواء كان من ثوار 25 يناير أو رافضي الانقلاب العسكري.
وتابع: والأحكام التي خرجت بالأمس القريب بتبرئة ضباط "سيارة ترحيلات أبو زعبل"، وحكم مخفف على "مدرب الكاراتيه" المتهم بممارسة الرذيلة مع نساء وتصوير هذه المشاهد ونشرها، في مقابل إحالة أوراق عشرة من العلماء للمفتي بتهمة قطع طريق، منهم مسِنُّون أصابهم عجز يحول دون تصور ارتكابهم لفعل في هذه التهمة يقتضي الحكم عليهم بأي عقوبة فضلا عن أن يكون هذا الحكم هو الإعدام، في استمرار لمسلسل الأحكام غير المعقولة المخالفة لأبسط القواعد والإجراءات القانونية بالإضافة لإجراءات التقاضي، ليؤكد بوضوح عمق الأزمة التي يمر بها القضاء، وأنه صار أداة ممتهنة بيد سلطة لا تعرف للعدل طريقا، ولا تدرك للرحمة بابا.
ونبه "خلف" إلى أن هذه الأحكام لا شك في أن توقيت إصدارها بالغ الدلالة، ولم يتم اعتباطا، فهو يأتي عشية قسم السيسي لمنصب الرئاسة، وفي حضور وفود دولية خليجية وإفريقية وغربية، ولا بد أن يظهر الزعيم أمامهم قويا ينزل أشد العقاب بمعارضيه، ويحمي أنصاره ومؤيديه، كما أنه يرسل ذات الإشارة للشعب والقوى السياسية، ألا ينتظروا منه تغيرًا في الوضع السياسي السائد منذ انقلاب 3 يوليو الماضي، وهذا إن دل على شيء فإنما ينسف كل الآراء التي كانت تدَّعي محدودية دور السيسي منذ قام بانقلابه.
ويثبت أن ما تم منذ ذلك الحين إنما كان بإيعاز منه وتوجيه مباشر، وأن سياسته في إدارة الأمور ستظل كما هي، بل إنه يحاول بمثل هذا المسلك الذي سلكه في الوقت الذي تتوافد عليه وفود دولية أن يستغل وجودها في أن يحظى من خلال التزامن بين إصدار هذه الأحكام ووجود الوفود بغطاء دولي لإصدار مثلها فيما بعد، وأن يقلل من آثار الانتقادات التي يمكن أن توجه له –ولو ظاهريا– من بعضها، فقد صدر مثلها أثناء وجودكم ولم تعترضوا، فكيف تعترضون الآن؟!!
ولفت "خلف" إلى أن ما يحدث داخل القضاء الآن، يثير التساؤلات عن جدوى وفاعلية أجهزة كالتفتيش القضائي، وهل تقوم بدورها أم أنها توافق على كل هذه المخالفات القانونية والقضائية التي تعصف بمظهر وجوهر العملية القضائية، وتهدد مكانة القضاء والقضاة في المجتمع؛ فالقضاء يستمد سُمُوَّ مكانته من العدل والثقة التي يستشعرها المتقاضي بعدالة الهيئة القضائية حين يقف أمامها ليحصِّل لنفسه حقا أو يدفع عنها ظلما، فإذا تلاشى هذا الشعور من نفوس المتقاضين والجمهور سقط القضاء؛ وصارت الحقوق تنال بقوة السلاح والنفوذ، لا بكلمة القاضي التي كانت تقف أمامها الهامات مطأطأة الرأس تنتظر حكمها في خضوع واستسلام.